بالبلدي: الإجابة عن أسئلة عمرو أديب.. رحلة الشرع من الكهوف إلى واشنطن

روز اليوسف 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن سؤال عمرو أديب فى برنامجه عن أحمد الشرع مجرد فضول إعلامى أو استغراب عابر، وهو يكرر بدهشة مصنوعة: لماذا يدعم العالم هذا الرجل؟ ولماذا تُفتح له أبواب العواصم بعدما كان حتى الأمس القريب مصنفًا إرهابيًا ومطلوبًا للعدالة الدولية؟

سؤال فى ظاهره استغراب، لكنه فى جوهره تذكير بحقيقة يعرفها أديب قبل غيره أن السياسة لا تعرف الصدفة، وأن التحولات الكبرى لا تصنعها الفضائل، بل تكتبها المصالح.

فالرجل الذى كان بالأمس يطارد فى كهوف الشمال السورى، صار اليوم يعبر بوابة البيت الأبيض من بابه الجانبى، كضيف مؤقت منزوع المراسم. مشهد رآه أنصاره نصرًا وطنيًا، لكنه فى عمقه إعلان رمزى عن هوية المرحلة الجديدة .مرحلة الولاء المقنن تحت سقف الرضا الأمريكى.

حين جلس الشرع وفريقه أمام الرئيس الأمريكى، جميعهم يرتدون رابطات عنق حمراء التزامًا بتبعية اللوك الذى ظهر به ترامب، بدت الصورة كأنها لوحة سياسية مكبلة بالحبال الخفية. الجميع مربوط من الأعناق لا من القناعات!

زيارة الشرع إلى واشنطن — كأول رئيس سورى يطأ عتبة البيت الأبيض منذ الاستقلال — لم تكن حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل فصلًا جديدًا فى إعادة رسم خرائط المشرق العربى. فواشنطن لا تمنح الاعتراف مجانًا، ولا تستقبل أحدًا إلا لأداء وظيفة محددة فى معادلة المصالح. ومن الواضح أن الرجل لم يُقدَّم كقائد وطنى، بل كوجه مقبول لصفقة هدفها الأول تحجيم النفوذ الإيرانى فى بلاد الشام تحت لافتة «التحالف الدولى ضد الإرهاب».

التحالف الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة لا يطارد الإرهاب بقدر ما يعيد هندسة الإقليم. المطلوب أمريكيًا هو إغلاق الممر الإيرانى الممتد من طهران إلى المتوسط، وضبط التمدد الروسى شرق الفرات، واحتواء الدور التركى فى الشمال، ضمن شراكة تضمن أمن إسرائيل وتُبقى طهران تحت السيطرة.

فى هذه المعادلة الدقيقة، يظهر الشرع كواجهة تحمل ملامح السيادة، لكنها محكومة بإحداثيات الآخرين. واشنطن ترسم الخطوط، أنقرة تضمن الحدود، موسكو تراقب من بعيد، وإسرائيل تبتسم وهى ترى الأراضى السورية تتحول إلى ساحة مفتوحة لعربدتها العسكرية دون صد.

يا عمرو أنت أول من يعلم أن الرضا الأمريكى ليس وسامًا سياسيًا، بل عقد عمل مؤقت يبدأ وينتهى بتبدل الحاجة. وما دام الهدف قائمًا- تحجيم إيران وضبط الإيقاع السورى وفق المصالح الغربية- فسيبقى الرجل فى الصورة. أما حين تنتهى المهمة، فسيُعاد إلى الرف ذاته الذى وُضع عليه من سبقوه، تمامًا كما تُعاد الأدوات إلى صناديقها بعد انتهاء الورشة.

مستقبل سوريا يُكتب اليوم بحبر المصالح لا بحبر الشعارات. السيناريو الأقرب هو استقرار مشروط، تُمسك فيه السلطة بالعاصمة والمدن الكبرى تحت رعاية دولية، مقابل التعهد بعدم عودة النفوذ الإيرانى، وضمان تركى فى الشمال، ومشاركة روسية محدودة فى الإعمار. لكن هذا التوازن هش، إذ يكفى تبدل فى المزاج الأمريكى أو تصعيد إسرائيلى أو مناورة إيرانية لينهار كل شيء. فالدولة التى تُبنى على اتفاقات الخارج، تظل رهينة الخارج.

أما الاحتمال الثانى فهو توتر متقطع ، تبقى فيه طهران لاعبًا عنيدًا عبر ميليشياتها وشبكاتها، ما يبرر استمرار الضربات الإسرائيلية والمناوشات الأمنية، ويُبقى الاستقرار السورى مؤقتًا ومشدودًا بخيوط خارجية.

ويبقى الاحتمال الأخطر، أن تنزلق دمشق إلى فوضى جديدة إن عجز الشرع عن إدارة التوازن بين القوى الراعية لا بين السوريين أنفسهم.

ما يجرى فى دمشق اليوم ليس ميلاد نظام وطنى جديد، بل هندسة دقيقة لشرق أوسط يُعاد بناؤه على مقاس المصالح الكبرى. ومن يظن أن زيارة البيت الأبيض شهادة ميلاد ثانية، ينسى أن العالم لا يمنح الشرعية مجانًا، بل يشترى الولاء بأقنعة السياسة وديكور الدولة.

وهنا تكتمل دائرة السؤال الذى طرحه عمرو أديب. لم يكن بحثًا عن إجابة، بل مرآة مرفوعة أمام الجميع تقول بلغة الاستفهام. نعرفكم واحدًا واحدًا، ونعرف الثمن الذى دُفع لتدخلوا من الباب الجانبى إلى البيت الأبيض.>

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" روز اليوسف "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??