belbalady.net دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما حصلت "الباغيت" الفرنسية على صفة التراث الثقافي غير المادي العالمي لدى اليونسكو في باريس العام 2022، لوّحت البعثة الفرنسية بأرغفة طويلة من الخبز المقرمش في الهواء احتفالًا، في لقطة انتشرت حول العالم.
وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"الباغيت" على منصات التواصل الاجتماعي واصفًا إياها بأنها "250 غرامًا من السحر والكمال في حياتنا اليومية"، مرفقًا منشوره بصورة أيقونية بالأبيض والأسود للمصور ويلي رونيس، التي تظهر صبيًا فرنسيًا مبتهجًا يركض برغيف "باغيت" طويل تحت ذراعه الصغيرة.
لكن يبدو أن هذا الإنجاز لم يُسهم كثيرًا بوقف التراجع المستمر في استهلاك الخبز بفرنسا، ما أثار عناوين رئيسية مثل "هل سيختفي الخبز عن الموائد الفرنسية؟" في الإعلام الفرنسي.
قد يهمك أيضاً
تاريخيًا، كان الفرنسيون يستهلكون في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية قرابة 708 غرامات من الخبز للفرد يوميًا. وبحسب اتحاد روّاد المخابز، فقد هوى هذا الرقم بحلول العام 2015 إلى 113 غرامًا. واليوم تراجع مجددًا إلى 99 غرامًا، أي ما يعادل أقل بقليل من نصف رغيف "باغيت" يوميًا.
وفي استطلاع للمستهلكين العام 2023، أصدره الاتحاد الوطني للمخابز ومحلات الحلويات الفرنسية "CNBPF"، أبلغ أكثر من الثلث (36%) من أصل 1,000 مشارك إنهم خفّضوا استهلاكهم للخبز خلال السنوات الخمس الماضية.

ويقول خبراء الصناعة إنّ هذا التوجّه يغذّيه تغيّر العادات الغذائية، وظهور جيل جديد من "الخبازين الجدد" الذين يختار بعضهم إزالة الباغيت من أرفف محلاتهم نهائيًا، إضافة إلى الشعبية المتزايدة لمنافسها الأمريكي، أي خبز التوست الأبيض المعالج.
ويوضح دومينيك أنراكت، رئيس اتحاد CNBPF: "أحد التهديدات يتمثّل في أن الشباب يفقدون عادة شراء الباغيت يوميًا".
وقد أضحت الجولات اليومية إلى المخابز المحلية لشراء الباغيت، المهمة التي يقول أنراكت إنها كانت تلقائية مثل تنظيف الأسنان، باتت أقل تواترا.
ويسري ذلك تحديدًا على الأجيال الشابة، التي تطهو أقل وتأكل خارج المنزل أكثر.
وتابع: "في السابق، حتى الطلاب كانوا يطهون لأنفسهم. لم يكن هناك وجبات خفيفة، ولا مأكولات عالمية، ولا برغر أو كباب أو سوشي. لكن المزيد من الشباب يتجهون نحو الوجبات السريعة".
مخبز بلا باغيت؟
تقليديًا، يؤكل خبز الباغيت كشطيرة مفتوحة خلال وجبة الفطور، ويدهن الرغيف بالزبدة والمربّى أو بطبقة من شوكولاتة البندق. وخلال وجبة الغداء، تُحشى الباغيت باللحم أو التونة أو الدجاج أو الجبن لتصبح شطيرة. أما على العشاء، فتعد الرفيق الذي لا غنى عنه للوجبات الفرنسية التقليدية الغنية بالصلصات، مثل blanquette de veau (يخنة العجل) أو حساء لحم البقر بورغينيون، حيث تستخدم قطع الخبز لامتصاص ما تبقّى من الصلصة في الطبق.
قد يهمك أيضاً
وخلال السنوات الأخيرة، حدث تحول لافت يغيّر علاقة فرنسا بالخبز، أي صعود المخابز الجديدة. وهذا الجيل الجديد يخبز باستخدام الحبوب القديمة والدقيق العضوي، ويبيع أرغفة العجين المخمّر طويلة التخمير ذات النكهة العطرية، وينتج عددًا أقل من الباغيت، إن وُجد أصلًا.
ويعد مخبز Seize Heures Trente للحلويات والخبز في مدينة رين بين العديد من المخابز في أنحاء فرنسا تصدّرت العناوين هذا العام لجرأتها في عدم بيع الباغيت.

عندما وسّعت الشيف الحلوانية ماريون جويل محلّ الحلويات الخاص بها ليصبح مخبزا قبل عامين، اتخذت قرارًا مدروسًا بعدم تقديم الباغيت. بالنسبة لجويل، الباغيت منتج يستهلك الكثير من الطاقة، ويعد قليل القيمة الغذائية، كما أن عمره التخزيني قصير، ما يؤدي إلى هدر مفرط للطعام، وهذا أكثر ما يزعجها.
عوض ذلك، تبيع جويل أرغفة العجين المخمّر الكبيرة وخبز الحبوب الكاملة المصنوع من دقيق محلي عضوي حسب الوزن. وإلى جانب بقائها طازجة لمدة أطول، فإن هذه الأرغفة، التي قد يصل وزنها إلى حوالي 3 كيلوغرامات، تُطعم عددًا أكبر من العائلات، وهي أفضل للهضم بفضل أوقات التخمير الطويلة التي تفكك الغلوتين، وأطيب مذاقًا، وفق جويل.
لكن بالنسبة للبعض، كان تقبّل فكرة مخبز فرنسي بلا باغيت أمرًا صعبًا. تتذكر جويل زبونًا استشاط غضبًا عندما قيل له إنهم لا يوفّرون الباغيت. حتى أنها اضطرت إلى طلب مغادرته.
"لم نأكل خبزًا بهذا المستوى من الجودة كما نفعل الآن"
هناك من يشارك جويل الفلسفة ذاتها، وهو الحلواني والخباز الحرفي بينوا كاستيل، الذي يُوصف بأنه أحد روّاد حركة الخبز الحديثة عندما جعل أرغفة العجين المخمّر الريفية منتجه المميّز في العام 2012.
وبدلًا من الباغيت، فإنّ الأكثر مبيعًا في مخابزه الثلاثة بباريس هو خبز Le Pain du Coin المكرمل والعطري.
ويقول كاستيل: "منذ البداية أردت إعداد هذه الأرغفة الكبيرة، الأكثر تقليدية، كما كانت تحضّر في الماضي".
ويشير كاستيل إلى أن خبز الباغيت لم يظهر إلا في القرن العشرين كبديل للأرغفة التقليدية التي كانت تُحضّر مرة واحدة أسبوعيًا. وبخلاف خبز pains de garde الذي يعني حرفيًا "الخبز الذي يبقى"، أصبح خبز الباغيت، بفضل قِصر وقت خبزه، وشائعا بين الطبقة البرجوازية الباريسية، التي سرعان ما اكتسبت ذوقًا خاصًا للخبز الأبيض الطازج يوميا.
قد يهمك أيضاً
لكن في حين يُمكن تناول خبز "pain de garde" طوال الأسبوع، فإن خبز الباغيت يفسد بسرعة، ما يؤدي إلى هدر كبير في المنازل الفرنسية.
لمعالجة هذه المشكلة في مخبزه، ابتكر كاستيل خبزًا أسماه pain d’hier et de demain (خبز الأمس والغد)، المصنوع من الفائض غير المباع والخبز الجاف. وباستثناء اللبّ الأغمق لونًا والأقرب للّون المحمّص، فإنّ خبز صفر الهدر هذا يكاد لا يمكن تمييزه عن الأرغفة الطازجة.
وبالنسبة لكاستيل، فإن شعبية خبز العجين المخمّر العضوي الصديق للمعدة والمخابز ذات الهدر الصفري تعكس مرحلة مثيرة، إذ فيما يتناول الفرنسيون خبزًا أقل، لكنهم يتناولون خبزًا أفضل.
ويُضيف: "أعتقد أننا لم نأكل خبزًا بهذا المستوى من الجودة كما نفعل الآن. نحن نأكل خبزًا ممتازًا اليوم في باريس".
"علينا أن نتكيّف"

مع ذلك، الخبّاز إيريك كايزر، الذي بنى إمبراطورية صغيرة تضم 370 مخبزًا حول العالم بفضل خبز الباغيت التقليدي المميّز المحضّر من العجين المخمر السائل، يطرح نقطة مثيرة للاهتمام بشأن أنواع الخبز المتخصصة التي تجتاح العاصمة.
ورغم تراجع استهلاك الخبز، يقول كايزر إنه لا يشعر بأي قلق بشأن زواله، حتى عندما أظهرت نتائج استطلاع رأي آخر للمستهلكين أجراه اتحاد روّاد المخابز أن 86% من الفرنسيين يعترفون بتناول خبز أبيض معالج ومقطع في المحلات التجارية.
ويسخر كايزر من فكرة أن الباغيت في خطر حقيقي قائلا: "لن يحدث هذا أبدًا. الناس يحبونه".

في الواقع، يثق كايزر كثيرًا في منتجه لدرجة أنه افتتح عام الماضي متجرًا تجريبيًا و"حانة باغيت" باسم "baguett" في باريس مع الشريكة المؤسسة ديبورا ماغنان. إلى جانب الشطائر التي يصل طولها إلى 91 سنتمترًا، تُعرض في نوافذ المتجر أرغفة باغيت باللون الوردي مصبوغة بالشمندر ومزينة بالتوت البري، أو أرغفة خضراء بنكهات الفستق والشوكولاتة البيضاء.
وتقول ماغنان: "إنها فكرة بسيطة، لكنّ زبائننا الفرنسيين يقولون: 'لماذا لم يقم أحد بهذا من قبل؟'"
بالنسبة لأنراكت، فإنّ المخابز الجديدة والخبازين المبدعين مثل جويل وكاستيل وكايزر هم من دفعوا ثقافة صناعة الخبز في فرنسا إلى الأمام دومًا.
ويضيف: "علينا أن نتكيّف. لطالما مرّت المخابز بأزمات، لكن أعدنا دومًا ابتكار أنفسنا".
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" trends "









0 تعليق