"قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات، نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر".. أبيات شعرية نظمها شاعر الثورة الجزائرية، مفدي زكريا، في الخامس والعشرين من أبريل عام 1956، قصيدة "قسما"، والتي اعتمدت بعدها بسبعة أعوام كنشيدا وطنيا للجزائر، يتغنى به الشعب في جميع المناسبات الوطنية.
"جاءت فكرة تأليف نشيد وطني خاص بالجزائر من قيادة الثورة، التي أتصل أحد قادتها بصديق والدي رحمه الله، نظرا للعلاقة القوية التي كانت تربطهما سويا، ليبلغه اختياره ليكون مؤلف النشيد الوطني للثورة الجزائرية، ما جعله يرحب بالفكرة وتحمس لها ما جعله ينظم الأبيات الشعرية في ليلة واحدة، ويرجع سبب الاختيار لأنه ألف أبياتا تغنى بها الثوار والمناضلون في سبيل استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي، وهناك أشعارا كثيرة لوالدي تستغرق وقتا طويلا في كتابتها، وأخرى كانت لا تستغرق وقتا طويلا"، حسب حديث سليمان الشيخ، نجل شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا لـ"الوطن".
تلحين النشيد الوطني الجزائري شهد الكثير من الكواليس، من ضمنها أن الفنان محمد فوزي لم يكن مرشحا من الأساس، إذ يقول الشيخ "بعد المصادقة على كلمات النشيد دخل في مرحلة أخرى وهي التواصل مع ملحن تتناسب ألحانه مع كلمات (قسما)، فتم الاتصال بالملحن التونسي محمد التريكي الذي لحن القصيدة بالفعل للمرة الأولى لكنه قام بتقسيم القصيدة لمقاطع مختلفة ولحن كل عدة أبيات على حدة، ما جعل النشيد صعب تقديمه للجمهور الجزائري.
ويتابع نجل مفدي زكريا: "اتصل والدي بإذاعة صوت العرب بالقاهرة، أخبره المدير أن الموضوع يخضع لعدة معايير أهمها أن الملحن يكون حسب القائمة التابعة للإذاعة، وتصادف وجود الفنان الراحل محمد فوزي على رأس القائمة، ليبلغه مدير الإذاعة آنذاك أن فوزي ليس متخصصا في الألحان الحماسية ومن الممكن أن يعرض الأمر على ملحن آخر، لكن محمد فوزي أصر على تلحين النشيد، وتكفل بجميع المصروفات الخاصة به مساندة للثورة الجزائرية، ورفض تقاضي أي مقابل مادي، معتبرا ذلك مشاركة شخصية منه للجزائر، وبالفعل بعد تلحينه نال استحسان القيادة الجزائرية".
"النشيد الوطني الجزائري أذيع لأول مرة عبر أثير حصة الثورة الجزائرية التي كانت تبث من الجارة تونس، وردد في صفوف جبهة التحرير الوطني، ثم جيش التحرير الوطني، ليصبح النشيد الرسمي في جميع المناسبات والفعاليات المرتبطة بالثورة الجزائرية، وكان مفدي زكريا صاحب نشيد آخر للثورة مطلعه (فداء الجزائر روحي ومالي)".
يوضح "الشيخ"، أن والده أجرى بعض التعديلات الطفيفة على النشيد الوطني الجزائري أثناء تواجده في السجن بعد تأليفه بفترة قصيرة، مشيرا إلى أنه كان يعيش في جراح وآمال وطموحات الحركة الجزائرية وكان من قادة الحركة الوطنية منذ عشرينيات القرن الماضي وتقلد منصب أمين عام حزب الشعب الجزائري.
وعن أسباب اختلاف وجهات النظر بين والده وبين بعض قيادات الثورة الجزائرية بعد الاستقلال، يقول: "والدي كان سباقا في تاريخ الحركة الوطنية ولم يكن لديه أي مشكلة تجاه أي أحد، فكان صريحا معهم وأحيانا كانت صراحته غير مقبولة، حيث إنه كان متمسكا بروح الجزائر وطنه وأنجز إلياذة الجزائر التي روى فيها تاريخ الجزائر عبر 1000 بيت شعري".
ويختتم سليمان الشيخ حديثه لـ"الوطن": "مفدي زكريا كان مناضلا منذ شبابه، وأول قصيدة نظمها كانت للريفيين بمناسبة ثورة الخطابي في المغرب، ثم ألف العديد من الأناشيد حول الحركة الوطنية الجزائرية، ولم ينحصر اهتمامه بالجزائر فحسب بل اهتم بالمغرب وتونس وموريتانيا في أشعاره، وحينما كنت سفيرا للجزائر لدى القاهرة تعرفت على عائلة الفنان الراحل محمد فوزي وجمعني أكثر من لقاء معهم، وبهذا تقابل نجل مؤلف النشيد وعائلة الملحن بعد عقود من رحيليهما".
بالبلدي | BeLBaLaDy
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" الوطن "
0 تعليق