يتصدر مشهد تخرج الطلاب في لبنان وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وتغمر الساحات الجامعية هذا العام، كما في كل عام، قبعات التخرج، لكنها لا تبقى طويلا في سماء الوطن، إذ تليها سريعا في كثير من الأحيان تذاكر سفر وأوراق هجرة.
يتخرج آلاف الطلاب اللبنانيين سنويا، مسلحين بشهاداتهم وآمالهم، إلا أن الواقع يدفع نسبة كبيرة منهم إلى البحث عن فرص عمل خارج البلاد، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وغياب الحلول الفعلية وعدم الاستقرار الأمني، باتت الهجرة للشباب اللبناني شبه واقع، لا خيارا ترفيهيا.
وما بين قبعة التخرج وتذكرة السفر، تسقط آمال كثيرة، ومع أن البعض لا يزال متشبثا بالبقاء إيمانا بالتغيير، فإن الغالبية باتت ترى الهجرة خيار البقاء الوحيد.
وتشير بيانات المركز التربوي للبحوث والإنماء في لبنان، إلى أن الجامعات تخرّج سنويا ما بين 35 و40 ألف طالب، بينما تكشف "الدولية للمعلومات"، وهي نشرة إحصائية معتمدة، أن أكثر من 12 ألف خريج يغادرون البلاد سنويا، فيما يشبه "النزوح الأكاديمي".
ووثق المرصد اللبناني لسياسات التعليم العالي في الجامعة الأميركية ببيروت، أن 35 بالمئة من الخريجين غادروا لبنان بعد تخرجهم عام 2023، مقابل 18 بالمئة عام 2018، ما يعكس ارتفاعا في نسب الهجرة.
أصوات شابة
في دردشة مع موقع "سكاي نيوز عربية"، تقول رنا عبد الله التي حصلت على شهادة جامعية في الإعلام: "أتممت دراستي بجهد وتفوق لكن سوق العمل مغلق والفرص معدومة، فلم أجد خيارا إلا البحث عن حياة جديدة خارج لبنان".
ويعلق طارق الزين الذي أنهى دراسة الهندسة الكهربائية: "عملت من دون ضمانات وبأجر لا يغطي حتى التنقل. بعد تخرجي العام الماضي عندما وصلني عقد من الخارج لم أتردد. لا يمكننا أن نبقى في وطن لا يعترف بكفاءاتنا".
وترى جوانا حداد التي درست الأحياء، أن "الهجرة ليست شهوة بل رد فعل"، مشيرة إلى قلة الفرص في لبنان.
نزيف صامت
تؤكد الباحثة في علم الاجتماع مايا حنا، أن "لبنان يخسر سنويا أهم ما يملك: شبابه".
وتقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "نحن أمام ما يعرف باسم النزيف الأكاديمي، وهو أشد خطورة من أي خسارة اقتصادية، لأنه يقوض مستقبل الدولة. الخريجون لا يغادرون طمعا بالثراء، بل فرارا من فقدان الأمل".
وتضيف الباحثة اللبنانية: "غياب سياسات الاستيعاب واستمرار الانهيار المؤسساتي واحتكار القرار من قبل أطراف خارج منطق الدولة، عوامل تدفع الكفاءات إلى الرحيل. لبنان في خطر إن لم يستدرك هذا النزف".
وتوضح حنا: "الكل يتذكر الهجرة الجماعية للأطباء والمهندسين. خسر لبنان أكثر من 3 آلاف طبيب في 3 سنوات بحسب نقابة الأطباء".
وتختم حديثها مع "سكاي نيوز عربية" بالقول: "لبنان، الذي أنجب أجيالا من المبدعين، يقف اليوم على مفترق حاسم: فإما احتضان شبابه بسيادة وفرص حقيقية، وإما أن يصبح أرضا يتركها أبناؤها بعد أن تودعهم الجامعات بابتسامة، وتستقبلهم المطارات بصمت".
belbalady
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" سكاي عربية "
0 تعليق