منعتنى ظروف شخصية وشواغل طارئة من حضور البرنامج المميز الذى أعده مهرجان القاهرة السينمائى لتكريم خالد النبوى، والحقيقة أن تغيبى عن ذلك كان مثار ضيق بالنسبة لى طوال الأسبوع الماضى.
ليس فقط لأنه نجم كبير وفنان حقيقى وشخصية عامة تستحق الاحترام والتقدير، ولكن أيضًا لأن علاقتنا التى بدأت منذ عقود تجاوزت منذ اللحظة الأولى حدود العلاقة بين صحفى وفنان إلى صداقة عميقة لم تهتز أبدًا وتظل دائمًا موضع اعتزازى بما تضيفه لى إنسانيًا وفكريًا عبر حوار ممتد لم ينقطع يومًا، ومواقف وتحديات شخصية ومهنية تشاركناها، ومراحل صعود وهبوط ومنحنيات خطرة عبرناها بتبادل الثقة والمصارحة بلا حسابات والنصيحة بصدق وإخلاص، وأحلام كانت بعيدة فأمسكنا بها وأخرى كانت بين أيدينا فتبخرت، وذكريات أكثر من أن تُحصى وأغلى من أن تُختصر، وعائلات امتزجت و«عيش وملح» تقاسمناه.. وهو ما أعتبره باستمرار معادلًا مُصغرًا لأحد وجوه تجربة جيل نحن منه وطبقة متوسطة نشأنا فيها ومازلنا ننتمى إليها.
ومن المفارقات أننى على مدار 30 عامًا لم أكتب مقالًا واحدًا عنه.. حاورته هنا على صفحات «روزاليوسف» وكتبت عن بعض أعماله، وحققت فى قضايا أثارتها أفلام كان هو بطلها، وتشاركنا ضربات صحفية دفعنا ثمنها واستضفته فى برامج ومحطات تليفزيونية.. لكننى لم أكتب عنه شخصيًا كفنان أبدًا، لهاجس طاردنى دائمًا - ولايزال - وهو أن الكتابة عن القريبين منى تجعلنى استشعر الحرج من أن يفسرالبعض ذلك كانحياز شخصى أو يشكك فى موضوعيته، ولكن مرور السنوات ربما يكون قد أزال ذلك الحرج ويأتى يوم أكتب فيه عن خالد النبوى ما يستحقه من وجهة نظرى.
وعلى أمل قدوم ذلك اليوم وكسرا لهاجسى المزمن أحاول أن ألتقط ولو بعض عناوين عن ذلك الشخص الذى عرفته.
وفى تقديرى فإن نقطة القوة الأساسية فيه أنه امتلك جرأة وبراءة.. وإرادة دون شك.
- جرأة أن يراهن وحيدا على نفسه فى وقت رفض الكثيرون الرهان عليه، وأن يتمسك بالسير فى طريق لم يكن -فى تصورهم- يمكن أن يصنع نجمًا جماهيريًا.
- وبراءة أن يؤمن بقناعات ويحلل مواقف ويفصح عن أفكار ويتحدث عما قرأه وتعلمه بدون حساب شروط «تجميل النجومية» ومواصفاتها السوقية، فيُتهم بـ«الثقافة»!! بينما الحقيقة أن ثقافته ليست إدعاءً واستخدامها ليس مباهاة واستعراضًا، بل شغف بإعطاء ما لديه إلى المجتمع كلما أتيحت له فرصة طرح رؤية أو المشاركة فى حدث عام.
- وإرادة أن يحترم حلمه فى أن يصبح يومًا مثل رموز شكلت وعيه ووجدانه فى الفن والأدب والسياسة والعلم وأن يأخذ منهم وعنهم ما استطاع ليصنع لنفسه مسارًا وهوية.. وقد ساعدته جرأته وروح المبادرة لديه فى أن يقتحم عوالم أسماء كبيرة فى هذه المجالات ويقترب منهم ويصادقهم فيسمع ويرى ويتعلم.
ورغم أن تلك المقومات عطلته فى أكثر من مرحلة كانت فيها الفرص الحقيقية شحيحة والمسئوليات الاجتماعية والمعاناة المادية ضاغطة، إلا أنه اقتنص كل فرصة أقنعته وخاض كل مغامرة لاح ضوء فى نهايتها، بصبر طويل وبجهد وموهبة مؤكدين، لتثبت السنوات وعمق التجربة أن جرأته وبراءته وإرادته هى النواة الصلبة التى حمته من أن يكون «شبيهًا» أو «عابرًا» أو «ظاهرة مرحلة».. وهى نفسها التى صنعت منه «النجم الممثل» الذى أراد أن يكونه، فتصبح فى مساره أعمال أيقونية كثيرة جعلته الآن مناط التقدير والتكريم المستحق والاحترام العام والجماهيرية الراسخة.
قد لا يتسع المجال هنا للتفاصيل، لكن ما استوقفنى شخصيًا فى السنوات الأخيرة أن جيلًا جديدًا باهتمامات وانتماءات مختلفة ينظر لخالد النبوى بإعجاب واقتناع، ليس فقط كفنان ولكن كصورة ذهنية لشخصية مؤثرة إيجابيًا سلوكًا ومظهرًا وأفكارًا في المجال العام.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "

















0 تعليق