بقلم: د. محمد السعيد قطب (رئيس فرع الإتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة الغربية)

»» من كنوز الماضي إلى ركائز المستقبل المستدام

في ذاكرة الإنسانية، يظل اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون في الأقصر حدثًا لا يمحى. ففي ذلك اليوم التاريخي، لم يكتشف عالم الآثار هوارد كارتر مجرد كنوز مذهبة، بل كشف عن مخطوطة حية تسرد عبقرية حضارة عمرها آلاف السنين.

اليوم، وبعد مرور عقود على هذا الاكتشاف المدهش، يتجاوز إرث توت عنخ آمون حدود التاريخ الأثري ليصبح أصلًا استراتيجيًا مُدمجًا بعمق في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. إن الذهب الذي نطق قبل قرن يواصل حديثه اليوم بلغة الاقتصاد والوعي والحفاظ على البيئة.

*التراث: القاطرة الاقتصادية للنمو المستدام*

إن كنوز توت عنخ آمون هي المحرك الأكبر للسياحة الثقافية في مصر، وهو قطاع حيوي يعمل كـقاطرة اقتصادية لا يمكن الاستغناء عنها.

هذا الدور الحيوي يتسق تمامًا مع أهداف التنمية العالمية:

*تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والعمل اللائق (الهدف 8):*

الإدارة المسؤولة لهذا الإرث وتطوير المتاحف الحديثة، تخلق فرص عمل مستدامة وتدر دخلاً قوميًا حيويًا لدعم الاقتصاد الوطني.

*الحفاظ على التراث الثقافي (الهدف 11):*

الاستثمار في صيانة وعرض كنوز توت عنخ آمون هو التزام وطني تجاه الأهداف الأممية التي تدعو إلى حماية التراث الثقافي العالمي كمورد غير متجدد للجيل الحالي والأجيال القادمة.

*بناء الإنسان: الوعي الثقافي هو التنمية الحقيقية*

الاستثمار في إرث توت عنخ آمون ليس مجرد عملية مادية؛ بل هو عملية بناء للهوية الوطنية والوعي الثقافي. كل قطعة أثرية تُعرض تروي قصة حضارة عظيمة وتغرس في الأجيال الجديدة احترام الماضي وتقدير قيمته.

* التعليم الجيد ورفع الوعي (الهدف 4):*

تحويل الآثار من مجرد مقتنيات إلى دروس في التاريخ والفن والعلوم القديمة يخدم الأهداف التعليمية، ويساهم في بناء الإنسان القادر على حماية إرثه وصناعة مستقبله على أسس صلبة.

*صون الآثار: مسؤولية بيئية لا تقبل التأجيل*

إن مواقع التراث، سواء كانت مقابر في وادي الملوك أو مقتنيات في المتاحف، هي موارد بيئية وتاريخية حساسة. أي ضرر يلحق بها يُعد خسارة دائمة للأجيال القادمة.

* مواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على النظم البيئية (الهدفان 13 و 15):*

تتطلب عملية الحفاظ على كنوز توت عنخ آمون، من حيث بيئة العرض والترميم، تطبيق أعلى المعايير البيئية والتقنية لتأمينها ضد عوامل التلف المختلفة (مثل الرطوبة، والحرارة، والتلوث).

إن حماية هذه الكنوز هي في جوهرها إدارة بيئية مستدامة لمواردنا التاريخية.

*الذهب الحقيقي: رؤية للمستقبل الشامل*

في ذكرى الاكتشاف الخالد، لا يذكرنا إرث توت عنخ آمون بروعة الماضي فحسب، بل يدفعنا للتفكير في كيفية تحويل هذا الإرث الثقافي إلى قوة دافعة للتنمية الشاملة.

إن الرسالة الأهم التي يقدمها الفرعون الذهبي اليوم هي أن الذهب الحقيقي ليس في بريق التماثيل والأقنعة، بل في الرؤية الوطنية التي تضع الثقافة والتراث كركيزة أساسية لبناء مستقبلٍ مزدهر ومستدام للأمة المصرية.