بقلم: د.هناء خليفة (دكتوراه الإعلام الرقمي)
لم يعد الإدمان مقصورا على المواد الكيميائية أو العادات السلوكية الخطيرة، بل ظهر نوعٌ جديد من الإدمان تسلل بهدوء إلى حياتنا اليومية: الإدمان الرقمي.
إنه ذاك التعلق المرضي بالشاشات والتطبيقات، الذي جعلنا نعيش في عالم افتراضي أكثر مما نعيش في الواقع.
*من وسيلة للتسلية إلى أسلوب حياة*
بدأت الحكاية بمجرد وسيلة للتواصل والترفيه، لكنها سرعان ما تحولت إلى جزءٍ لا يتجزأ من الروتين اليومي.
فالهاتف أصبح أول ما نراه صباحًا وآخر ما نودعه ليلًا، والوقت يمر دون أن نشعر ونحن نتنقل بين الإشعارات والمنشورات.
الخطير في الأمر أن كثيرين باتوا يشعرون بالضيق أو التوتر عند محاولة الابتعاد عن أجهزتهم لبضع دقائق فقط!
*ما الذي يحدث داخل الدماغ؟*
تؤكد دراسات علمية حديثة أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الرقمية يؤثر في مراكز المكافأة داخل الدماغ، ويُفرز مادة “الدوبامين” المرتبطة بالشعور بالمتعة.
ومع تكرار التجربة، يتعود الدماغ على طلب المزيد من التحفيز، فيجد الشخص نفسه في حلقة لا تنتهي من التصفح والانتظار الدائم للتفاعل والإعجابات.
إنه إدمان صامت لا يُحدث ضجيجًا… لكنه يُعيد تشكيل طريقة تفكيرنا وسلوكنا دون أن نشعر.
*تراجع العلاقات وغياب التواصل الحقيقي*
في الوقت الذي نتصل فيه بالعالم أجمع، نفقد التواصل الحقيقي مع من حولنا.
أصبح الحوار وجهًا لوجه نادرًا، والمشاعر تختصر في رموز تعبيرية، واللقاءات العائلية تُستبدل بالرسائل السريعة.
لقد اختزلت التكنولوجيا دفء العلاقات في شاشة باردة لا تنقل سوى الضوء، لا الأحاسيس.
*علامات الإدمان الرقمي*
خبراء علم النفس حددوا عددًا من المؤشرات التي تكشف عن الإدمان الرقمي، من أبرزها:
▪️فقدان الإحساس بالوقت أثناء استخدام الهاتف.
▪️القلق عند انقطاع الإنترنت أو نفاد البطارية.
▪️ضعف التركيز أثناء الدراسة أو العمل.
▪️إهمال العلاقات الاجتماعية والأنشطة الواقعية.
وهي علاماتٌ قد نراها بسيطة، لكنها تنذر بخطرٍ متصاعد إذا لم ننتبه إليه في الوقت المناسب.
*كيف نتحرر من الإدمان؟*
التحرر لا يعني الابتعاد عن التكنولوجيا، بل استخدامها بوعي.
يمكننا البدء بخطوات صغيرة:
▪️تحديد أوقات محددة لتصفح الهاتف.
▪️تخصيص “ساعات بلا شاشة” يوميًا.
▪️العودة إلى القراءة، والهوايات، والأنشطة الواقعية.
والأهم: أن ندرك أن قيمتنا لا تُقاس بعدد المتابعين أو الإعجابات، بل بما نعيشه ونقدمه في الحياة الحقيقية.
وختامًا.. الإدمان الرقمي خطر ناعم يتسلل بهدوء إلى تفاصيل يومنا، لكنه ليس قدرًا محتومًا.
حين نستعيد وعيَنا، ونستخدم التكنولوجيا كأداة لا كبديل للحياة، سنكتشف أن الواقع أكثر جمالًا مما نراه عبر الشاشات.
فلتكن التكنولوجيا جسرًا نحو العالم، لا جدارًا يفصلنا عنه.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "











0 تعليق