: 4 2 ساعـــــة من الغضب إلى العزل غيرت وجه مصر

روز اليوسف 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«30 يونيو» لم تكن تلك سوى خيوط من نور خرجت لتبدد ظُلمات «إخوان الدم»، تلك الجماعة التى لم يكن لها هدف سوى هدم وطن وحضارة تاريخها يعود لآلاف السنين.

يوم 30 يونيو 2013.. كانت مصر على موعد مع ملحمة حقيقية.. خرجت جموع الشعب من كل محافظة وشارع وحارة.. خرج الشعب ليقول «لا» لجماعة حكمت البلاد لمدة عام واحد فقط، كان كفيلًا أن تكون مصر فيه على بعد أمتار للسقوط فى براثن الحرب الأهلية، وتفاصيل كل ثانية فى هذا اليوم لها قصة وحكاية وبطولة تؤكد أنها أعظم ثورات التاريخ.

 

23 يونيو الإنذار الذى هزّ الصمت  

 

نرصد خلال السطور القادمة، بدقة تسلسل الأحداث فى ذلك اليوم التاريخى، الذى شكل تلك اللحظة الفارقة فى التاريخ المصرى الحديث. ولكن قبل أن تتدفق الملايين من جموع الشعب المصرى فى شوارع القاهرة والإسكندرية ومحافظات مصرية أخرى، حيث تصاعدت الهتافات ورفرفت الأعلام المصرية يوم 30 يونيو، والتى لم تكن مجرد مظاهرة عابرة، بل شرارة حاسمة فى صيف محتدم، انتهت بعزل الرئيس محمد مرسى، نعود بالزمن أسبوع قبل اندلاع مظاهرات يوم 30 يونيو، فيما سُمى بأسبوع الغليان والذى ألقى فيه الرئيس المعزول محمد مرسى خطابه الطويل قبل الأخير. 

 كان الغضب يزداد فى الشوارع. التوقيعات تتدفق على استمارات «تمرد»، واللافتات ترتفع فى الميادين بالكروت الحمراء المطالبة برحيل الرئيس محمد مرسى، والعين على يوم الثلاثين من يونيو الذى يقترب. لكن فى يوم 23 يونيو 2013، خرجت رسالة قصيرة من القوات المسلحة المصرية، لكنها كانت كالنبض المفاجئ فى قلب الحدث.

لم تكن رسالة القيادة العامة للقوات المسلحة برئاسة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى آنذاك كأى بيان. لم يكن فيه رصاص، لكن كلماته كانت طلقات إنذار.

قال السيسى خلال كلمته بالندوة التثقيفية التى عقدتها القوات المسلحة آنذاك، بنبرة لا تخفى: إن الأمن القومى المصرى «يتعرض لمخاطر شديدة» نتيجةً لحالة الانقسام داخل المجتمع، والذى يشكل استمرارها خطرًا على الدولة المصرية، ولا بد من التوافق بين الجميع، ويخطئ من يعتقد أننا فى معزل عن المخاطر التى تهدد الدولة المصرية، وإن المؤسسة العسكرية لن تقف صامتةً أمام ما قد يهدد مستقبل الدولة».

وجاءت الفقرة الأخطرـ التى التقطها الجميع شعبًا ومحللين سياسيين آنذاك - وكأنها مفتاح الحدث المقبل الذى يطل فى الأفق وهو الـ 30 من يونيو كالتالى:

«القوات المسلحة لن تكون طرفًا فى دائرة السياسة أو الحكم، ولا ترضى أن تخرج عن دورها الوطني.. ولكننا نتحمل مسئوليتنا الوطنية والتاريخية فى حماية إرادة الشعب المصرى العظيم».. ثم كانت الجملة التى سُجلت فى ذاكرة اللحظة: «لن نسمح أن ينزلق الوطن فى نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلى أو انهيار مؤسسات الدولة».

كانت هذه الكلمات كمن يُمسك بفرامل قطار يوشك أن يخرج عن السكة. لم تُعلن القوات المسلحة وقتها عن تدخل مباشر، لكن بيانها أوضح أنه لن يظل متفرجًا إن لم تجد القوى السياسية طريقًا للتوافق. وكأن البيان كان الصفارة الأولى فى لعبة الشطرنج الكبرى التى انتهت بعزل الرئيس.

 

26 يونيو خطيئة مرسى الأخيرة

فى قلب القاهرة، وعلى بُعد أربعة أيام فقط من موجة الاحتجاجات، التى تحدّد انطلاق مظاهراتها يوم 30 يونيو، والتى دعت فيها حملة «تمرد» وقوى المعارضة إلى سحب الثقة من «مرسى» والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقف محمد مرسى فى خطاب طويل – استمر نحو ساعتين وأربعين دقيقة – موجّها كلماته إلى المصريين، فى ما أسماه «كشف الحساب» عن حصاد عام منذ توليه السلطة. وكان هذا المشهد علامة فارقة فى بداية الملحمة التى غيرت مسار البلاد.

«الخطاب» كان استفزازيًا مليئًا بالتهديد، بل كان بمثابة خطيئة مرسى الأخيرة قبل أن يغرقه طوفان 30 يونيو، حيث شن هجومًا شديدًا على رموز المعارضة وعلى الإعلام والقضاء، ووجه إليهم اتهامات بالتزوير ومحاولة تقويض الشرعية.

رفض مرسى فى خطابه، بشكل واضح مطالب الشارع والمعارضة التى كانت ترتفع نحو إقالة حكومته أو إسقاط نظام الحكم، ورفض إجراء انتخابات مبكرة أو التنحى، معتبرًا أن هذه المطالب عبثية، ووجه تهديدات لرجال أعمال متهمين بالتهرب الضريبى، مؤكدًا أنه لا تهاون مع بقايا النظام السابق، حتى لو أفرج عنهم قضائيًا.

كما أعلن فيه عن تكليف وزارة الداخلية بإنشاء وحدة خاصة لمواجهة البلطجية، وتشكيل لجنة مستقلة لإعداد تعديلات دستورية بمشاركة جميع الأحزاب والقوى السياسية، بالإضافة إلى انتقاده لوسائل الإعلام الخاصة التى تركز على السلبيات فقط، ووجه رسائل إلى رجال الشرطة والقضاء بضرورة الحفاظ على هيبة المؤسسات.

علق إعلاميون وقضاة، وعبرت أصواتهم بتعبيرات قوية عن القلق مما اعتبروه نبرات تهديد ووعيد فى خطاب مرسى، وصفوه بأنه خطاب «للتخويف أكثر منه للتفهم»، معتبرين أن أسلوبه لم يخفف من التوتر، بل زاد أفراده، منحازين للقوات المسلحة والمعارضة، وخلق خطاب مرسى آنذاك حالة من الاستنفار الإعلامى الشعبى.

ردت المعارضة سريعًا على خطاب «مرسى»؛ من جانبه قال محمود بدر، المتحدث الإعلامى لحملة «تمرد»، معلقًا على خطاب مرسى: «إن ما قيل لا يحتاج إلى رد وسننزل يوم 30 يونيو»، وذكرت الحملة عبر موقعها الرسمى أن «الرئيس مرسى لم يقل كلمة مفيدة، رغم عدم توقفه لأكثر من ساعتين، وإنه لا يملك سوى الهجوم على المعارضة واتهامها بمعاداة الديمقراطية ليعلق عليها شماعة فشله وسوء إدارته وجرائم نظامه».

وأعلنت جبهة الإنقاذ الوطنى أن رسالته زادت التصميم على النزول إلى الميدان. ورفع الناشطون والمواطنون المتواجدون فى ميدان التحرير آنذاك، أحذية وبطاقات حمراء وهتفوا: «ارحل ارحل»، فى حين أحرق آخرون صوره.

لم تمر كلماته دون أثر؛ فقد خرج آلاف المواطنين بعدة مدن فى مسيرة تطالب برحيل الرئيس عقب انتهاء الخطاب، تزامن معها اندلاع اشتباكات بين مؤيديه ومعارضيه فى عدة محافظات، راح ضحيتها عشرات القتلى من المصريين، إخوة فى الوطن يصطدمون فيما بينهم، وحدث بالفعل الاقتتال الشعبى الذى حذرت منه القوات المسلحة ووزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسى فى خطابه يوم 23 يونيو 2013.

ندد «الأزهر» بما وصلت إليه التوترات بعد خطاب مرسى الأخير، وطلبت المؤسسة بضبط النفس، محذرة من خطر السقوط فى حرب أهلية بين جماعات متناحرة، وذلك تفاديًا لما وصفته بـ«الصدام الدموى الداخلى».  

 

28 يونيو الاعتصامات فى التحرير ومحيط الاتحادية 

كان خطاب مرسى نقطة تحول؛ لم يؤدِ إلى تهدئة، بل أظهر أن النزاع لن يُحسم بالكلمات، بل بالتفاعلات بين المؤسسات والشارع، كل هؤلاء كانوا سيد الموقف بعده، تزايدت حدة التوتر، وبدا الشارع وكأنه مسرح للاشتباكات المبكرة على الأرض بشهداء، وتشكلت الاعتصامات فى ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية تطالب بالرحيل لمرسى وصولًا لليوم التاريخى 30 يونيو.   

30 يونيو يوم الزلزال العظيم   

 

فى ذلك اليوم، لم تكن مصر تنظر إلى المستقبل، بل تصنعه. كان مشهد 30 يونيو أكثر من مجرد احتجاج، كان إعادة كتابة للعقد الاجتماعى والسياسى، والقوات المسلحة المصرية التى كانت تراقب من بعيد، ولكن فى ذات الوقت أعلنت حمايتها للبلاد وعدم سقوطها فى الانقسامات والصراع السياسى الداخلى، أصبحت من اللحظة التالية فاعلًا رئيسيًا فى المشهد. نرصد التسلسل الزمنى لهذا اليوم فى ثلاثة مشاهد رئيسة كالتالى:

 المشهد الافتتاحى 

فى قلب القاهرة، كانت الساعات الأولى من يوم الأحد 30 يونيو 2013، تسير ببطء، وكأن البلاد تحبس أنفاسها. بدا ميدان التحرير هادئًا ظاهريًا، لكن خلف الهدوء، كان هناك ما يشبه الاستعداد لمعركة، بينما فى المحافظات، بدأت تتوافد حركة القوافل الشعبية القادمة من الأقاليم نحو العاصمة تحمل أعلام مصر ولافتات «ارحل يا مرسى»، «يسقط حكم المرشد» وشباب يرتدون تيشيرتات «تمرد».

الساعة 9 صباحًا: حركة المرور فى القاهرة بطيئة بينما تغلق الجهات الأمنية محيط عدد من المنشآت السيادية كوزارة الدفاع، الداخلية، مجلس الوزراء ومبنى ماسبيرو.

الساعة 10 صباحًا: وصول أولى الحشود إلى ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية. منصة التحرير تبدأ ببث الأناشيد الوطنية وخطب قصيرة.

 منتصف النهار 

ترتفع اللافتات من المتظاهرين فى ربوع الميادين المختلفة بكل المحافظات، وتبدأ الهتافات الأولى: «الشعب يريد إسقاط النظام». كانت أعداد المواطنين تتزايد، والميادين تمتلئ ببطء ثم بعنف، عندما بدأت بعض المكاتب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين عمليات الحرق والاشتباك مع المتظاهرين فى المدن المختلفة، مما زاد من حدة التوتر فى الشارع. 

وكان التسلسل الزمنى لمشهد منتصف النهار كالتالى: 

الساعة 1 ظهرًا: الطيران الحربى يحلق فى سماء القاهرة، يرسم قلوبًا بعلم مصر فوق المتظاهرين، فى إشارة واضحة لدعم معنوى للمطالب الشعبية.

الساعة 2:30 عصرًا: أكثر من 15 مدينة مصرية تشهد حشودًا ضخمة؛ من الإسكندرية إلى المنصورة إلى الأقصر.

الساعة 3 مساءً: إطلاق حملة «الكارت الأحمر ضد مرسى» فى الميادين، والتى رفع فيها المتظاهرون بطاقات حمراء تعبيرًا عن الرفض.

 طوفان المتظاهرين 

الساعة 4 مساءً: ميدان التحرير وميادين مصر المختلفة تمتلئ عن آخرها، وحسب تقديرات أعضاء «تمرد» فى تصريحات صحفية آنذاك بأن أعداد المتظاهرين تجاوزت الـ30 مليون مواطن خلال اليوم.

الساعة 5 مساءً: مئات الآلاف أمام قصر الاتحادية.

الساعة 6:30 مساءً: وقوع اشتباكات متفرقة أمام مقرات الإخوان فى عدة محافظات بين المؤيدين والمعارضين، خاصة فى المنصورة وكفر الشيخ، والذى نجم عنه إصابات ووقوع عدد من الضحايا.

فى تلك اللحظات، كان الشارع يتحدث بلغة واحدة: «ارحل». كانت أصوات المتظاهرين تتصاعد غاضبة، ولكن حافظوا على سلمية المظاهرات، وكان المشهد يعكس إحساسًا جماعيًا بالمسئولية وضبط النفس، بأن هذه الليلة قد تكون بداية النهاية.

 الدولة تتحرك

استمرت المظاهرات والحشود والاشتباكات فى نفس الوقت، فى ظل تصميم واضح من حركة تمرد والشعب المصرى لرحيل جماعة الإخوان وسقوط محمد مرسى، ورغم صدور بيان مقتضب من الرئاسة الساعة 9 مساءً، تدعو فيه إلى الحوار الوطنى، ولكن لم يلق استجابة واضحة من الشارع أو المعارضة. 

 

1 يوليو بداية النهاية  

أصدرت القوات المسلحة المصرية بيانًا فى 1 يوليو (بعد يوم من المظاهرات) تعهدت فيه بعدم التدخل فى السياسة لكنها منحت القوى السياسية مهلة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب، مع تلميح بأنها ستتدخل إذا لم تُحل الأزمة.

هذا البيان أثار فرحة كبيرة بين المتظاهرين، ورفعوا هتافات «الجيش والشعب إيد واحدة». واعتبر محللون سياسيون آنذاك، هذه اللحظة تحديدًا بصدور بيان المؤسسة العسكرية، بداية النهاية لحكم الجماعة الإرهابية وهو ما تحقق فعًلا.

حيث نحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 12 لثورة 30 يونيو وسقوط الفاشية الدينية الممثلة فى جماعة الإخوان الإرهابية.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" روز اليوسف "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??