ليس في الدنيا يقين أثبت من يقين الخير، ولا في القلوب نور أصفى من نور يدٍ تمتد لضعيف، أو كلمة تُقال لمكسور، أو روح تواسي روحًا أثقلها الألم. إن الخير، يا صاحبة القلب الرقيق، لا يضل طريقه، ولو تعثّر العابرون، ولو قامت في وجهه ألف ريح تعصف، فإن له سبيلًا يعرفه وبابًا يعود منه، وإن طال الغياب.
كثيرًا ما يمر الإنسان في دروب الحياة فيعطي ولا ينتظر، يحنو ولا يُحنّى عليه، يمسح دمع غيره، ولا يجد من يمسح دمعه. فيظن، في لحظة انكسار، أنّ العطاء يضيع، وأن النفوس تغيّرت، وأن الناس ما عادوا يعرفون معنى الامتنان. ولكن الحقيقة التي تُخفيها الأيام أنّ الخير لا يتوه؛ إنما يعود، ربما من حيث لا نتوقع، وربما بوجهٍ لا نعرفه، لكنه يعود.
الخير يشبه البذرة التي تضمها الأرض في صمت. لا تراها، ولا تسمع لها صوتًا، ولكنها تعمل في الخفاء، تشق حجب التراب، وتتشبث بالحياة حتى تخرج خضراء، شاهدة على أن ما يُزرع بإخلاص لا يموت.
لقد رأيت في وجوه الناس من يبتسم وهو يحمل جراحًا، ومن يعطي وهو محتاج، ومن يواسي وهو مكسور. هؤلاء هم أهل الله على الأرض، لا يكتبون معروفًا ولا ينتظرون ردًّا. يكفيهم أن قلوبهم نظيفة، وأنهم لم يتلوثوا بما تلوث به الكثيرون. وهؤلاء، وإن خذلتهم الأيام، فإن الله لا يخذلهم.
فالخير الذي تصنعه اليوم قد يعود غدًا على هيئة باب يُفتح، أو رزق يأتي، أو صديق يطمئنك في لحظة وجع، أو كلمة تُقال لك فتزيح عن صدرك حملًا ثقيلاً. وقد يعود خيرك في شكل نجاة لم تكن في الحسبان؛ فكأن الله يرد إليك ما ضيّعته الناس، ويعطيك ما عجزوا هم عن منحه.
ولو علم من يُسيء أن الخير لا يضيع، لخفّت أيديهم عن الظلم، ولانَت قلوبهم التي قست. ولكنهم يجهلون أنّ العدل يمشي بخطواتٍ بطيئة، لكنه يصل، وأن الحق قد ينام، لكنه لا يموت، وأن صاحب القلب الأبيض، وإن بكى اليوم، فسوف يبتسم غدًا، لأن السماء لا تترك قلبًا طاهرًا دون جبر.
فامضِ في طريقك، يا من يحمل قلبًا من نور. أعطِ بلا خوف، وازرع بلا حساب. لا تُغيّرك قسوة الناس، ولا تقلّب الوجوه. فالله يعرف النيات، ويرى الدموع التي تختبئ، ويعلم كم مرة قلتِ في سرّك: “أنا لا أريد إلا السلام.”
ومَن يعمل خيرًا…
لا بد أن يجد كل الخير، ولو بعد حين.
فهذه سنة الله في خلقه، وقانون السماء الذي لا يتبدل.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "












0 تعليق