جمال عبد الناصر زعيم عالمي…. ومصر مركز إقليمي ودولي
لم يكن الشعب المصري وحده في المعركة، وإنما العالم كله تقريبًا معه. كان الغضب ضد المؤامرة على مصر، يجتاح القارات والمحيطات، فقد اشتعلت نيران السخط ضد أطراف العدوان الثلاثة، على طول المسافة الممتدة من الدار البيضاء إلى دكا، وهوجمت المنشآت والسفارات البريطانية والفرنسية في كل العواصم الآسيوية والإفريقية، وحتى أمريكا اللاتينية، وكتب نهرو إلى إيدن، يقول له: “إنه ليس واثقًا من استمرار الهند في الكومنولث”، وكرر نفس الموقف إسكندر ميرزا رئيس باكستان، كما كتب سفير بريطانيا في بغداد تقريرًا لإيدن، يقول فيه: “ما لم يتوقف الهجوم على مصر بسرعة، فلن تكون هناك قوة في الأرض، قادرة على حماية نظام نوري السعيد في بغداد، لأن مشاعر الشعب العراقي في نقمة ضد بريطانيا، لم ير ظاهرة مثلها من قبل في تجربته الدبلوماسية، كما كانت مقار الشركات والبنوك في العراق وغيرها من المؤسسات البريطانية تتعرض لهجمات متواصلة من الجماهير”، وفي كثير من البلاد الأوروبية ذاتها (اليونان وإيطاليا وإسبانيا وحتى في ألمانيا الغربية)، بلغ السخط ضد بريطانيا وفرنسا مداه”. هذا بجانب دور المقدم عبد الحميد السراج رئيس المخابرات العسكرية في الجيش السوري الذي كلف مهندس مقدم هيثم الأيوبي بنسف محطات ضخ البترول، فتوقف ضخ البترول تمامًا إلى البحر المتوسط، وبتوقف الملاحة في قناة السويس، ثم بنسف خط أنابيب البترول، توقف بترول الشرق الأوسط تمامًا عن بريطانيا وعن كل أوروبا.
بل إن لندن شهدت أعنف مظاهرات، عرفتها في تاريخها الحافل، وكانت أضخمها المظاهرة التي قادها “أنيورين بيفان”، الزعيم العمالي الشهير إلى ميدان “ترافالجار”، فملأته عن آخره، وفاضت على الشوارع المؤدية إليه، وكانت هذه المظاهرة تجسيدًا حيًا للانقسام الحاد، الذي حدث في الشعب البريطاني، وكان تعليق أيزنهاور على هذه المظاهرة في يومياته، هو قوله “كيف يستطيع هذا المختل، أن يدخل حربًا بأمة منقسمة”.
في الساعة الأخيرة من يوم 2 نوفمبر، صدر قرار الأمم المتحدة بالموافقة على مشروع الولايات المتحدة، بعد التصويت عليه، ويقضي القرار، أن تقبل الأطراف المتنازعة وقف إطلاق النار، والامتناع عن إرسال قوات عسكرية أو أسلحة إلى المنطقة، وسحب جميع قواتها إلى خلف خطوط الهدنة، والامتناع عن أي غزو، لكن بريطانيا وفرنسا رفضتا القرار.
كان الطيران البريطاني والفرنسي، يتولى ضرب مصر بين يوم 31 أكتوبر ويوم 4 نوفمبر، حيث بدأت تهبط بعدها قوات المظلات البريطانية والفرنسية فوق المنطقة الشمالية من قناة السويس، وتشتبك مع القوات المصرية في معارك بالأسلحة الصغيرة، بينما كانت مدافع الأسطول البريطاني/ الفرنسي تطلق أثقل قنابلها على مدينة بورسعيد، وعلى ما حولها، وفجر يوم 5 نوفمبر تقدمت حاملات الجنود، وبدأت موجاتها تنزل على الشواطئ تحت حماية مدافع الأسطول.
وارتفعت درجة الغليان في العالم، بينما كانت الأمم المتحدة تشهد أعنف المناقشات، وتصدر القرارات بوقف إطلاق النار، ومساء يوم 5 نوفمبر دُعِيَ السفير المصري لمقابلة وزير الخارجية السوفيتي ديميتري شيبيلوف؛ لكي يسلمه نسخة من الإنذار السوفيتي الموجه لكل من بريطانيا وفرنسا، ونسخة من الإنذار الموجه إلى إسرائيل، يطالب بوقف العمليات العسكرية فورًا، ويطالب بانسحاب القوات المعتدية دون إبطاء، ويشير بصراحة ووضوح إلى “أن لندن وباريس ليستا بعيدتين عن مدى الصواريخ النووية”، أما الإنذار الموجه إلى إسرائيل فقد اتهمها، بأنها تتصرف إذعانًا لإرادة أجنبية، ووفقًا لأوامر من الخارج، وأن حكومة إسرائيل تعبث على نحو إجرامي غير مسئول، بمصير العالم ومصير شعبها، وتبذر بذور الكراهية لدولة إسرائيل، فيما بين الشعوب الشرقية، وهو أمر لا بد أن يترك آثاره على مستقبل إسرائيل، ويشكك في وجود إسرائيل ذاته كدولة.
وعندما وصل الإنذار إلى لندن، كان له وقع الصاعقة، وحاول إيدن، أن يتصل بأيزنهاور، لم يقبل تلقي المكالمة، في باريس كان رد الفعل الأول للإنذار هو التحدي، واتصل “كريستيان بينو” بـ “سلوين لويد”، يقول له إن “الروس يهوشون”، فرد عليه “سلوين لويد”، بأنه كان يتمنى لو كان في استطاعته، أن يجاري زميله الفرنسي في تفاؤله، ثم أضاف: “لقد انتهى الآن اجتماع مجلس الوزراء، وتقرر فيه إيقاف إطلاق النار”.
استجابت الحكومة البريطانية، وبعدها بدقائق أعلنت الحكومة الفرنسية ثم إسرائيل قبولهما قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في الثانية بعد منتصف الليل من صباح يوم 7 نوفمبر، ولسحب قواتهما من مصر، وفي يوم 10 نوفمبر 1956، أعلن الاتحاد السوفيتي، أنه “إذا لم تنسحب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، من الأراضي المصرية، بناء على قرارات هيئة الأمم المتحدة، واستمرت المماطلة بقصد الامتناع عن تنفيذ القرارات، فإن السلطات السوفيتية لن تعارض في سفر المتطوعين السوفيت إلى مصر”، وفي اليوم التالي 11 نوفمبر، أعلنت الصين: “أنها لا تمانع في سفر المتطوعين الصينيين إلى مصر”، ثم نشرت صحف موسكو، أن المتطوعين يتألفون من قوات الدبابات والطيارين. في 12 نوفمبر، أعلن في القاهرة بيان رسمي بشأن توقيع اتفاق بين مصر والأمم المتحدة، بشأن مهمة قوات الطوارئ الدولية في الرقابة على انسحاب قوات الدول الثلاث.
وفي يوم 21 ديسمبر 1956، تم تبادل الأسرى وعودة الرهائن مع بريطانيا وفرنسا، وانسحبت إسرائيل من العريش في 14 يناير 1957، ثم انسحبت في 6 مارس 1957 من رفح وخان يونس وغزة، وقد سقط كل من إيدن وبن جوريون في 9 يناير 1957، وموليه في مايو 1957.
انتهت حرب السويس، وقد حققت مصر كل طلباتها، واستردت كل حقوقها، فيما عدا أمرا واحدا، وهو منع إسرائيل من المرور في خليج العقبة، ويقول الوزير البريطاني أنتوني ناتنج: “وليس ثمة شك، في أن زعامة عبد الناصر في هذه المرحلة الحاسمة قد وطدت أقدامه بصورة نهائية وكاملة، باعتباره (الريس)، أي ربان سفينة الدولة الذي أصبحت كلمته من الآن فصاعدًا، قانونًا بالنسبة لكل فرد من معاونيه، وأنه أفاد بصورة كبيرة من خدمات مساعدين على درجة كبيرة من الكفاءة، من أمثال الدكتور محمود فوزي والدكتور القيسوني، أعضاء وزارته من المدنيين، ومن بين معاونيه العسكريين، فكان يستطيع أيضًا الاعتماد على إداريين بارزين، أمثال عبد اللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين”.
ويقول هيكل: “في بداية السنة اللاحقة مباشرة لحرب السويس، كان اسم جمال عبد الناصر يدوي في آفاق الدنيا، ولم يكن رمزا للحركة الوطنية المصرية والقومية العربية فحسب، ولكنه أصبح رمزًا لحركة التحرر الوطني، التي كانت تتجمع لتهب على كل القارات المتطلعة لغد جديد، آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية”، ويؤكد ذلك، ما ذكره أستاذ العلوم السياسية الأمريكي صمويل هانتينجتون: “أصبح عدد كبير من أبناء أمريكا اللاتينية من مدنيين وعسكريين يعتبرون الحل الناصري هو أكثر طريقة واعدة، نحو التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي”، كذلك ما ذكره المستشرق البريطاني الأمريكي برنارد لويس: “في تركيا بعد حرب 67، تظاهرت المنظمتان الطلابيتان المتطرفتان- اللتان كانتا في صراع دائم – تأييدًا لعبد الناصر، المنظمة اليمينية من أجل الإسلام والحرب المقدسة، والمنظمة اليسارية من أجل الاشتراكية والحرب ضد الرجعية”.
وأما هنري كيسنجر فيقول: “في شهر يونيو عام 1956 زار مصر وزير الخارجية السوفيتي، حاملًا عرضًا بتمويل السد العالي، مما ساعد عبد الناصر على ممارسة هوايته في وقت فراغه، بضرب الدول العظمى بعضها ببعض”.
أنتوني ناتنج Anthony Nutting وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية الذي استكمل معه المفاوضات البريطانية- المصرية، ووقعها معه يقول: “في أعقاب أزمة السويس، كان الأمر يتطلب إنسانًا ذا سمات خارقة، حتى لا يجرفه تيار الحب الغامر، الذي ما فتئ جمال عبد الناصر ينعم به، بين صفوف الجماهير العربية، فعلى الرغم مما أظهره عبد الناصر من براعة وسداد رأي في توجيه سفينة مصر، وسط صخور لأزمة السويس الغادرة وأخطارها الكامنة، لم يكن (الريس) بالسوبرمان، فما إن انتهى القتال وانسحب المعتدون، حتى انطلق يعمل على تكريس مكانته الشعبية الجديدة في العالم العربي، وخاصة في تلك الدول التي كان يرغب في السيطرة على سياستها الخارجية”، أضف إلى هذا- أنه بينما أصبحت الجماهير العربية تعبد عبد الناصر- كان جميع حكام الدول العربية- باستثناء سوريا- موالين أساسًا للغرب، ويتخذون موقف العداء السافر من روسيا، كما أنهم لم يشاركوا القاهرة إيمانها بالحياد الإيجابي، بغض النظر عما تعتقده شعوبها.
فكان نوري السعيد في العراق وكميل شمعون في لبنان والملك إدريس في ليبيا والحبيب بورقيبة في تونس وملك المغرب، بالإضافة بالطبع إلى الملك سعود وحكام الخليج العربي، كان هؤلاء جميعًا متفقين مع الملك حسين في معارضة أي فكرة، تقضي بأن تتولى القاهرة تدبير شؤون علاقاتهم الخارجية، ولكنهم انضموا لمصر في إعلان هزيمة عدوان السويس، لا لسبب إلا لكيلا يبدون منحازين للإمبريالية أو العدو الصهيوني. لما كان لعبد الناصر من تأثير شخصي على جماهير شعوبهم، جعلهم أشد حذرًا في التعامل معه، وأقل ميلًا إلى السماح له بالسيطرة على سياساتهم .
يقول مايلز كوبلاند: “جاءت فلسفة الثورة تعبر عن رؤية ناصر للسياسة الخارجية، حيث حظيت مصر بثلاث دوائر، تحيط بها، وهي العالم العربي والعالم الإسلامي وإفريقيا، وكان كثير من الكتاب المطلعين كالصحفيين والمؤرخين والدبلوماسيين الذين تقاعدوا ونشروا مذكراتهم، قد أفاضوا في الكلام حول أحلام ناصر لتأسيس إمبراطورية في شمال إفريقيا، أو طموحاته لحكم العالم العربي، وقد سمعت مرارًا مسؤولين في الحكومة الأمريكية، يرددون ذلك، وينظرون بعين الارتياح؛ لأنه لم يحالفه الحظ في حملته لحكم العالم العربي. إلا أن حقيقة الأمر لا توحي بذلك، فمعظم الموظفين الأمريكيين الذين سمحت لهم ظروفهم بالاحتكاك بناصر مدة طويلة، أمثال كرميت روزفلت، وروبرت أندرسون، ويوجين بلاك، وتشارلز كريمنيز، وكل سفرائنا في القاهرة يميلون للاعتقاد، بأن ناصر لا يطمح إلى حكم العالم العربي أو الإسلامي أو إفريقيا، كما أراد هتلر، أن يحكم أوروبا، وأن غاية ما يهدف إليه هو توجيه سياستها الخارجية في مواجهة الدول الكبرى. فناصر لم يكن ليطمح في مجال الدول الإفريقية، لأكثر مما يطمح إليه في مجال العالم العربي والإسلامي، وهو إيجاد نوع من التنسيق والائتلاف في السياسة العامة تجاه الدول الكبرى، وذلك لدعم فكرة الحياد الإيجابي، فكان ناصر يريد إقناع الغرب، أنه لن يتمكن من عقد أي صفقات مع حكومات الدول الواقعة في مناطق نفوذه بدون التشاور معه أولًا، وأن ما يعقده الغربيون معه من اتفاقات، فإنما يعقدونها مع جزء من العالم، أوسع من حدود مصر الإقليمية”.
ويقول مايلز كوبلاند: “لم يكن الحياد الإيجابي أو استقلال القرار، من أهداف ناصر فحسب، بل كان استراتيجيته العليا. ففي عام 1965، ذكر بيتر مانسفيلد: قائمة بقروض مصر الأجنبية، وتسهيلات الدفع الممنوحة لها، وتأكدت كل من وزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الخارجية البريطانية من صحة البيانات، فقد حصلت مصر من الكتلة الشرقية على 482.9 مليون جنيه مصري، وحصلت من الكتلة الغربية على772.5 مليون جنيه مصري (منها 535.6 مليون جنيه مصري من الولايات المتحدة)، على أساس أن قيمة الجنيه المصري تساوي 2.3 دولار . علاوة على ذلك هناك مساعدات تقنية ومساعدات غذائية، كما أن الولايات المتحدة باعت مصر قمحًا، يسدد ثمنه بالعملة المحلية وفق قانون PL480. كما حصلت مصر على معدات عسكرية قيمتها 500 مليون دولار من السوفيت”، ويضيف مايلز كوبلاند: “ولو رضي ناصر، أن يقف في الصف، ينتظر دوره- كما أراد الوزير دلاس- لبقيت الأرقام السابقة مجرد أحلام، وما كان ليحصل يومها على أكثر من 40 أو 50 مليون دولار سنويًا من أمريكا وبريطانيا، ودون أي شيء من السوفيت، كما أنه كان سيبقى دون أية مساعدات عسكرية”، ويقول أيضًا: “وبغض النظر عن كافة تصريحات الوزير دالاس، وشجبه لفكرة لا أخلاقية الحياد، فالحقيقة أننا كنا متأثرين بفكرة حياد ناصر، أكثر من تأثرنا بفكرة صداقة شاه إيران أو الرئيس شمعون في لبنان، أو الملك الحسين في الأردن، أو الإمبراطور هيلا سيلاسي في إثيوبيا، ويضيف: لقد دهش ناصر لسذاجة هؤلاء الحكام، بقدر ما كانوا أنفسهم يدهشون لسلوكنا وسياستنا، لقد أدرك ناصر ردود فعلنا، بصفته زعيم حركة الحياد الإيجابي، كانت ردود فعلنا بنفس الطريقة التي كان يتصرف بها كلب العالم النفساني بفلوف، أي بإمكانه خلق ردود فعل عندنا، تحقق أهدافه”، ولم نكن ننفرد بهذا السلوك وحدنا، بل كان السوفيت يشاركوننا في هذا أيضًا.
لقد تفوق ناصر على كل من نكروما وسوكارنو، كما تفوق على زعماء الحياد الإيجابي أمثال تيتو ونهرو- وذلك لأنه باستثناء ناصر- فإن أيًا من زعماء حركة الحياد، لا يملك أي نفوذ خارج حدود إقليمه، فلم يخطر على بال الحكومة الأمريكية، أن تطلب من سوكارنو مثلًا، ممارسة نفوذه بغية التأثير على الدول الآسيوية المتعاطفة مع الشيوعية، وحتى السوفيت لم يكونوا مقتنعين بصدق ميوله الشيوعية، إلا أن ناصر نجح في إقناع الأمريكيين والسوفيت، بأن يستشيروه في شؤون كثير من الدول الإفريقية والآسيوية، مثل فيتنام وإندونيسيا وسوريا، بل- وإلى حد ما- اسرائيل نفسها، ففي عام 1962، وقبل تزويد إسرائيل بصواريخ هوك المضادة للطائرات، قام الرئيس كيندي بتفسير القضية لناصر وتبريرها، وحتى الرئيس جونسون الذي كان يكره ناصر، اضطر لإرسال مبعوثه أريل هاريمان إلى القاهرة، ليطلب من ناصر التدخل لدى فيتنام الشمالية، بغية إطلاق سراح بعض الطيارين الأمريكيين، الذين أسقطت طائراتهم بها.
من جهة أخرى، حاول عبد الناصر وهو يسبر أغوار القيادة السوفيتية تجاه احتمالات إمداده بالأسلحة، كان أن يدرس جيدًا ما سبق، أن قامت هذه القيادة من خطوات على طريق “صناعة إسرائيل” بداية من إمدادها ببعض غنائمها العتاد العسكري الألماني، في أعقاب نصرها ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى ما سبق، وأوفدته إلى فلسطين من الكوادر الشيوعية السوفتية، ونهايةً بالاعتراف بدولة إسرائيل، فور الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948.
على أن عبد الناصر كان على اطلاع أيضًا بتفاصيل خلافات موسكو وتل أبيب، وهي الخلافات التي حالت دون استجابة القيادة السوفيتية لطلب القيادة الإسرائيلية، حول إمداد إسرائيل بالمزيد من الأسلحة، وما أعقبها من اتخاذ موسكو لقرارها بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في مطلع الخمسينيات، والتي أراد عبد الناصر الاستفادة منها في حال باءت بالفشل محاولات بعثته برئاسة علي صبري، التي أوفدها إلى واشنطن، لبحث إمدادها لمصر بما تحتاجه من أسلحة وعتاد عسكري.
*****
من جهة أخرى، ترتب على هذه الشعبية الكاسحة كما نفوذ دولي، ترتب عليها أعباء وأخطاء، فثقة الجماهير بعبد الناصر التي أطلق عليها هيكل، وأنتوني ناتنج Captor-captive syndrome أي متلازمة الآسر والأسير، والتي أصبحت مكمن قوته، كما كانت نقطة ضعفه، فقد أصبح الزعيم الكبير الذي علقت عليه الأمة آمالها، وأن كتلتها الشعبية تتطلع إليه لتحقيق هذه الآمال، دون أن تكون على علم بالحقائق، وهي تطلب منه المعجزات، دون أن تتوافر لديه الوسائل، وقد خبر ذلك بنفسه، عندما أعلن أنه لا يملك خطة لتحرير فلسطين، فقد أحدث ذلك ضجة واسعة في العالم العربي، وجاء إلى لقائه عدد كبير من الساسة العرب، يرجونه أن لا يكرر ذلك الإعلان؛ لأنه صدمة لمشاعر الأمة.
وكان من بين الذين جاءوه بهذا القول أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقتها، ودار بين الاثنين حوار حول هذه المسألة، وكان رأي الشقيري: “أن هذا الإعلان نزل على جماهير الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة وقع صاعقة”، ورد جمال عبد الناصر: “إنني أريدهم أن يعرفوا الحقائق”، وكان رأي الشقيري: “الجماهير تملك آمالها، وأما الحقائق فهي ملك زعمائها، وبخاصة الزعماء التاريخيون الذين تتعلق بهم هذه الآمال”، ورد جمال، بأنه “لن يكون هو وحده الذي يحرر فلسطين، وإنما الشعوب هي التي يتعين عليها أن تتحمل مسئوليات وتكاليف التحرير، وهذا يعطيها الحق في معرفة الحقيقة”، ورد الشقيري بقوله إنه: “يتوسل إليه أن لا يكرر هذا التصريح حفاظًا على معنويات الأمة”.
يقول هيكل: “لم يكن البعد العربي في تفكير جمال عبد الناصر قد استكمل مراحله بعد، عندما تحمل مسئولية دور رجل مصر القوي، وأن تفكير عبد الناصر العربي في تلك الفترة، كان قد يتعرض لدرجات من النمو والوضوح، ولم يكن قد استقر بعد على قرار”.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" masr360 "









0 تعليق