بالبلدي: الفن القصصى فى القرآن الكريم!

روز اليوسف 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى عام 1947م، قدم محمد أحمد خلف الله رسالة لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: «الفن القصصى فى القرآن الكريم»، تحت إشراف الشيخ أمين الخولى.

ونفس ما حدث لكتاب على عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» عام 1925م، وكتاب طه حسين «فى الشعر الجاهلى» عام 1926م، واجه خلف الله ورسالته موجة من الرفض والاستنكار من الأزهر، والبعض من الوسط الثقافى، باعتبار الرسالة ورد فيها ما يمس الذات الإلهية وينال من الدين الإسلامى وكتابه ونبيه، مما أجبر الكاتب على إيقاف نشر الرسالة.

وخلف الله أحد تلامذة مدرسة التفسير الأدبى للقرآن ويقول: «القرآن يجرى فى فنه البيانى على أساس ما كانت تعتقد العرب وتتخيل، لا على ما هو الحقيقة العقلية ولا على ما هو الواقع العملى». 

واعتمد فى دراسة القصص القرآنى على قراءة جديدة للقصة من خلال تفسير لمعانيها الدينية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، ورأى أن: «أخبار المرسلين أو أقاصيصهم لم ترد فى القرآن إلا على أساس أنها من الأمثال (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) التحريم10». 

أثار الكتاب قضايا خارج التقليد السائد فى قراءة القرآن، أولى القضايا التى يتناولها الكتاب تركز على أن القرآن للتقوى وهداية للبشر وليس كتاب تاريخ أو أى نوع من العلوم.

وأشار خلف الله إلى أن القصص الواردة هى رموز يقدم الرسول من خلالها أمثلة لقومه، مما يساعدهم على عبادة الله والإفادة من الدروس التى تقدمها هذه القصص.

تهدف قراءة خلف الله لدلالات القصص إلى تخليص النص الدينى من الأساطير، واعتماد شىء من العقلانية من خلال إعادتها إلى ميدانها الأدبى وتعيين ما ترمز إليه.

وفى حديثه عن مصادر القصص القرآنى يقول: «ونحن إنما نبحث عن مصادر العناصر القصصية وهى عناصر من الوقائع البشرية التى يمكن معرفتها والوقوف عليها من غير طريق الرسل والأنبيا، وإن علينا أن نضع بين يدى الرجعيين والجامدين ومن على شاكلتهم هذه الآية الكريمة التى تشير صراحة إلى أن القرآن الكريم كان يردّ بعض تشبيهاته وأمثاله إلى مصادرها الأولى أو إلى التوراة والإنجيل: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الْإِنجِيلِ) الفتح29». 

فالقرآن فى نظره يحمل إعجازًا محددًا يتصل بكيفية تقديمه للقصص الواردة فيه: «إذ هو يبين مذهب القرآن الكريم فى بناء القصة وألوانها، تاريخية وتمثيلية وأسطورية، ويوضح كيف فهم القدماء كل لون وكيف فسروه وإلى أين انتهى بهم الفهم والتفسير، وفى توزيع العناصر القصصية، وعن مذهب القرآن فى رسم الأشخاص والأحداث وإدارة الحوار، وكيف جعل عنصرًا واحدًا من الأحداث والأشخاص محورًا دارت حوله أكثر القصص»، هكذا يؤكد خلف الله على أن الإعجاز الحقيقى للقرآن هو فى ما تضمنه من هداية وقيم وأخلاق.

وقال خلف الله: «والقرآن يقرر أن الجن تعلم بعض الشىء، ثم لما تقدم الزمن قرر القرآن أنهم لا يعلمون شيئًا، والمفسرون مخطئون حين يأخذون الأمر مأخذ الجد».

والجن لا تعلم الغيب، فقد مات النبى سليمان عليه السلام ولم يتبينوا موته: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ 14. 

يشرح محمد أحمد خلف الله منهجه فى دراسة القصص القرآنى: «إن من الخطأ دراسة القصص القرآنى كما تدرس الوثائق التاريخية، لا كما تدرس النصوص الدينية والنصوص الأدبية البليغة أو المعجزة».

ولا يرى خلف الله بأسًا فى قول بعض المستشرقين: «إذا ما قال المستشرقون إن بعض القصص القرآنى كقصة أصحاب الكهف أو قصة موسى فى سورة الكهف، قد بنيت على بعض الأساطير، قلنا ليس فى ذلك على القرآن من بأس، فإنما هذه السبيل سبيل الآداب العالمية والأديان الكبرى».

وأشار الأديب توفيق الحكيم لتعرض خلف الله ورسالته إلى حملة عنيفة: «لقد طالب البعض بحرق الرسالة، على مرأًى ومشهدٍ من الأساتذة، وطلبة كلية الآداب، وطَالَب الآخرون بفصل الأستاذ خلف الله».

وكتب أحمد أمين تقريرًا ضد رسالة خلف الله: «وقد وجدتها رسالةً ليست عاديةً بل هى رسالة خطيرة، أساسها أن القصص فى القرآن عمل فنى خاضع لما يخضع له الفن من خلقٍ وابتكار، من غير التزام لصدق التاريخ»، ونقدها من كبار العلماء الشيخ محمد الخضر حسين.

وكتب خلف الله مقالًا فى مجلة الرسالة بأنه لم يكن أول من تبنى هذا الموقف، بل سبقه الشيخ محمد عبده كما ورد فى تفسير المنار.

وبذلك بدأ كتاب «الفن القصصى فى القرآن الكريم» فى تطبيق منهج مختلف لفهم لغة الدين، وتوظيفها فى الدراسات القرآنية والتفسير.  

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" روز اليوسف "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??