كتب هويدا يحيى شعب مصر العظيم .. أيها الشعب الأبى الكريم .. أتحدث إليكم اليوم.. فى الذكرى الأولى لثورة الثلاثين من يونيو المجيدة.. الثورة التي صوبت المسار.. واستعادت الوطن والآمال.. آمال ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وما حملته من تطلعات مستحقة فى عيش كريم.. وحرية مصانة.. وعدالة اجتماعية.. وكرامة إنسانية.. بهذه الكلمات خاطب الرئيس عبدالفتاح السيسي، شعب مصر لأول مرة في ذكرى ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2014، التى تدل تفاصيلها على أنها ثورة حقوق قبل أن تكون ثورة سياسية. فقد جاءت 30 يونيو 2013 كرد فعل شعبى واسع ضد سياسات الإقصاء، رافضة لانتهاكات حقوق الإنسان تحت حكم جماعة الإخوان الإرهابية وأفكارها المتطرفة، مطالبة بعودة الدولة المدنية الحديثة على أساس من العدالة والمساواة واحترام كرامة المواطن. اليوم وبالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ12 من نجاح الثورة العظيمة، يأتى المشهد الحقوقى معبراً عن نجاح الدولة المصرية في الارتقاء بملف حقوق الإنسان باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة. قمع الحريات في هذا السياق، عانت مصر خلال فترة حكم محمد مرسى التى لم تتعد العام من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تمثلت في محاولات أخونة مؤسسات الدولة، بما فى ذلك السلطة القضائية والإعلام، ما قوض من مبدأ الفصل بين السلطات وقمع حرية الرأى والتعبير، حيث تم استهداف الصحفيين والمعارضين، مع إغلاق بعض القنوات وفرض سيطرة مباشرة عليها. اتسمت هذه الفترة الظلامية بظهور ميليشيات غير رسمية مارست العنف في الشارع تحت مسميات مثل «اللجان الشعبية» أو «مؤيدو الشرعية»، ما أدى إلى ترويع المواطنين وانتهاك أمنهم الشخصى، بالإضافة إلى تفشى الخطاب الطائفى والتحريضى، بين أبناء الوطن الواحد، ما أسهم في خلق مناخ مشحون بالعنف والكراهية. كما شهدت مصر تراجعا ملحوظا فى ملف استقلال القضاء، من خلال شنّ هجمات متكررة على القضاة، أبرزها مظاهرات الإخوان أمام دار القضاء العالي و«مذبحة القضاء» المقترحة لإقصاء عدد كبير من القضاة الكبار، مع تجاهل الحريات الشخصية والدينية، ومحاولات فرض نموذج أيديولوجى أحادى باسم «التمكين»، ما جعل قطاعات واسعة من الشعب المصرى تشعر بالاغتراب في وطنها. نقطة تحول في المقابل، جاءت 30 يونيو كطوق نجاة وإنقاذ للهوية المصرية؛ حيث أظهرت مصر أولى نتائج الثورة المجيدة في إقرار دستور 2014 والذى جاء معبرًا عن حقوق المواطنين ووضع الضمانات للوفاء بهذه الحقوق، ما يعد نقطة تحول في المجال الحقوقى؛ فقد أكد الدستور على أن النظام السياسى يقوم على احترام حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة والعدالة والمساواة، متخذا منحى أكثر تقدمًا فى مجال ضمان الوفاء بالالتزامات الدولية لمصر في مجال حقوق الإنسان، حيث قرر لأول مرة وضعًا خاصًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك بنصه على أن تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها. استراتيجية متكاملة من أهم الخطوات التي اتخذتها مصر في ملف حقوق الإنسان بعد ثورة 30 يونيو هي إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تعد الأولى من نوعها، فهي خارطة الطريق إلى الجمهورية الجديدة التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والارتقاء بأوضاع المواطن المصرى، لتشمل كافة فئات المجتمع من الطفل والمرأة وذوى الإعاقة والشباب والرجال. وللاستراتيجية هدف رئيسى وهو حماية كافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة بالدستور وبالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي شاركت مصر في صياغتها، وتضمنت الاستراتيجية أربعة محاور عمل رئيسية وهي: محور الحقوق المدنية والسياسية، ومحور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحور حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوى القدرات الخاصة والشباب وكبار السن، ومحور التثقيف وبناء القدرات فى مجال حقوق الإنسان. خطوات الإصلاح مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، دخلت مصر مرحلة جديدة تتجاوز الخطاب إلى تنفيذ خطوات عملية في بناء مجتمع قائم على احترام الإنسان وتطوير البنية الحقوقية.. حيث أطلق الرئيس السيسى مبادرة الحوار الوطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان أبريل 2022 تحت شعار «وطن يتسع الجميع»، كآلية جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، هذا وقد شملت قاعدة المشاركة في الحوار الوطني جميع ممثلي المجتمع المصرى بكافة فئاته ومؤسساته. ولأول مرة، ظهر بشكل واضح إدماج الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2022/2023، ما يؤكد التوجه الوطنى الواعى لربط المشروعات والبرامج التنموية بمستهدفات تعزيز وحماية حقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، فقد تم تعزيز الحق فى الحياة والسلامة الجسدية من خلال تعزيـز الحمايـة للنـزلاء فى دور الرعايـة الاجتماعيـة، ودور الأيتـام، ودور رعايـة المسـنين، ونـزلاء المصحـات النفسـية، ومصحـات عـلاج الإدمـان، وإحالـة المخالفـين إلى جهـات التحقيـق المختصـة. وبالنسبة للحق في التقـاضى وتعزيـز ضمانـات المحاكمـة المنصفـة، فقد شـكل إعـلان السـيد رئيـس الجمهوريـة عـدم مـد حالـة الطـوارئ في 24 أكتوبـر 2021 أبـرز التدابـير المعـززة للحـق في التقـاضي وتعزيـز ضمانـات المحاكمـة المنصفـة، إطلاق وزارة العدل منظومة التقاضى الإلكترونى عن بعد أمام المحاكم الاقتصادية والبدء فى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل الصوت إلى نص مكتوب في جلسات المحاكم، فضلًا عن انتهاء الوزارة من أرشفة جميع الدعاوى بالمحاكم الاقتصادية وبعض المحاكم الابتدائية. كما شهدت الجهود المتعلقة بمعاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين، عددًا من التدابير، بما في ذلك تغيير الفلسفة العقابية، وما استتبعها من تعديل قانون السجون، من حيث المسميات، افتتاح مركزى الإصلاح والتأهيل في وادى النطرون ومدينة بدر، باعتبارهما انعكاسًا لتغيير الفلسفة العقابية، حيث تم تصميمهما بطريقة علمية وباستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا والاعتماد على دراسات متخصصة بهدف تأهيل النزلاء للانخراط في المجتمع ولضمان توافق المصطلحات والمسـميات مع تحديث الفلسـفة العقابية، صدر القانون رقم (14) لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون والقوانين ذات الصلة، وبموجب هـذا القانون تم تحويل السـجون إلى مراكـز لإصلاح والتأهيـل المجتمعي، وتعديل مسـمى قطـاع الســجون ليصبح «قطاع الحماية المجتمعية»، وتغيير مسـمى السـجون إلى مراكـز إصلاح وتأهيـل عمومية أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة، مع تغيير اسـم السـجناء إلى نزلاء. أما بالنسبة لملف حرية الدين والمعتقد، ووفقا لوثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، قدمت الحكومة المصرية العديد من الجهود لتعزيز الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية والتي يكفلها الدستور المصري، فيما تم صــدور قانــون بنــاء وترميــم الكنائــس رقــم 80 لســنة 2016 والــذي تضمــن للمــرة الأولى تحديــدا منضبطــا للقواعــد والإجراءات الخاصــة بإصــدار تصاريــح الأعمال الإنشائية للكنائــس، فيما تم تقنين أوضاع حوالي 1800 كنيسة ومبنى حتى ديسمبر 2020 وفقا لقانون بناء وترميم الكنائس مع ترميـم الكنائـس التـي تعرضـت للتلـف والتخريـب عقـب ثـورة 30 يونيـو 2013 والتــي بلــغ عددهــا 72 كنيســة، بالإضافة إلــى إنشــاء أكبــر كاتدرائيــة فــي مصــر والشــرق الأوسط بالعاصمـة الإدارية الجديـدة. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خصصت الدولة المصرية نحو 550 مليار جنيه للتعليم بمختلف مراحله والبحث العلمي، وذلك من أجل رفع جودة العملية التعليمية وخفض كثافة الفصول والتوسع في إتاحة التعليم للجميع دون تمييز. فيما أسهمت المشروعات القومية الكبرى في تراجع معدل البطالة لأدنى مستوى له منذ 30 عامًا، وارتفع معدل وصول برنامجي «تكافل» و«كرامة» إلى الأسر الواقعة تحت خط الفقر، حيث بلغ عددها 5 ملايين أسرة، بنسبة 20 % من إجمالى تعداد الأسر المصرية البالغ 25 مليون أسرة. كما انتهـت وزارة الإسـكان والمرافـق والمجتمعـات العمرانيـة مـن تنفيـذ العديـد مـن المشروعـات السـكنية لصالـح المواطنـين ذوي الدخـل المنخفـض ضمـن المبـادرة الرئاسـية «سـكن لـكل المصريـين». حياة كريمة كما حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه مسئولية الحكم، على بناء الإنسان والاهتمام بوعيه وصحته وتعليمه، وفي سبيل تحقيق ذلك جاء تدشين مبادرة حياة كريمة التي تعد من أبرز إنجازات الدولة، إذ تم تدشينها لمساعدة المواطنين من أجل تطوير قرى الريف والصعيد والقضاء على العشوائيات. نجحت «حياة كريمة» في تنفيذ 90 % من جملة الاستثمارات في قرى محافظات الصعيد بتكلفة 5.4 مليار جنيه، إلى جانب توفير أكثر من 300 ألف فرصة للعمل، بالإضافة إلى رفع كفاءة وتطوير 16 ألف منزل من خلال تركيب أسقف وعمل وصلات صرف صحي، وغيرها. المجتمع المدني وبالتزامن مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تم إعلان عام 2022 عام المجتمع المدني لتصبح مؤسسات المجتمع المدني شريكًا أساسيًا للدولة بالعديد من المهام لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتوفير حياة كريمة للمواطنين. وفى إطار ذلك، بدأت وزارة التضامن الاجتماعى سلسلة من المؤتمرات ضمن فعاليات منتدى الحوار مع منظمات المجتمع المدنى بالتعاون مع وزارة التعاون الدولي، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، بمشاركة منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وذلك تنفيذا لقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بمراجعة قانون المجتمع المدني الصادر عام 2017، والتوجيه بإجراء حوار مجتمعي صدر عنه قانون رقم 149 لسنة 2019 لتنظيم العمل الأهلي الذي لاقى ترحاباً شديداً من كافة الجهات حيث تم توفيق أوضاع أكثر من 35 ألف منظمة مصرية وما يقرب من 50 منظمة اجنبية عاملة في مصر. المرأة والشباب في ذات السياق، ومن إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إلى مختلف المبادرات التي تهدف لدعم الفئات المهمشة، فكانت الرسالة واضحة: مصر اختارت أن تضع كرامة الإنسان في صدارة أولوياتها، فجاءت ثورة الـ30 من يونيو لتعيد للمرأة المصرية مكانتها ودورها في المجتمع المصري حيث تحسن ترتيب مصر في مؤشر فجوة النوع الاجتماعي لتأتي في المرتبة 129 من بين 153 دولة شملها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021، وذلك مقارنة بالمرتبة 134 عام 2020، كما تحسّن ترتيب مصر في المؤشر الفرعي للتمكين السياسي للمرأة في مؤشر فجوة النوع الاجتماعي، حيث جاءت في المرتبة 79 عام 2021، مقارنة بالمرتبة 103 في عام 2020. أما الشباب المصرى فقد شهدوا مرحلة جديدة متسمة بالانتقال من مقعد المشاهد إلى المشارك فى صناعة الأحداث وذلك عبر إعلان القيادة السياسية عن مؤتمر الشباب الأول الذى عقد عام 2016 في مدينة شرم الشيخ حيث تم لقاء الشباب بمؤسسات الدولة برعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسى. ومنذ تدشين ذلك المؤتمر لم تتوقف فعاليات المؤتمرات الشبابية بل امتد وتوسع بناء على رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أن تتحول الفكرة المصرية بالتواصل مع شبابها إلى أيقونة عالمية بالإعلان في المؤتمر الرابع الذي عقد في محافظة الإسكندرية عن منتدى شباب العالم، بهدف إيجاد تواصل حقيقي وفعال بين الشباب من بلدان مختلفة وحضارات متنوعة في تطبيق فعلى ونزيه لمصطلح تواصل الحضارات. هذه المنصات الجديدة للتواصل مع الشباب، ومنها مؤتمر الشباب ومنتدى شباب العالم، مثلت في مجموعها فرصة جيدة للتواصل، وبوابة لشرح الرؤى المستقبلية وتبادل المعلومات، كما أنها ترفع الروح المعنوية للمؤسسات والأفراد عبر خلق حالة عامة من الاطمئنان، كونها توضح تماسك الدولة وقدرتها على نقاش العديد من الملفات بصراحة وشفافية. وخلال هذه المؤتمرات تم طرح العديد من الرؤى والأفكار بحرية كاملة ومنها الإعلان عن إنشاء الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب بالقرار الجمهورى 434 لسنة 2017، بهدف إمداد الدولة وأجهزتها المختلفة بالعناصر الشبابية المختلفة بعد تطوير مهاراتهم وقدراتهم بشكل فعلى. ذوى الهمم بالنسبة لذوي الهمم وهو المصطلح الأكثر تداولا لفئة ذوى الاحتياجات الخاصة التي لاقت الكثير من الدعم والاهتمام خلال فترة الرئيس السيسي؛ حيث تم تعديل بعض أحكام «قانون صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة»، مع استخراج حوالي 950 ألف بطاقة خدمة متكاملة تضمـن حصولهـم على الحقـوق المكفولـة لهـم في القانـون.