محمد سمير ابو الحمد في الوقت الذي تسعى فيه الدولة المصرية إلى تعظيم دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية المستدامة، تبرز تحديات حقيقية في إدارة المخاطر الائتمانية المرتبطة بتمويل هذا القطاع الحيوي. ورغم المبادرات التمويلية المدعومة، فإن نسبًا من هذه المشروعات لا تزال تعاني من التعثر، لأسباب يعود جزء كبير منها إلى غياب التكامل المعلوماتي والرقابي بين البنوك. من واقع الخبرة العملية في تحليل ملفات العملاء المتعثرين، لوحظ تكرار نمط تمويلي أدى إلى خلل في جودة المحفظة المصرفية، تمثل في تعدد الجهات الممولة لنفس العميل، وتقديم بيانات مالية غير متسقة، وفواتير شراء غير موثوقة. جوهر المبادرة: نقترح إنشاء نظام إلكتروني موحّد على مستوى الجهاز المصرفي المصري، يتم من خلاله: تحميل القوائم المالية التي تم منح التسهيلات على أساسها. تحميل فواتير الموردين التي صُرفت التسهيلات مقابلها. ويتم ربط هذا النظام بـ المركز المجمع للعملاء بالبنك المركزي المصري، على غرار ما تحقق سابقًا عبر تقرير الجدارة الائتمانية “الايسكور” الخاص بالأفراد، والذي ساعد بشكل ملموس في تحسين جودة القروض الشخصية وتقليل نسب التعثر. لماذا هذه المبادرة مهمة الآن؟لأن تقرير الايسكور نجح في تعزيز الشفافية بين البنوك فيما يخص الأفراد، فلماذا لا نطبّق المبدأ ذاته على الكيانات القانونية؟ لأن غياب قاعدة بيانات موحدة للقوائم والفواتير يُمكّن بعض العملاء من تضخيم احتياجاتهم التمويلية وتكرار التمويل لأغراض غير تشغيلية. لأن الرؤية المجتزأة لكل بنك على حدة لا تسمح بتقدير دقيق لمستوى المخاطر، مما ينعكس سلبًا على المحفظة الائتمانية وجودتها. أبرز أهداف المشروع: – تحسين جودة المحفظة الائتمانية بالمصارف.– الحد من التلاعب في القوائم المالية والفواتير.– تخفيض معدلات التعثر وتحسين مؤشرات الجدارة الائتمانية.– زيادة كفاءة التوزيع العادل للتمويل بما يحقق الشمول المالي الحقيقي.– دعم التنمية الاقتصادية من خلال تمويل مشاريع منتجة ومستقرة. حلول بديلة مرحلية: في حال تأخر تطبيق النظام التكنولوجي المركزي، يمكن اعتماد وسائل تقليدية لتبادل القوائم المالية والفواتير بين البنوك عبر قنوات تحقق مباشرة، مثل البريد الإلكتروني أو زيارات فرق الائتمان، مع التأكيد على ضرورة مقارنة هذه البيانات قبل اتخاذ قرارات منح جديدة. رد على التخوفات: يرى البعض أن تطبيق هذه المبادرة قد يؤدي إلى تراجع منح التسهيلات. لكن الواقع يشير إلى أن التنظيم لا يحدّ من التمويل، بل يُحسّن جودته، ويضمن استدامته. والدليل على ذلك، هو ما حدث عند تطبيق الايسكور: فقد انتعش التمويل الشخصي، وارتفعت جودة محافظ القروض دون التضحية بعدد العملاء أو فرص النمو. خاتمة:المطلوب الآن، ليس المزيد من المبادرات التمويلية فقط، بل تعزيز حوكمة التمويل وتقويته بأدوات معلوماتية موحّدة. المشروع المقترح لا يهدف إلى تقليص الائتمان، بل إلى توجيهه بذكاء، وصولًا إلى محفظة متوازنة، وعملاء أكثر التزامًا، وبنوك أكثر قدرة على دعم التنمية.