جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتصحح مسارًا إرهابيًا فاشيًا، وتفتح آفاق الأمل أمام ملايين المصريين، الذين استردوا «مصر الحرة» من سماسرة الدين والأوطان، ففى الذكرى الـ12، لا بد أن نسترجع ذكريات الثورة التى كانت لطيور الظلام كابوسًا، وللمصريين أملًا وحُلمًا.
لم يكن فشل حكم جماعة الإخوان «الإرهابية» مجرد عثرة فى الطريق؛ بل كان نهاية حتمية لفكر رجعى، لا يؤمن بمعنى الدولة، ولا يعرف من مبادئ الإدارة إلا الولاء، فكان عام الإخوان صفحةً سوداء فى دفتر الوطن، سرعان ما طُويت بإرادة شعبٍ أبى أن يُختطف تاريخه ومستقبله.
فى لحظةٍ فارقة من تاريخ مصر، فى أعقاب 25 يناير 2011، اعتقد البعض أن الفجر قد لاح، وأن زمنًا «طيبا» سيشرق على البلاد، لكن ما إن صعدت جماعة الإخوان «الإرهابية» إلى سُدة الحكم، حتى انقشعت الغشاوة، وظهر الوجه الحقيقى لأكذوبةٍ تغنّى بها كثيرون، فلم تكن الشعارات البراقة سوى ستارٍ يخفى وراءه مشروعًا مرتبكًا، وأجندةً ضيقة عجزت عن استيعاب وطنٍ بحجم مصر.
فى عامٍ واحد فقط، عاش المصريون فصول مأساة متكاملة: أزمات خانقة فى الاقتصاد، اضطراب سياسى غير مسبوق، تصدع فى مؤسسات الدولة، ومحاولات حثيثة لاختطاف الهوية الوطنية لصالح مشروع الجماعة، وكأن الدولة تحولت إلى ساحة تجريبية لخطابات شعبوية، لا تعرف من الحكم إلا التمكين، ولا من الديمقراطية إلا صندوقًا ـ خادعًا- يوصلهم إلى السلطة.
ففى تلك الفترة انكشفت أكذوبة الإخوان، الذين فشلوا على كل الأصعدة، وارتكبوا العديد من الخطايا فى حق الوطن والشعب.
شق الصف
أنهى الشعب المصرى حكم محمد مرسى، بعد عام وثلاثة أيام فقط قضاها فى الحكم، ارتكب خلالها أخطاء فادحة أنهت العلاقة بينه وبين الشعب فى خلال هذه المدة الزمنية الضائعة من عمر مصر.
فقد رسخ حكم مرسى على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وقسَّم المجتمع بين مؤيد لـ«المشروع الإسلامى» الذى يمثله الرئيس وجماعته دون أن يقدموا دليلًا واحدًا على هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف فى أغلب الأحيان بــ «العلمانى»، وبدلًا من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض.
الأخونة وأمن الوطن
ازدادت وتيرة الاستقطاب فى المجتمع، بعدما عكف مرسى وجماعته -بسرعة كبيرة- على ترسيخ فكر الأخونة بكل مفاصل الدولة، رغم تنامى الشعور المعادى له من يوم لآخر.
ففى مؤسسة الرئاسة فقط خلال حكم الإخوان، كان هناك 8 من قيادات الجماعة يعملون داخل القصور الرئاسية، إضافة للسيطرة على الحكومة التى شكلها هشام قنديل، وتبعها سيطرة المحافظين، وفى 18 يونيو 2013 اتخذ محمد مرسى قرارًا بتعيين 17 محافظًا جديدًا، بينهم سبعة من جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة وآخر ينتمى للجماعة الإسلامية، ليرتفع حينها عدد المحافظين المنتمين لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة إلى 13 محافظا، الأمر الذى أثار ردود فعل غاضبة على المستويين السياسى والشعبى فى مصر.
وهنا لا بد أن نذكر تصريح أحد أبناء التيار الإسلامى حينها، وهو الدكتور يونس مخيون الرئيس السابق لحزب النور، الذى قال نصًا: «سنقف لعملية أخونة الدولة بالمرصاد، وعلى جماعة الإخوان المسلمين بالكف عن إخفاء الحقائق التى يلمسها ويشاهدها عموم الشعب المصرى، وإلا سننشر ملف أخونة الدولة فى الإعلام تفصيليًا إذا استمر هذا النهج».
المواجهة بالدم
لم تكن المشاهد الدموية التى تكررت فى حوادث عدة ارتكبتها عناصر جماعة الإخوان ضد المصريين، حالات فردية بل كانت نمطًا وسلوكًا لجماعة أياديها آثمة، فلا يمكن أن ننسى حين اتخذ رئيسهم قرارًا بالإفراج عن سجناء جهاديين من ذوى الفكر المتطرف، الذين استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة تستمد العون من أنفاق التهريب التى حظيت بكل الدعم والحماية من مرسى ذاته، وقد نفذت هذه الجماعات فعلًا خسيسًا بالإجهاز على 16 شهيدًا من الأمن وقت الإفطار فى رمضان، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنهم بفعل حشود الجيش لتعقب الإرهابيين، وتدخل جماعة مرسى للإفراج عن الجنود، فضلًا عما تكشف بعد إقصاء هذا الرئيس من كون هذه الجماعات الإرهابية السند لجماعة الإخوان فى حربها الإرهابية ضد الدولة، بعد 2013.
ومن المشاهد الدموية التى لا تنسى أيضا، سلخانات التعذيب على أسوار الاتحادية، فى ديسمبر 2012، بقيام عناصر جماعة الإخوان الإرهابية بفض اعتصام المعارضين بالقوة وتحطيم خيامهم - رغم التزامهم السلمية - وكان ذلك بهدف حماية رئيسهم الإخوانى، لكنهم لم يدركوا أنهم بتلك الحادثة وضعوا مسمارًا فى نعش حكم مرسى وجماعتهم.
جماعة ضد القضاء
شهدت فترة حكم الجماعة افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءًا من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار مرسى، ثم محاولة تحجيم دورها فى دستور ديسمبر 2012، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمس بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة، تسببت فى إثارة غضب الرأى العام، الذى عبر عن ضيقه بإحراق مقار لحزب الرئيس، فعاد مرسى عن بعض إعلاناته وقراراته، ومضى فى أخرى مما تسبب فى زيادة الحنق الشعبى عليه وعلى جماعته.
استمرت الأزمات بين القضاء والرئاسة الإخوانية، حيث قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ قرار تنظيم الانتخابات البرلمانية، فكان أن رفعت جماعة الإخوان شعار تطهير القضاء، والعمل على سن تشريع يقضى بتخفيض سن التقاعد للقضاة ليقصى عدة آلاف منهم ليحل بدلًا منهم أنصار الحكم.
وكانت الضربة الأخيرة التى سددها القضاء للرئيس المعزول هى الإشارة إليه بالاسم وعدد كبير من قيادات جماعته بالتعاون مع حماس وحزب الله فى واقعة اقتحام سجن وادى النطرون.
انهيار اقتصادى
استشرى الفشل فى جسد الدولة كالسرطان خلال حكم مرسى، فبدلا من محاولة النهوض بالبلاد وتشجيع الاستثمار، كانت تتم محاربة المستثمرين لصالح رموز الإخوان، إلى جانب أخونة المناصب الاقتصادية فى الدولة مثل وزارة المالية ووزارة الاستثمار، دون أى اعتبار لمعايير الكفاءة أو القدرة على إدارة هذه المناصب الحيوية.
الوضع الكارثى لحالة الاقتصاد فى عهد «الجماعة» تجلى فى أوضح صوره، وجسدته الأرقام، حيث أشارت إحصاءات البنك المركزى إلى العديد من الأرقام الكارثية، فارتفع الدين العام خلال فترة حكم الإخوان بنحو %23.36 بعدما سجل مستوى 1527.38 مليار جنيه مقارنة بفترة المقارنة فى عام 2012 والتى كانت مستويات الدين عند 1238.11 مليار جنيه، كما زادت نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج المحلى بنحو %10، بعد أن ارتفعت من 79 % إلى نحو %89، إلى جانب استمرار تآكل الاحتياطى النقدى من الدولار لدى البنك المركزى فوصل إلى نحو 14.93 مليار دولار بدلا من 15.53 مليار دولار بنسبة انخفاض قدرها 3.8 %.
أزمات فى كل القطاعات
خلال عام حكم الإخوان تكررت وبشكل متواصل أزمات البنزين والسولار، وشهدت البلاد انقطاعًا للكهرباء بشكل دائم لأول مرة منذ عقود، وبدلا من أن يقدم رئيس الوزراء الإخوانى هشام قنديل حلولا للأزمة، خرج يناشد المواطنين بترشيد استخدامهم للطاقة، دون أن يتطرق إلى أى خطط حكومية لمواجهة الأزمة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد واصل قنديل سقطاته عندما طالب الأسرة المصرية بالجلوس فى غرفة واحدة وارتداء الملابس القطنية، قائلا: «لما تشغل التكييف على 25 درجة مئوية وترتدى ملابس قطنية العملية هتبقى معقولة».
وفى قطاع النقل والمواصلات، تعهد مرسى بحل مشكلة المواصلات ضمن خمس مشاكل تعهد بحلها خلال المائة يوم الأولى من حكمه، فاستفحلت مشكلة المواصلات خلال العام الذى شهد كوارث يومية للطرق أبرزها كان حادث مصرع 50 طفلًا على مزلقان بأسيوط.
ولم يشهد العام من الحكم تشييد أى من الطرق الجديدة، أو إصلاح الطرق القائمة، فضلًا عن تراجع أداء مرفق السكك الحديدية.
كما استمرت الأزمات الغذائية، والارتفاع المتواصل فى أسعار السلع والخدمات دون تدخل حكومى يسعى لوقف جشع التجار، وبدا واضحًا اتجاه الحكومة لاستخدام المنظومة التموينية لخدمة أغراضه الانتخابية، ومحاولة كسب شعبية عبر التلاعب بالحصص التموينية.
فاشية دينية
قال الدكتور عصام خليل، رئيس حزب المصريين الأحرار، إنه تم تأسيس الحزب فى شهر يوليو عام 2011، كحزب ليبرالى مصرى، مشيرًا إلى أنه فى نهاية عام 2012، بدأت جماعة الإخوان فى التأسيس الفعلى لحزب الحرية والعدالة، ومن ثم بدأت تقحم نفسها فى السياسة، ومن خلال تنظيمها بدأت تسيطر على المشهد السياسى بشكل تام من خلال استغلالها للجمعيات الأهلية، وقدرتها على استغلال الخطاب الدينى.
وتابع «خليل» - فى تصريحات لـ«روزاليوسف»: حزب المصريين الأحرار كان يعى جيدًا منذ البداية أنه لا يمكن خلط الدين بالسياسة، ومن ثم كان تخوفه من جماعة الإخوان، ومن مبادئها، لأن أعضاءها لا يؤمنون بالأوطان، وهو ما اتضح فى سياستها المتبعة ومن التاريخ وقول قادتها: «مصر ما هى إلا حفنة تراب»، وهو ما يؤكد أن هذه الجماعة لا تليق بعظمة مصر.
وأكد رئيس حزب المصريين الأحرار، أنهم كانوا يعون خطورة تصدر الجماعة ووجودها فى المشهد السياسى، مشيرًا إلى أن حزب المصريين الأحرار كان له دور فعال فى مقاومة جماعة الإخوان، بداية من تشكيل الكتلة المصرية التى شملت حزب المصرى الديمقراطى وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب التجمع، مشيرا إلى أن تأسيس الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية فى ذلك التوقيت، كان يعتمد على ضرورة تشكيل تيار مدنى قادر على مواجهة التيار الدينى الذى كان مسيطرًا فى ذلك الوقت.
واستكمل: «المصريين الأحرار كان له دوره فى إعلان التشكيل الدستورى المكمل، وكانت له وقفات ومسيرات وبالفعل هناك توثيق لوقفاته فى ميدان التحرير، مشيرًا إلى أن الحزب كانت له الصدارة فى تشكيل جبهة الإنقاذ وحملة تمرد، بجانب دوره الفعال فى ثورة 30 يونيو، والوقوف فى وجه هذا الطاغوت والفاشية الدينية».
واستنكر الدكتور عصام خليل، محاولات جماعة الإخوان للتأثير فى الهوية المصرية وجهودهم لمحوها، مشيرًا إلى أن الحزب كان له موقف مهم عند تولى أحد أعضاء جماعة الإخوان وزارة الثقافة، فوقف الحزب وشارك فى الاعتصام داخل الوزارة مساندًا الفنانين والفنانات وقتها ممن تم اضطهادهم، وبسبب مواقف الحزب وأعضائه فكانت قيادات الحزب ضمن قائمة اغتيالات الجماعة.
كما أكد خليل، أن الشعب المصرى، شعب واع لديه القدرة على التمييز بين الصالح والطالح، وأدرك هدف الجماعة وتحركاتها لتدمير الهوية المصرية والدولة، وكان ذلك بمثابة الشرارة الأولى لانطلاق ثورة 30 يونيو من أجل الدفاع عن الدولة المصرية، مؤكدا أن ثورة 30 يونيو ساعدت فى استعادة الدولة وهدم المخططات الإخوانية التخريبية.
وأوضح خليل، أن هدف تصدر جماعة الإخوان المشهد السياسى، كان تفتيت مصر والدليل الوثائق التى تم تسريبها من رئاسة الجمهورية فى ذلك الوقت، والتى كانت توضح الاتفاق مع بعض الدول والجهات، للنيل من رجال الشرطة والجيش المصرى، مؤكدًا أن كذب الجماعة وعدم التزامها بالوعود كان سببًا رئيسيًا لثورة الشعب المصرى عليها.
غباء سياسى
من جانبه، أعرب فؤاد بدراوى نائب رئيس حزب الوفد، عن اعتزازه بكونه أحد أعضاء جبهة الإنقاذ الوطنى التى تشكلت فى نوفمبر 2012، ولعبت دورًا مهمًا فى تلك الفترة، بدءًا بإعلانها رفض الحوار مع محمد مرسى قبل إسقاط الإعلان الدستورى المشوه، وتوعية الشعب المصرى، ودعم الحشد الثورى فى ميادين مصر.
وأضاف «بدراوى» – فى تصريحات لـ«روزاليوسف»، أن فترة حكم جماعة الإخوان كانت عصيبة على مصر والمصريين؛ لأنها جماعة لم تكن صادقة فى أى شيء، وكان هذا قمة الغباء السياسى من جانبهم.
وأكد نائب رئيس حزب الوفد، أن ذكاء الشعب المصرى ووعيه هو الذى دفعه للتحرك ومواجهة هذا التيار الظلامى، بالاحتشاد فى ميدان التحرير وكل المحافظات، فى مشهد مهيب أمام أعين العالم.
وشدد «بدراوى» على أن دور القوات المسلحة بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى -وزير الدفاع حينها- كان عظيمًا، بالانحياز لإرداة الشعب المصرى، مشيرا إلى أن ثورة 30 يونيو وما تبعها من تنمية خلال فترة الحكم الرئيس السيسىكتبت شهادة وفاة أبدية لجماعة الإخوان.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق