كيف ينجح فنان بأغانٍ لا تقدم جديدًا؟ وكيف يظل جمهوره متعلقًا بماضيه أكثر من حاضره؟
هذه التساؤلات تفرض نفسَها عند الحديث عن «فضل شاكر»، الفنان الذى نجح فى التواجد بالصفوف الأولى فى المشهد الموسيقى رغم الأغانى التى يغلب عليها الطابع التقليدى، وتكرار المقامات، والابتعاد عن التجديد الموسيقى.
من منظور التحليل النفسى لـ«سيجموند فرويد»؛ يمكننا فهم تعلق الإنسان بالماضى. «فرويد» يرى أن الإنسان يلجأ إلى ذكرياته عندما يثقل الحاضر بالضغوط والتوتر، كأنها ملاذ آمن؛ حيث الحب غير المشروط والاهتمام موجود بلا شروط.. هذه العودة غير الواعية إلى الماضى توفر للإنسان تخفيفًا للقلق والصراع الداخلى؛ لأنها مأمونة النهايات، لا مفاجآت فيها، ولا مخاطرة بالمجهول.
وهنا يكمن سر الجمهور العريض الذى يعلق على أغانى «فضل شاكر» ويقول ببساطة: «هو رجع بينا للزمن الجميل».
السؤال إذن: هل الزمن الماضى جميل حقًا؟ أم أن ما يقدمه «شاكر» مجرد استدعاء لذكرياتنا أكثر من كونه جديدًا ومبتكرًا؟
الفن، كما نعلم، معقد ولا يعرف تعريفًا ثابتًا، لكنه مرتبط دائمًا بالدهشة، تلك اللحظة التى تجعلنا نقف مذهولين أمام الإبداع.. الدهشة الحقيقية تنشأ حين يكون العمل مفاجئًا وجديدًا، حين يفاجئنا اللحن أو التوزيع أو الفكرة.
لكن أعمال «فضل شاكر» الأخيرة، عند التحليل المتجرد، تبدو «أوفر ريتد»، أى أكثر تقديرًا مما تستحق.. فأغانيه لا تقدم جديدًا، وتستند إلى المَقام نفسه فى أغلبها؛ وبخاصة مقام «الكرد» التقليدى.. فنجد أن أغنية (أحلى رسمة)، و(روح البحر)، و(وغلبنى) جميعها تدور فى نفس المقام، وتكرّر نفس الأنماط الموسيقية.
لنأخذ مثالاً آخر، «كليب» أغنية (روح البحر)؛ حيث تبدأ الأغنية و«الكاميرا» مركّزة على مشهد سيارة قديمة من موديل 1981، كدليل على محاولة استدعاء الماضى واستعادة روح زمن يراه جمهورُه جميلاً.. الكلمات هنا متكررة ومُملة: «ودو حبيبى البحر.. دا روح حبيبى البحر».. صياغة الأغنية تضع البطل فى موقف المتفرج، لا الشريك الفاعل، ما يجعل المعنى سطحيًا، ويحرمه من أى تواصل حقيقى مع المستمع.
فكرة الأغنية تضعنا أمام تساؤل حقيقى: ما هو دور البطل الحقيقى فى الأغنية الذى يغنى بلسانه «فضل شاكر»؟ هل المطلوب منا أن نأخذ حبيبَه إلى البحر ليستمتع؟ إذًا؛ ما دورك أنت؟ هذه النوعية من المواضيع تذكرنا بـ«أدوار» المطربين المصريين فى حقبة الاحتلال الإنجليزى عندما كانوا يقولون «هاتولى حبيبى»، كتأكيد إضافى على قدم المنهج الذى يغنى من خلاله «فضل شاكر».
تغلب القوافى التقليدية على أعمال «شاكر»، دون أى محاولة للتجديد أو الابتكار.. فى أغنية (أحلى رسمة)، نجد: «طايرة، حايرة»، «معاك، جواك»، وفى (روح البحر): «بحر، سحر»، «معانا، ويانا». التكرار والاعتماد على القوالب الجاهزة يجعل الأغانى مُملة، ويغلق الباب أمام الدهشة.
حتى فى التوزيع الموسيقى؛ نجد التركيز على المقام الواحد، دون تنقلات، أو مزج «شرقى- غربى»، أو خَلق حالات جديدة فى الإيقاع.. الفن هنا مجرد استدعاء للمألوف، وتكرار للنمط؛ بعيدًا عن التجديد والدهشة..
ولو عدنا إلى أغنية الديو (كيفك ع فراقى)، نجد فشل التجربة المشتركة فنيًا بوضوح؛ الأصوات متقاربة إلى حد يصعب تمييزها، والجُمَل اللحنية متكررة بين الصوتين، ولا يحدث أى تفاعل أو حوار موسيقى حقيقى. كما أن الأغنية تعطى انطباعًا بأن الثنائى يغنيان عن فراق نفس الفتاة، فى حين أن هذا التكرار والتداخل اللغوى يخل بوضوح المعنى، ويضع المستمع فى حالة من الحيرة بدل أن يشعر بالانسجام والتفاعل.
بالمقابل؛ فى الأغانى المشتركة الكلاسيكية، مثل دويتو «عبدالحليم حافظ وشادية»، كل صوت له دوره المميز وجُمَله اللحنية الخاصة به، ما يخلق حوارًا موسيقيًا غنيًا ومتفاعلاً. حتى فى الديو الأنجح هذا العام، (خطفونى)، نجد تنوعًا حقيقيًا: تداخل بين أشكال الراب والبوب والمقسوم اليونانى، جُمَل لحنية مختلفة، وأصوات متباينة واضحة، ما يمنح الأغنية حياة وحركة ودهشة حقيقية، بعكس ما نراه فى أعمال «فضل شاكر» الحديثة.
ربما يبقى «فضل شاكر» مثالاً على قدرة الفن على «اللعب» بالذاكرة الجماعية واستغلال الحنين النفسى، لكنه ليس مثالاً على التجديد، ولا على قدرته فى دفع الفن نحو آفاق جديدة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "

















0 تعليق