04:28 م - الثلاثاء 24 يونيو 2025
0
في عالم يتسارع نحو الرقمنة، من تطبيقات الهواتف الذكية إلى منصات الخدمات الحكومية، باتت الجبهات الجديدة للصراع لا تُرسم على الخرائط، بل تُبنى على الأكواد وتُدار من مراكز بيانات. إنها حرب لا تلتقطها عدسات الكاميرا، لكنها قادرة على إسقاط أنظمة بأكملها دون طلقة واحدة.
ومنذ عام 2008، ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية وبزوغ نجم الشبكات الاجتماعية، وُلدت بنية رقمية جديدة تسللت بهدوء إلى حياتنا. وبعد أكثر من عقد، أصبحت هذه البنية ميدانًا لحروب رقمية تخاض بالبرمجيات، وتُدار من خلف الشاشات.
وإذا كانت البنية التحتية الرقمية هي القلب النابض لعصر التحول، فإن الأمن السيبراني هو درعه الواقي. لكن… من يحمي هذا الدرع؟ وهل نحن مستعدون للحرب القادمة؟
من رفاهية تقنية إلى ضرورة سيادية
تحوّل الأمن السيبراني من مجرد خيار تقني إلى أولوية وطنية. أحداث الصراع الرقمي بين إيران وإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة تؤكد هذا التحول. فلم تعد الحرب تندلع في الميادين، بل في مراكز البيانات، وشبكات البنية التحتية، وقواعد المعلومات السرية.
أبرز الهجمات الإلكترونية:
هجمات إسرائيلية على إيران
- مجموعة Predatory Sparrow المرتبطة بإسرائيل نفذت هجمات على منشآت حساسة، أبرزها محطات وقود ومصانع فولاذ، تسببت في شلل واسع.
- في يونيو 2025، تم استهداف بنك Sepah الإيراني، ما أدى إلى توقف الخدمات البنكية جزئيًا.
- تسريب ضخم لبيانات مستخدمي منصة Nobitex للعملات المشفرة، وتُقدّر الخسائر بين 90 إلى 100 مليون دولار.
هجمات إيرانية على إسرائيل
- رسائل نصية مزيفة للمواطنين الإسرائيليين لبث الذعر والمعلومات المضللة.
- هجمات DDoS على مواقع حكومية وشركات مياه وكهرباء، أدت إلى تعطلها مؤقتًا.
- تقارير عن اختراق كاميرات المراقبة المنزلية لاستخدامها في تقييم الضربات الصاروخية.
مصر في مرمى النيران الرقمية… رغم الحياد
رغم أن مصر ليست طرفًا في هذا الصراع، إلا أن موقعها الاستراتيجي وتسارع تحولها الرقمي يجعلانها هدفًا محتملاً في الحروب السيبرانية.
لماذا مصر؟
- تحول رقمي متسارع: من رقمنة الخدمات الحكومية إلى التعليم الرقمي وانتشار المحافظ الإلكترونية.
- موقع جغرافي حساس: اتصالها بشبكات إقليمية وعالمية يزيد من احتمالات الاختراقات غير المباشرة.
- قطاع مصرفي متطور: يجعل البنوك المصرية هدفًا مغريًا.
- بنية تحتية اتصالية حساسة: اختراق شبكات الاتصالات قد يفتح أبوابًا لهجمات أكبر على المؤسسات السيادية.
من الهدف إلى الحصن الرقمي: كيف استعدت مصر؟
لم تتجاهل الدولة المصرية التهديدات الرقمية، بل بادرت بوضع منظومة حماية متكاملة للأمن السيبراني، أبرز معالمها:
- استراتيجية وطنية شاملة للأمن السيبراني مدمجة في كل مشروع حكومي أو بنية تحتية رقمية.
- تأسيس المجلس الأعلى للأمن السيبراني لتنسيق الجهود بين الجهات السيادية.
- قانون حماية البيانات الشخصية (2020) لحماية خصوصية المواطنين والمؤسسات.
- مركز EG-CERT للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي، يعمل على مدار الساعة.
- مركز طوارئ القطاع المصرفي التابع للبنك المركزي لحماية البنوك من الهجمات الإلكترونية.
- برامج تعليم وتدريب وطني للأمن السيبراني بالتعاون مع شركاء دوليين.
- تحصين البنية التحتية الحيوية للكهرباء والمياه والاتصالات والبنوك.
- دمج الأمن السيبراني في منظومة الأمن القومي كمكون رئيسي لحماية السيادة الرقمية.
خارطة طريق لحرب بلا دخان
مصر تعمل على تحويل التهديد إلى فرصة، من خلال خريطة طريق استراتيجية تؤمن الجبهة الرقمية:
- بناء الإنسان قبل الآلة: بإدماج الأمن الرقمي في التعليم والتدريب.
- تطوير الإطار التشريعي: لتواكب القوانين تحديات العصر الرقمي، وفرض اختبارات إلزامية على الجهات الرقمية.
- جاهزية تقنية متكاملة: بتبني المعايير العالمية (ISO 27001، NIST).
- شراكات إقليمية ودولية: لتبادل المعلومات، والتعاون ضد الهجمات العابرة للحدود.
- رفع وعي المواطن: عبر حملات توعوية ومناهج تعليمية وتطبيقات تفاعلية للأطفال.
- تضمين الأمن في كل منصة جديدة: فلا يتم إطلاق أي تطبيق أو نظام دون حماية سيبرانية.
السيادة الرقمية تُبنى خلف الشاشات
الحرب السيبرانية باتت واقعًا لا مفر منه. حرب لا تُرى، لكنها تملك القدرة على إسقاط أنظمة، وشل مؤسسات، وتقويض ثقة الشعوب… بضغطة زر.
وفي هذا السياق، لم يعد الأمن السيبراني رفاهية تقنية أو مهمة موكلة لفريق الدعم الفني، بل أصبح قضية أمن قومي وقرارًا سياديًا يُبنى عليه استقرار الدول في العصر الرقمي.
فحماية المستقبل تبدأ من اليوم، والسيادة لا تُقاس فقط بالحدود… بل بجدران الحماية الرقمية
ما وراء التحول الرقمي… مستمر
في المقال القادم من هذه السلسلة، نواصل الغوص في أعماق القوانين الخفية التي تُشكّل وجه التحول الرقمي الحقيقي.
لكن حتى نلتقي مجددًا، تذكّر جيدًا:
لا تحول رقمي بدون أمن سيبراني، ولا سيادة رقمية دون درع يحميها.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" بنكي "
0 تعليق