فى حدث قرآنى غير مسبوق، انطلقت مساء الجمعة 14 نوفمبر 2025، أولى حلقات برنامج «دولة التلاوة» على عدد من القنوات المصرية، ليعلن عودة التلاوة المصرية إلى صدارة المشهد الإعلامى بعد سنوات طويلة من الغياب.
لم يكن البرنامج مجرد مسابقة تقليدية، بل هو مشروع ثقافى وروحى متكامل يجمع بين جمال الأداء القرآنى وإحياء المدرسة المصرية الأصيلة، مقدمًا صورة فنية راقية وإنتاجًا تليفزيونيًا على أعلى مستوى من الاحترافية والإبهار.
يأتى برنامج «دولة التلاوة» كثمرة للتعاون بين وزارة الأوقاف والشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية»، وبلغت القيمة الإجمالية لجوائز البرنامج 3.5 مليون جنيه.
فالفائزان بالمركز الأول فى فرعى الترتيل والتجويد يحصل كل منهما على مليون جنيه، إلى جانب تسجيل المصحف الشريف كاملا بصوتيهما وإذاعته على قناة مصر قرآن كريم، فضلًا عن إمامة المصلين فى صلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين خلال شهر رمضان المقبل.
اكتشاف المواهب
يعد البرنامج أحد أهم مشاريع وزارة الأوقاف لاكتشاف المواهب ورعايتها، وتحقيق أهدافها ضمن محور «بناء الإنسان» فى استراتيجيتها، وإبراز أصالة المدرسة المصرية وتفردها فى تلاوة القرآن الكريم والعناية به فهمًا وعملًا.
يصنف برنامج «دولة التلاوة» كأضخم البرامج لاكتشاف المواهب فى ترتيل القرآن الكريم وتجويده، وبث معانى الجمال والجلال القرآنية، والارتقاء بالذوق العام. ويعرض البرنامج على قنوات الحياة، وCBC، والناس، ومصر قرآن كريم، ومنصة WATCH IT، وذلك فى التاسعة مساءً يومى الجمعة والسبت من كل أسبوع.
وقد أُجريت تصفيتان للمسابقة ضمّتا أربعة عشر ألف متقدّم من جميع أنحاء الجمهورية، وضمّت لجنة التحكيم نخبةً من كبار القرّاء؛ لضمان أعلى معايير التقييم من حيث جودة الأداء وإتقان الأحكام وجمال الصوت.
لجنة التحكيم
تتألف لجنة التحكيم من نخبة من أبرز القامات الدينية والعلمية فى مصر والعالم الإسلامى، من بينهم: الشيخ حسن عبدالنبى، والدكتور طه عبدالوهاب، والداعية مصطفى حسنى، والشيخ طه النعمانى. بالإضافة إلى ضيوف شرف المسابقة، وهم: الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد- مفتى الجمهورية، والأستاذ الدكتور على جمعة- عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ جابر البغدادى. كما تضم لجنة مسابقة دولة التلاوة عددًا من كبار القرّاء، وهم: الدكتور أحمد نعينع، والشيخ عبدالفتاح الطاروطى، والشيخ محمد أيوب عاصف، والشيخ عمر القزابرى.
رؤية وطنية
انطلقت المسابقة من رؤية وطنية شاملة تقودها وزارة الأوقاف بالشراكة مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تهدف إلى اكتشاف وصقل مواهب التلاوة فى مختلف المحافظات، وإتاحة منصة حقيقية للشباب لإبراز قدراتهم الصوتية والعلمية.
وفى هذا السياق، أشار وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى إلى أن البرنامج يمثل «فجرًا جديدًا للمواهب المصرية وحناجر ذهبية تعكس التفوق المصرى فى صناعة المحتوى القرآنى».
بناءً على هذه الرؤية، يسعى البرنامج إلى تشكيل جسر حيّ بين التراث العريق وروح الشباب، مع تقديم منافسات دقيقة وشفافة، وبث مباشر عبر قنوات الحياة وCBC وقناة الناس، إضافة إلى المنصات الرقمية الحديثة. وتجسد هذه المنظومة المتكاملة رغبة واضحة فى إعادة التلاوة إلى مكانتها فى الوعى العام، وإحياء الهوية القرآنية المصرية بطريقة عصرية.
خلال أولى حلقات برنامج «دولة التلاوة»، بدا الاستوديو كأنه مشهد حيّ يعكس الجمال القرآنى؛ أصوات شابة تهتف بالآيات، لجان تحكيم مرموقة تضم كبار القرّاء والعلماء، وتفاعل جماهيرى ضخم تجاوز حدود مصر إلى دول عربية عديدة، مما جعل البرنامج يتصدر الترند منذ اللحظات الأولى لعرضه.
أصوات شابة
قدمت الحلقة الأولى من البرنامج نماذج مميزة من الشباب الذين أظهروا نضجًا لافتًا فى الأداء، ما أثار إعجاب اللجنة والجمهور على حدّ سواء، حيث ظهر المتسابق أحمد سامى (16 عامًا) من القاهرة بتلاوة مؤثرة للفاتحة والإخلاص، وصفها أحد أعضاء اللجنة بأنها تحمل «نبرة نادرة وإحساسًا راقيًا بالآيات».
وتألقت المتسابقة نورهان محمد (14 عامًا) من الإسكندرية بتلاوة من سورة يوسف، أبرزت خلالها تمكّنًا من المقامات وقدرة فنية عالية، جعلتها محل نقاش واسع على منصات التواصل.
أما المتسابق مصطفى عبدالرحمن (18 عامًا) من أسوان، فقدّم تلاوة من سورة البقرة امتازت بوضوح مخارجه وعمق إحساسه، ونال على أثرها تصفيقًا حارًا من اللجنة، التى اعتبرته نموذجًا لمدرسة الجنوب فى الإحساس القرآنى.
تعكس هذه الأصوات الشابة مستوى المنافسة المرتفع وإمكانات الجيل الجديد، وتقدم للمشاهدين وعدًا بمواسم قادمة عالية الجودة.
رسائل الأوقاف
فى ظهور لافت خلال أولى حلقات برنامج «دولة التلاوة» عبر الفضائيات، وجّه الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، رسالة شاملة حملت معانى إحياء التراث وتأسيس نهضة قرآنية جديدة تنطلق من مصر إلى العالم.
وأكد الوزير أن هذه المبادرة تمثل صفحة جديدة وفجرًا جديدًا فى عالم التلاوة، تسعى من خلاله الوزارة إلى إعادة تقديم المدرسة المصرية العريقة فى الترتيل والأداء الصوتى، تلك المدرسة التى صنعها عمالقة القرّاء: محمد رفعت، الحصرى، المنشاوى، مصطفى إسماعيل وغيرهم.
أوضح أن الهدف الرئيس للبرنامج هو اكتشاف المواهب الواعدة من أصحاب الأصوات الحسنة، وإتاحة الفرصة لهم للظهور إعلاميًا وتقديم أنفسهم فى فضاء واسع يليق بجلال القرآن الكريم وروعة فنون الأداء. واعتبر الوزير أن هذه المواهب- إذا أحسنت الصقل والتدريب- ستكون قادرة على التعبير عن جمال الأداء القرآنى وصدق التلقى، بما يعيد تشكيل الذائقة القرآنية لدى الجمهور ويربط الأجيال الجديدة بروح التلاوة المصرية الأصيلة.
أشار الأزهرى إلى أن البرنامج لا يقف عند حدود المسابقة؛ بل يمتد ليكون مشروعًا وطنيًا لاكتشاف الأصوات الذهبية وتمكينها، موضحًا أن بعض المواهب المتميزة قد تُمنح فرصة إمامة المصلين فى المساجد الكبرى وصلاة التراويح خلال شهر رمضان، فى خطوة تُعيد الاعتبار لدور القارئ المصرى ومكانته التاريخية فى العالم الإسلامى.
ختم الوزير رسالته بالتأكيد على أن «دولة التلاوة» ليست مجرد برنامج، بل موجة جديدة ونهضة قرآنية شاملة، تنطلق من أرض الكنانة لتعيد للقرآن بهاءه فى النفوس وللمقامات المصرية حضورها بين الأجيال، جامعًا مواهب الجمهورية كلها فى إطار واحد يليق بعظمة كتاب الله.
وخلال الحلقة الأولى لدولة التلاوة أعلن وزير الأوقاف عن رعايته للطفل القارئ «عمر على» المتسابق فى برنامج «دولة التلاوة»، بعد الأداء المميز الذى قدمه وأبهر به لجنة التحكيم والجمهور، مؤكدًا أن الوزارة تولى اهتمامًا خاصًا بالمواهب الشابة فى مجال تلاوة القرآن الكريم.
وقال د. أسامة الأزهرى للطفل عمر: أنا فرحان وسعيد بوجودك.. لحد ما يجيء الوقت اللى تستقل فيه بموهبتك الخاصة.. أتشرف أن أنا أكون راعى للموهبة، إذا ربنا كتب لنا عمر ونواظب على تدريب «عمر». ورعايته إلى أن تشرق شمسه بإذن الله.
رسالة تربوية وفنية
فى قلب البرنامج لا يقف جمال الصوت وحده معيارًا للتقييم، بل يُنظر إلى التلاوة باعتبارها رسالة تربوية وفنية فى آن واحد. هذا ما يؤكده الدكتور أسامة فخرى، رئيس شؤون القرآن بوزارة الأوقاف، الذى يرى أن المسابقة «ليست مجرد أداء صوتى، بل رحلة لاكتشاف جيل جديد من القرّاء القادرين على حمل التراث القرآنى، وإتقانه فهمًا وتدبرًا».
وأكد الدكتور أسامة رسلان المتحدث الرسمى للأوقاف على هذا المعنى، مشيرًا إلى أن البرنامج ليس منافسة لحظية، بل هو مشروع إعداد وتأهيل للمشاركة الدولية، وأن الهدف الحقيقى هو «ترسيخ الهوية القرآنية فى المجتمع، وتكوين قرّاء يليقون بسمعة التلاوة المصرية عالميًا».
تريند مصرى وعربى
ما إن انتهت الحلقة الأولى حتى تصدَّر هاشتاج دولة التلاوة منصة X فى مصر، وتداول المستخدمون مقاطع قصيرة للمتسابقين، مع عبارات إشادة بعفويتهم وحضورهم القوى. ونشرت وزارة الأوقاف تغريدة أشادت فيها بالبرنامج باعتباره «دليلًا على ريادة مصر فى المحتوى القرآنى، وشغف الشباب بالموروث الدينى».
وتصدّر البرنامج مؤشرات البحث على «جوجل» داخل مصر وعدة دول عربية، فيما تناقلت صفحات فيسبوك مقاطع التلاوات مع وصف البرنامج بأنه «ساحة شريفة بقلوب خاشعة» و«عودة قوية للتلاوة التليفزيونية».
كما وصلت أصداء برنامج « دولة التلاوة» إلى العالم، حيث أشاد الدكتور عبدالحميد متولى، رئيس المركز الإسلامى العالمى للتسامح والسلام فى البرازيل وأمريكا اللاتينية، بإطلاق مسابقة دولة التلاوة التى وصفها بأنها «حدث قرآنى غير مسبوق يعيد للقرآن جلاله ويمنح صوت القارئ مكانته وريادته من جديد».
وأشار إلى أن أصداء المسابقة امتدت خارج حدود مصر، لتصل إلى الجاليات الإسلامية فى أمريكا اللاتينية، حيث تابعها الشباب بشغف، ليس فقط لسماع الأصوات، وإنما «للتعرّف على حلاوة الوصل بالله من خلال تلاوة مرتلة تهز القلوب».
وأكد الدكتور عبدالحميد متولى أن مسابقة دولة التلاوة ليست حدثًا عابرًا، بل «ميلاد جديد للخطاب القرآنى الإعلامى»، معربًا عن أمله فى استمرارها سنويًا وأن يكتب الله لها القبول فى الأرض والسماء.
جوهر الإسلام
وفى تطور لافت عكس وصول صدى البرنامج إلى المؤسسات الدينية والفكرية، أصدر مرصد الأزهر بيانًا عبّر فيه عن تقديره العميق لبرنامج «دولة التلاوة»، معتبرًا إياه نموذجًا حديثًا لكيفية مواجهة التطرف عبر أدوات ناعمة تعتمد على الجمال والروحانية، لا على الخطاب المباشر وحده.
المرصد- وهو إحدى أهم الأذرع البحثية والفكرية فى الأزهر الشريف- رأى فى البرنامج مسارًا جديدًا للمواجهة الفكرية؛ فبدلًا من التركيز فقط على المحاججة العقلية، يسلط البرنامج الضوء على «قوة الجمال»، وهى القوة التى لطالما أهملتها أدوات المواجهة التقليدية. فالقرآن حين يُتلى بصوت خاشع وأداء متقن، يصبح- كما وصف البيان- وسيلة لتهذيب الذوق، وإعادة الإنسان إلى جوهر رسالة الإسلام الرحيمة، بعيدًا عن مسارات الغلوّ والتشدد.
وأبرز بيان المرصد بُعدًا آخر بالغ الأهمية: التأكيد على الهوية القرآنية المصرية. فالإشارة إلى المدرسة المصرية فى التلاوة، وإلى القرّاء الكبار الذين أصبح أداؤهم جزءًا من ذاكرة الأمة، ليست مجرد إشادة تراثية، بل هى رسالة مفادها أن استعادة هذه المدرسة العريقة تعنى استعادة أحد أهم حصون الوعى الدينى السليم فى مواجهة التيارات المنحرفة.
وتتعمق الدلالة حين يؤكد المرصد أن ظهور مواهب شابة تتقن الأداء القرآنى هو امتداد طبيعى لدور مصر التاريخى فى حمل مشعل التلاوة للعالم، وأن البرنامج يجسد- بشكل عملى- الوعد الإلهى بحفظ كتابه، كما ورد فى قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
منصة وطنية
قالت الدكتورة إلهام شاهين، الأمين المساعد لشئون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية، إن انطلاق مسابقة «دولة التلاوة» تحت شعار اسم الله «الودود» يعكس بوضوح عمق تعلق الشعب المصرى بالقرآن الكريم وتشجيعه لكل ما هو هادف ونافع وبنّاء، شريطة تقديمه بجمال وإتقان وبالشكل اللائق.
وأضافت أن اختيار الشيخ مصطفى حسنى لتقديم البرنامج كان موفقًا منذ الحلقة الأولى، حيث تمكن من إيصال رسائل مهمة حول الهدف الحقيقى للمسابقة، وهو التدبر فى معانى القرآن وفهم الرسائل الموجهة من الله للمستمع والمنصت للقرآن الكريم.
وأشارت الدكتورة شاهين إلى أن الشيخ مصطفى أظهر تواضعًا جمًّا يليق بأهل العلم وطلبته، مؤكدة أن رسالته الأساسية كانت واضحة: العلم ليس بكثرة الجمهور أو شهرة البرامج أو الإبهار فى العرض، وإنما بالجلوس لتلقى العلم على أيدى العلماء.
وأوضحت أن المسابقة رائعة بكل المقاييس، وأن تفاعل الجمهور الطيب مع البرنامج أضفى عليه روحًا متميزة، مشيرة إلى أن المتابعين يمثلون شريكًا أصيلًا فى نجاح البرنامج واستمرار رسالة القرآن.
وختمت الدكتورة شاهين حديثها بالتأكيد على أن مسابقة «دولة التلاوة» تمثل منصة وطنية لنشر قيم التلاوة الصحيحة، والأداء المتميز، وتعزيز فهم معانى القرآن، وتجسيد مكانة مصر الحقيقية كحاضنة عظيمة لفن التلاوة وعلوم القرآن.
مشروع نهضة قرآنية
إن برنامج «دولة التلاوة» برهن منذ حلقاته الأولى أنه ليس مجرد تجربة إعلامية، بل مشروع نهضة قرآنية يعيد لمصر ريادتها التاريخية فى التلاوة، ويمنح الشباب مساحة واسعة للتعبير عن إبداعهم وإيمانهم. ومع التفاعل الجماهيرى غير المسبوق، تبدو المسابقة ماضية نحو موسم استثنائى سيُحدث تحولًا حقيقيًا فى شكل المحتوى الدينى على الشاشات العربية.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "

















0 تعليق