ارتفاع أسعار التذاكر .. هل أصبحت السياحة ترفًا للأثرياء فقط؟

ارقام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في أحد أيام الصيف الحارّة، جلس "جيمس إيرك" أمام جهاز هاتفه المحمول يتأمل أسعار تذاكر الطيران في حسرة، بعد أن قفزت كلفة السفر إلى وجهته التي طالما خطّط لزيارتها بشكل جنوني.

 

وكان "إيرك" قد خطّط لزيارة مدينة برشلونة خلال الصيف الحالي منذ أكثر من عام، وادخر جزءًا من راتبه الشهري لتحقيق حلمه بقضاء أسبوع مريح في المدينة الإسبانية النابضة بالحياة.

 

ولكن، بنقرة واحدة على زر "البحث عن رحلات"، بدأت خطّته تتلاشى؛ فقد تضاعفت الأسعار مقارنةً بآخر مرة تحقّق فيها، وأصبحت الفنادق التي وضعها في قائمة التفضيلات خارج حدود ميزانيته.

 

 

"إيرك" ليس وحده، فآلاف المسافرين حول العالم واجهوا الواقع نفسه، وبدأ حلم السفر يبتعد أكثر فأكثر، مع ارتفاع أسعار التذاكر بوتيرة ملحوظة.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

هذا الارتفاع أثار تساؤلًا عمّا إذا كانت السياحة قد باتت رفاهية لا يقدر عليها سوى الأثرياء؟ وهل تحوّلت متعة الاستكشاف العالمي التي كانت متاحة للعديد من الفئات إلى امتياز حصري لفئة محددة؟

 

موجة ارتفاع في جميع الاتجاهات

 

بعد انتعاش السفر في عامي 2023 و2024 عقب الجائحة، ظهرت في عام 2025 معادلة جديدة وهي ارتفاع أسعار تذاكر طيران بوتيرة متسارعة مما أعاد تشكيل قرارات الناس حول متى وكيف، بل وهل يمكنهم السفر أصلًا.

 

ووفقًا لبيانات حديثة من شركة فوروارد كيز (ForwardKeys)، ارتفع متوسط سعر التذكرة الدولية بنسبة تقارب 20% في النصف الأول من عام 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

 

وسُجّلت أعلى معدلات الزيادة في وجهات أوروبية بارزة مثل البندقية وسانتوريني وباريس.

 

وفي تقرير صادر عن مجموعة إكسبديا، بلغ متوسط تكلفة الرحلة الدولية ذهابًا وإيابًا خلال العام الحالي حوالي 1200 دولار، مقارنة بـ 950 دولارًا في عام 2024.

 

ولم تكن الرحلات المحلية بأفضل حال، حيث ارتفعت بنسبة 15% في الولايات المتحدة، وسجّلت اتجاهات مشابهة في المملكة المتحدة وأستراليا.

 

في المقابل، لا تزال السياحة الفاخرة مزدهرة، فقد ارتفعت حجوزات المقصورات المميزة بنسبة 18%، وارتفعت أسعار مقاعد درجة رجال الأعمال بما يصل إلى 35% خلال أشهر الصيف.

 

لكنّ المسافرين في الدرجة الاقتصادية هم من يتحمّلون العبء الأكبر للتضخم، حيث أصبحت الخيارات المنخفضة التكلفة أكثر ندرة.

 

ما الذي يدفع الأسعار للارتفاع؟

 

يُرجع مسؤولو شركات الطيران هذا الارتفاع إلى عدّة عوامل، من بينها ارتفاع أسعار الوقود، ونقص الطائرات بسبب اضطرابات سلاسل التوريد، وزيادة أجور الموظفين.

 

كما أن وتيرة الطلب المتزايدة تجاوزت القدرة الاستيعابية المتوفرة، لا سيما في الرحلات العابرة للأطلسي والوجهات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

 

 

ولم تسلم الفنادق من هذا الاتجاه، ففي تقرير أمريكان إكسبريس حول اتجاهات السفر العالمية، تبين أن أسعار الليلة الواحدة في مدن كبرى مثل روما وطوكيو ارتفعت بنحو 40% خلال العام الماضي، مدفوعة بمعدلات إشغال مرتفعة ومحدودية العرض.

 

وبالنسبة للطبقة المتوسطة، تعني هذه التكاليف المرتفعة تقليص عدد الرحلات، أو تقصير مدة الإقامة، أو البحث عن بدائل مثل السفر في غير مواسم الذروة أو الاكتفاء بالسياحة الداخلية.

 

أما فئة المسافرين الأثرياء، فقلّما يتأثرون بهذا التحوّل، مما يفاقم الفجوة في فرص السفر بين الفئات.

 

وفي هذا الإطار، تقول أوليفيا مارتن، كبيرة المحللين في سكيفت إن "السفر يتحوّل إلى شكل جديد من أشكال التمايز الاجتماعي، فالفجوة تتسع بين من يستطيع التنقل بأريحية ومن يضطر للتنازل أو حتى التخلي عن خطط الرحلات تمامًا."

 

نمو قوي لأعداد السياح في 2025

 

وفقًا لمنتدى الأمم المتحدة للسياحة، شهد الربع الأول من عام 2025 نموًا بنسبة 5% في عدد الرحلات السياحية الدولية.

 

وتجاوز عدد السياح الدوليين 300 مليون، أي بارتفاع بلغ نحو 14 مليون سائح مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، ويفوق مستويات ما قبل الجائحة في عام 2019 بنسبة 3%.

 

أكثر الدول استقبالاً للسياح في عام 2024

الترتيب

الدولة

عدد الزوّار (بالمليون)

1

فرنسا

89.4

2

إسبانيا

83.7

3

الولايات المتحدة

79.3

4

الصين

65.7

5

إيطاليا

64.5

6

تركيا

51.2

7

المكسيك

45.0

8

تايلاند

39.8

9

ألمانيا

39.6

10

المملكة المتحدة

39.4

 

وتشير تقديرات المنظمة إلى أن عدد الأشخاص الذين يغادرون بلادهم لوجهات خارجية بغرض السياحة سيرتفع خلال عام 2025 بنسبة تتراوح بين 3 و5%، وسط توقعات بنمو مطرد للطلب السياحي رغم الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية.

 

 

ويعزو الخبراء هذا النمو المتواصل إلى تحسّن ثقة المستهلك، وتوسع شبكات الطيران، وعودة العديد من الأسواق الناشئة إلى نشاطها الطبيعي، لاسيما في آسيا والشرق الأوسط.

 

كما ساهمت الفعاليات الكبرى والمواسم السياحية في تعزيز الحركة، إضافة إلى التحول في أنماط السفر الذي يدفع المزيد من السياح إلى استكشاف وجهات جديدة وأكثر تنوعًا.

 

وفيما لا تزال بعض الوجهات تعاني من التباطؤ في التعافي الكامل، تُظهر الأرقام أن السياحة العالمية بدأت تتجاوز مرحلة ما بعد الجائحة بثقة، مع استعداد العديد من الدول للاستثمار مجددًا في البنية التحتية والخدمات السياحية لاستيعاب النمو المتوقع خلال السنوات المقبلة.

 

كيف يمكن تقليل أثر ارتفاع الأسعار؟

 

رغم الارتفاع الحاد في أسعار التذاكر والإقامة، لا يزال بالإمكان اتخاذ خطوات ذكية لتقليل التكاليف دون التضحية بجودة التجربة.

 

وينصح خبراء السفر بالتخطيط المسبق وشراء التذاكر قبل موعد الرحلة بمدة تتراوح بين 6 و8 أسابيع، إذ تكون الأسعار أكثر استقرارًا.

 

كما يُعدّ التنقل في المواسم الهادئة بعيدًا عن العطلات الرسمية ومواسم الذروة الصيفية أداة فعالة لتجنب التكاليف المرتفعة.

 

اللجوء إلى برامج المكافآت ونقاط بطاقات الائتمان بات من الوسائل المفضّلة للعديد من المسافرين المنتظمين، حيث تتيح تغطية جزء كبير من تكاليف الطيران أو الفنادق.

 

من جهة أخرى، تقدم بعض شركات الطيران الآن نماذج اشتراك شهري تتيح خصومات أو حجوزات مرنة، بينما توفر المواقع المتخصصة تنبيهات فورية عن تغيّر الأسعار، مما يمنح المسافر فرصة لاقتناص العروض المحدودة.

 

هل يبقى السفر متاحًا للجميع؟

 

وفي ظل ارتفاع تكلفة الرحلات الدولية، يعيد كثيرون النظر في الخيارات المحلية أو الإقليمية، حيث يمكن اكتشاف وجهات جديدة أقرب إلى الوطن، ولكن بتكلفة أقل وبتجربة لا تقل ثراءً.

 

 

وبالفعل بدأت بعض شركات الطيران ومشغلي الرحلات السياحية بتقديم نماذج تسعير مرنة، وأنظمة اشتراك، وتنبيهات ديناميكية للأسعار لمساعدة المسافرين الحريصين على ميزانياتهم.

 

ومع استمرار الضغوط الاقتصادية وتقلّبات السوق، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق القائمين على قطاع السياحة لتبني نماذج أكثر عدالة وشمولًا تضمن استدامة القطاع دون إقصاء فئات واسعة من الناس.

 

فالسفر الذي كان يُنظر إليه يومًا كجسر بين الثقافات ونافذة على العالم، بات مشروطًا بالقدرة على تحمّل تكاليفه المتصاعدة.

 

في الوقت ذاته، تجد شريحة واسعة من محبي الترحال أنفسهم أمام معادلة صعبة: إما التنازل عن جودة التجربة، أو تأجيلها إلى أجل غير مسمّى.

 

ورغم أن البعض ينظر للسفر على أنه ترف، يرى العديد أنه حق إنساني في التواصل والانفتاح والتجديد، ويجب أن يبقى متاحًا لكل من يحمل الرغبة، لا فقط لمن يحمل المال.

 

ومع استمرار الضغوط الناتجة عن التضخم العالمي والتحوّلات الاقتصادية، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيعود السفر يومًا ما إلى كونه حقًا عالميًا؟ أم أن السياحة ستمضي قدمًا في طريقٍ لا مكان فيه إلا للأكثر ثراءً؟

 

المصادر: أرقام- فورورد كيز لتحليلات السفر- مجموعة إكسبيديا- أمريكان إكسبريس- أبحاث سكيفت- سي إن بي سي- منظمة السياحة العالمية

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" ارقام "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??