شارل فؤاد المصري يكتب في حب الوحدة الوطنية : الصلح .. “خوف “.
ما اسهل ان يتم تناول حادثة المعلمة التي منعت الغش ونعتت باقذع الالفاظ وتم ازدراء دينها علي الهواء مباشرة حيث كاميرات السوشيال ميديا من منظور طائفي ولكن هذه الزاوية الضيقة ربما تشفي غليل البعض ولكنها لا تصلح المجتمعات ولا تبق علي اوطان .
المشهد الذي شاهدناه يُجسّد تحولاً مقلقاً في النسيج الأخلاقي والاجتماعي، وقفت سيدة مسيحية كحارسة لأحد أهم أركان العدالة في المجتمعوهي “نزاهة الامتحان “.
مهمتها كانت بسيطة ومقدسة؛ منع الغش وضمان تكافؤ الفرص.. لكن ما حدث بعدها كان صادماً.. تعرضت للاعتداء الجسدي، وُسِبّت بأبشع الألفاظ، واستُهدفت هويتها الدينية بعبارات نابية مثل”يا مسيحية يا بنت…” ، في لحظة كاشفة كشفت عن تمزقات عميقة تتجاوز حادثة فردية لتُصبح جرس إنذار لمجتمع بأكمله ..” وياما قرعنا اجراس “
تآكلت هيبة التعليم وقيمة النزاهة في المجتمع و تحوّل الغش من “جريمة” ضد المعرفة والعدالة إلى “حق” مزعوم يتطلب الدفاع عنه بالعنف
هذا قلبٌ للمفاهيم يُشير إلى انهيار خطير في التربية على القيم الأساسية مثل الجدية والاجتهاد واحترام القانون
تحوّل الخلاف حول مخالفة أكاديمية إلى هجوم ديني مقزز. استخدام عبارة “يا مسيحية” كنعت تحقيري يكشف عن وجود كراهية طائفية كامنة، تطفو على السطح بسهولة لتُستخدم كسلاح في أي نزاع، حتى التافه منه إنه تجسيد لمرض خطير يُهدد الوحدة الوطنية
وكون الضحية امرأة يضيف بُعداً آخر من القُبح.. فهي لم تُستهدف فقط كمُراقبة، بل كأنثى وكرمز للسلطة “المتواضعة في مكانها”. الاعتداء عليها يُكرّس ثقافة العنف ضد المرأة واستباحة حقوقها في بيئة يُفترض أنها “تعليمية .”
الخطير في العقلية التي بررت الهجوم هو اعتبار منع الغش “اعتداءاً” على حق الطالب هذه النظرة التشويهية تُظهر مدى تغلغل ثقافة الاستحقاق دون جهد، وانهيار مفهوم المسؤولية الفردية.
الحق الحقيقي هو حق الطالب المجتهد في بيئة عادلة، وحق المجتمع في خريجين أكفاء.
هذه الحادثة ليست من فراغ، بل هي مؤشر على تغيّرات تنخر في جسد المجتمع المصري
حيثت تراجعت قيم النزاهة والاجتهاد تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة، بدأت قيم “الوصول بالسهل” و”الغاية تبرر الوسيلة” تكتسب أرضية على حساب قيم الجد والكفاح والنزاهة
وصعود خطاب الكراهية والتمييزحيث سمح انتشار خطاب متطرف (ولو خافتاً أحياناً) وغياب التربية على المواطنة والقبول بالآخر، بتطبيع استخدام الهوية الدينية كأداة للسب والتحقير، حتى في سياقات لا علاقة لها بالدين
وكل هذا يعكس ازمة الثقة في المؤسسات و ضعف تطبيق القانون بشكل عادل وفعال، خاصة في مواجهة العنف الطائفي أو العنف في المؤسسات التعليمية، يخلق إحساساً بالإفلات من العقاب ويشجع على تكرار مثل هذه الأفعال
ويبدو ان تآكل الاحترام المتبادل و قيماً أساسية مثل احترام المعلم واحترام المختلف دينياً، واحترام القانون، تواجه تحدياً كبيراً أمام ثقافة التمرد السلبي والعنف اللفظي والمادي .
الاعتداء على تلك السيدة المسيحية الشجاعة هو في جوهره اعتداء ثلاثي
اعتداء على الفرد كإنسانة، كامرأة، وكمواطنة مصرية بسبب دينه
اعتداء على المؤسسة التعليمية بتحويلها من معقل للمعرفة والنزاهة إلى ساحة عنف وتمييز
اعتداء على المجتمع ككل بتقويض أسس التعايش واحترام القانون وقيمة الجهد
ومواجهة هذه الظاهرة الخطيرة تتطلب جهداً شاملا :
تطبيق القانون بصرامة و محاسبة كل من شارك في الاعتداء أو السب على خلفية طائفية، وإرسال رسالة واضحة بأن الإفلات من العقاب انتهى حتي وان تم تطبيق مبدأ ان الصلح خير ولكنه تم تطبيق “الصلح خوف ” خوف علي مستقبل الطلبة وهو امر كالعنقاء .
إصلاح التعليم و تعزيز قيم النزاهة والمواطنة واحترام الآخر في المناهج والممارسة اليومية داخل الفصولوحملات توعية مكثفة لمحاربة خطاب الكراهية الطائفية وتكريس ثقافة التسامح وقبول الاختلاف
وتمكين دور الإدارة المدرسية ودعم المُعلمين والمُراقبين في تطبيق اللوائح المنظمة للامتحانات بكل حزم ومحاسبتهم ايضا اذا تجاوزوا او استغلوا ذلك
الامتحان الحقيقي لمصر اليوم ليس فقط في أوراق الإجابة، بل في قدرتها على اجتياز امتحان القِيَم والوحدة الوطنية واحترام الإنسان.
اسمعك بعضكم اعزائي القراء بعد ان انتهيتم من قراءة هذا المقال واراكم مشفقين علي شخصي وتقولون في سركم” خليه يهري “
ولكن اؤكد لكم هذا واجبي تجاه بلدي
الكاتب الصحفي والباحث في السياسة الدولية
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" elbashayer "
0 تعليق