عبد الناصر حضر عرضًا لي متخفيًا.. والسادات كان يختار فقرات عيد الفن

حوار| عبد الفتاح العجمي وريهام عبد الوهاب

في الجزء الأول من حوارنا مع المخرج الكبير جلال الشرقاوي، حدثنا عن بداياته منذ حصوله على التوجيهية، ثم دخوله أسوار كلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصوله على ماجستير علم النفس من كلية التربية جامعة عين شمس، ويوضح لنا أن حبه للفن بدأ وهو لا يزال في الابتدائية، وعندما وصل إلى الثانوية كان هو رئيس فرقة التمثيل، وهذا جعله رئيس المسرح الجامعي بكلية العلوم، ثم يصل بنا إلى فترة سفره للخارج ضمن بعثة دراسة التمثيل والإخراج بموسكو، ثم فرنسا، وعودته إلى مصر، وتجربته الإخراجية الأولى وهي رواية "الأحياء المجاورة" للأديب أنيس منصور، وصولًا إلى عمله الأهم "مدرسة المشاغبين". (للإطلاع على الجزء الأول كاملًا اضغط هــــنـــــا)

في هذا الجزء يبدأ معنا المخرج الكبير من حيث انتهينا في الجزء الأول، وهي "مدرسة المشاغبين"، ويوضح لنا أنها عُرضت عامين من بين 6 أعوام، ثم قدّم مسرحيته "قصة الحي الغربي"، ولكن واجهها غضب حكومي ما أدى لتوقفها، ما جعله يعاود عرض "المشاغبين" من جديد، ثم انشق الفريق وأصبح شعبتين، يقول: "عادل إمام عمل شعبة، وسعيد صالح عمل شعبة، ده عمل (شاهد ماشفش حاجة)، وده عمل (كباريه)، وبعدين رجعوا تاني".

يتحدث الشرقاوي عن أكثر فنان كان يُعاني منه كمخرج طوال عمله المسرحي، ويقول: "كلهم كانوا مُتعبين بلا استثناء، عادل إمام وسعيد صالح لأحمد بدير لـأحمد آدم، كلهم"، ويروي موقفا حدث مع عادل إمام، بعد أول بروفة لـ"مدرسة المشاغبين"، وكانت بروفة قراءة فقط، وحينما انتهت سأله إمام: "حضرتك جايبني ليه؟ إيه الدور اللي أنت مديهولي ده؟"، يُعقب الشرقاوي قائلًا: "الحقيقة كنت عايز أضربه، قولتله: عادل النهاردة السبت، يوم الخميس الجاي لو كررت الجملة دي تاني هغيّرك، وسيبته ومشيت، في تالت بروفة نادى عليّا، قالي: أستاذ جلال أنا جاي أعتذرلك، أنا مكنتش فاهم، واستمر في الدور وأصبح بهجت الأباصيري اللي بيُضرب بيه المثل".

يشرح لنا الشرقاوي كواليس عمله كمخرج، وأسلوب "ديمقراطية الحوار وديكتاتورية التنفيذ" الذي اعتمده طوال فترة عمله، ويقول: "أي مسرحية بتبدأ ببروفات القراءة، أو بروفات التربيزة، في مخرجين تانيين بيعملوا كله مع بعضه، الطريقة الأولى اسمها التحليلية، والتانية اسمها التركيبية، أنا كنت بقعد في بروفات القراءة 3 أشهر، والحركة في 15 يوما، لما بعمل بروفات القراءة الصور بتتجسد قدامي، فبروح البيت أكتبها، لذلك سيناريوهاتي بتبقى صفحة حوار وصفحة تفاصيل الحركة، وكان مسموحا لأي بني آدم على تربيزة البروفات من الكومبارس إلى النجم إنه يقول رأيه ونتناقش حتى نتفق، وبمجرد ما نطلع على المسرح محدش يفتح بقه، ومن هنا جاءت الديكتاتورية".

يُخبرنا أنه توجه للدراما التليفزيونية مبكرًا للغاية أيضًا كممثل وكمخرج، ويقول: "أنا أول ممثل مصري يعمل أول مسلسل مصري في التليفزيون المصري، وكان المسلسل اسمه (العابثة)، كنت أنا وسهير البابلي ومجموعة عظيمة أخرى من الممثلين، وإخراج حمادة عبد الوهاب"، ويوضح طريقة تعامله المخرجين الآخرين وهو يُمثل، ويقول: "ما دام أنا قبلت إن الراجل ده يخرجلي يبقى أنا ممثل واللي يقول عليه أنفذه، ولو في خلاف في الرأي أقوله بيني وبينه بعد البروفة قبل التصوير، أقول رأيي يأخذ به أو لا يأخذ به، هو المخرج وهو من له القرار، أنا كنت تلميذ مُطيع لما حد تاني يخرجلي".

وعاصر الشرقاوي فترات حكم الرؤساء جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، وحاليًا الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويقول إن كل واحد منهم كان له تعامل مختلف مع المسرح، يُشير إلى أن ناصر كان مُحبًا للفن، السادات أيضًا لكنه كان يميل إلى الغناء أكثر من المسرح، حسني مبارك كان يحضر احتفالات رسمية فقط، ولم يكن يميل إلى المسرح، وهو ما يحدث حاليًا أيضًا، ويقول: "برضو المسرح ملوش قيمة في نظر الدولة النهاردة".

يكشف لنا أن أحد الكتاب الكبار بعهد عبد الناصر أخبره أن الأخير عقب النكسة، تخفى وحضر له عرض "السيد البدوي" الذي كان يتحدث عن الزعيم السطوحي الذي انعزل عن الشعب حتى أصبح لا يعرفه أحد، مع التطرق للهزيمة والظلم والاستبداد، وكان معه أحد الضباط الكبار، وقال له ناصر عقب العرض: "لو إحنا بالشكل ده يشيلونا ويقعدونا في بيوتنا أحسن"، يوضح أنه رغم ذلك فإن ناصر منع له عدة أعمال، وتدخل بمقص الرقيب من خلال وزير الثقافة ثروت عكاشة، ومنها "بلدي يا بلدي"، "العرضحالجي" لمخيائيل رومان، و"عفاريت مصر الجديدة" لعلي سالم، والتي كانت تتحدث عن المخابرات وصلاح نصر وعمليات الاعتقال، والتي لم تظهر سوى في عهد السادات، وغيرها.

أما عن عصر السادات، فيقول: "السادات كان بيختار فقرات عيد الفن اللي بدعته، أنا أول واحد عملته في أكاديمية الفنون، حيث كان رشاد رشدي رئيس الأكاديمية، وفي نفس الوقت كان المستشار الفني بتاع السادات، وكان يقوله أنا عايز فلان أو فلانة يغنوا، وعايز الغنوة دي بالذات، السادات كان يتدخل في الفن، لكن لا يمنع، يقول مثلًا أنا عايز أسمع لحن (رابعة العدوية) بتاع محمد الموجي، أو أنا عايز مشهد من (بلدي يا بلدي) وتغني فيه ياسمين الخيام، كان تدخلاته فنية ظريفة مش رفض ولا منع، وده شيء جميل وأنا حبيت تدخلاته، ومكنش بيمنع ناس بعينها، عملنا مثلًا بُردة أحمد شوقي، والديكور الخلفي جامع سيدنا الحسين، كنا مجموعة مكونة من 15 نجما، منهم أنا، وزكي طُليمات، عبد الرحيم الزرقاني، وكرم مطاوع، واستمرت حوالي ساعة ونصف، وقام السادات ومعاه السيدة جيهان سلم علينا واحد واحد وهنأنا بالاسم".

وعن عهد مبارك يقول: "مبارك كان بيصادر وبيمنع، دول جابولي البوليس في مسرحية (دستور يا أسيادنا)، مكتبي في المسرح كان واقف فيه بتاع 30 ضابط، وكان موجود معاهم مدير أمن غرب القاهرة، بأمر من وزير الثقافة فاروق حسني سحب ترخيص الرواية وغلق المسرح، وحاصروا المسرح بالفعل بعربات الأمن المركزي، وقفلوا المسرح ولم يُفتح إلا حينما مورس ضدهم ضغطا إعلاميا في مصر والخارج، الإعلام بهدلهم، صحيفة معاريف الإسرائيلية حطت الخبر صفحة أولى، وإذاعة اليابان اتكلمت عن الواقعة، الـBBC بعتت بعثة تصور وتاخد تصريحات من ممثلينا، وكمان مجلس الشعب عمل استجواب مع فاروق حسني ليه صادر الرواية وقفل المسرح، فاضطر إنه يتراجع ويُعيد فتح المسرح".

وللحديث بقية.. يتحدث المخرج جلال الشرقاوي في الجزء الثالث والأخير من حوارنا معه عن أسباب تردي أوضاع المسرح حاليًا، وعن رأيه فيما يُقدّم حاليًا على شاشات السينما والتليفزيون، وعن رأيه في "مسرح مصر"، والفنان محمد رمضان، وأداء الدكتورة إيناس عبد الدايم، وغيرها من التصريحات.