كاراماي: نموذج الوحدة الوطنية والتعايش بين الأعراق المختلفة
حياة كراماي: الأمن، التنمية والرفاه الاجتماعي نموذجًا للتقدم الصيني
بدعوة من مركز CICG الصيني، أحد أهم مؤسسات التبادل الثقافي في الصين، شاركتُ في رحلة استمرت قرابة عشرة أيام إلى واحد من أكثر الأقاليم إثارة للجدل في الخطاب الغربي، وهو إقليم شينجيانغ الواقع في أقصى غرب الصين، والذي يعيش فيه عشرات الأعراق المختلفة، أبرزهم الإيجور المسلمون. ويعدّ الإقليم الأكبر مساحة في الصين، وتشترك حدوده مع دول عديدة تشمل منغوليا وروسيا وكازخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وباكستان وأفغانستان.
جاءت الزيارة تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى السبعين لاكتشاف حقل زيت كاراماي، الاكتشاف الذي لم يغيّر وجه الحياة في شينجيانغ فحسب، بل غيّر الصين بأكملها، إذ أصبح أحد أهم مصادر الطاقة الوطنية، وقاد طفرة صناعية ضخمة أسهمت في إنشاء مئات المصانع البتروكيماوية، حتى تحولت مدن الإقليم إلى مراكز صناعية تعد من بين الأهم عالميًا. وفي كراماي تحديدًا، تتوزع مصانع عملاقة متخصصة في أدق تفاصيل الصناعات المرتبطة بالنفط واستثماراته المتشعبة.
وتعود قصة اكتشاف النفط في تلك المنطقة إلى ملحمة وطنية حقيقية؛ فكراماي تقع في قلب صحراء جوبي القاحلة، حيث لا مياه ولا أمطار ولا أشجار ولا طيور، ويتميز مناخها بشتاء قاسٍ بالغ القسوة.
ورغم تلك الظروف البيئية القاتلة، فقد تمكنت فرق من الجيش الصيني، بالتعاون مع المستكشفين والخبراء، من اختراق تلك التضاريس الوعرة لغزو الصحراء وكشف كنوزها، ففتحوا بذلك بابًا جديدًا للطاقة والتنمية في البلاد.
وبعد اكتشاف البئر، بدأت الدولة خطوات بناء مدينة كراماي، التي حملت اسم البئر، وتحولت تدريجيًا إلى مدينة عصرية مضيئة في غرب الصين، بعدما استثمرت الحكومة موارد ضخمة في تشييد بنية تحتية فريدة بمقاييس المدن الحديثة.
وخلال الزيارة، بدا واضحًا أن حجم التطوير في كراماي يتجاوز كل التوقعات؛ فبمجرد دخول مستشفى كراماي، يمكن للزائر أن يظن أنه في أحد أفضل المستشفيات العالمية من حيث التقنيات والتجهيزات.
أما زيارة جامعة بكين للبترول في كراماي فتمنح مشهدًا مذهلًا من حيث المساحة الضخمة، والمنشآت التعليمية، وعدد الطلاب، ومستوى التجهيزات.
وفي كل لحظة، كان السؤال الذي يتردد في داخلي: كيف لمدينة حديثة وصغيرة أن تمتلك مطارًا بهذا المستوى، وشبكة طرق منظمة وممتدة بهذا الشكل، ومحطة قطار حديثة، ومستشفيات وجامعات وحدائق ومراكز تجارية، وبنية تحتية تضاهي المدن الكبرى؟ هكذا بدا واضحًا أن الصين تسير بثبات نحو انفتاح أعمق على العالم، لا سيما مع تنظيم احتفالية ضخمة تحت رعاية مركز CICG – مجموعة الصين الدولية للاتصالات.
وشملت الزيارة حضور عرض أوبرالي ضخم يروي قصة المدينة التي تحولت من صحراء قاحلة إلى مركز صناعي وتعليمي وسياحي وعلاجي متطور، إلى جانب ندوة موسعة حول خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، شاركت فيها بكلمة أمام نخبة من المتخصصين والإعلاميين من دول عدة، منها السعودية والجزائر وباكستان وفيتنام وكوريا وروسيا.
وقد أجمع الجميع على أن الذكاء الاصطناعي بات سلاحًا ذا حدّين، يملك قدرة هائلة على تسهيل العمل الإعلامي وتسريع إنتاج المحتوى، لكنه في المقابل يفتح الباب واسعًا أمام نشر الشائعات والتزييف العميق وتوجيه الرأي العام بشكل خطير.
وخلال الفعالية، لفت السيد لي ووتشو، نائب مدير مركز “الصين اليوم” في أوروبا الغربية وإفريقيا، الانتباه إلى أهمية تعزيز الحوار الحضاري والتبادل الثقافي في ظل عالم متغيّر. وأكد أن كاراماي ليست مجرد مدينة نفط، بل نموذج للوحدة الوطنية ونافذة مهمة لفهم مسار التنمية الصينية.
ورأى أن قصة كاراماي جزء أساسي من قصة الصين الكبرى، التي قامت على الاعتماد على الذات والعمل المتواصل. وشدد على الدور المحوري للإعلام في نقل صورة الصين الحقيقية ورواية قصتها للعالم بصورة صادقة. كما طرح مجموعة من المقترحات لتعزيز التعاون، شملت تطوير الحوار بين الصين والعالم، وبناء جسور صداقة بين المدن، ورواية قصة شينجيانغ وكاراماي بموضوعية، إلى جانب تعزيز التعاون الإعلامي وإسماع صوت دول الجنوب العالمي.
وفي جلسة أخرى، أكد نائب مدير مركز CICG للتواصل الدولي أن حماية مصداقية الأخبار في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد خيارًا، بل ضرورة أخلاقية ومهنية وتقنية.
وأوضح أن التكنولوجيا، رغم فوائدها، لا يمكن أن تحل محل الحكم البشري، وأن التعاون بين الإنسان والآلة هو المسار الأمثل لضمان جودة المحتوى.
كما شدد على أهمية التعاون الدولي في التصدي للمعلومات المضللة التي تعبر الحدود بلا قيود.
ومن جانب آخر، كان من اللافت الحفاوة الكبيرة التي يتمتع بها أهل كراماي، الذين يُعرفون بطيبة قلوبهم وابتسامتهم الدائمة وترحابهم بالضيوف. ويضرب الإقليم مثالًا حيًا في التعايش بين عشرات الأعراق، حيث تتعدد اللغات والعقائد دون أن يلاحظ الزائر أي صورة من صور العنصرية أو التمييز.
بل تسود سمفونية متناغمة من العمل الجماعي لبناء مستقبل المدينة.
وعند دخول أي فندق أو مطعم أو مستشفى أو جامعة، يجد المرء وجوهًا بملامح مختلفة، لكن يجمعهم شعور واحد بالانتماء والعمل لخدمة بلدهم.
ويتميز إقليم شينجيانغ، الذي يتمتع بحكم ذاتي، بنسيج اجتماعي متنوع يعكس نموذجًا صينيًا خاصًا في إدارة التعددية، حيث يسهم التطور الاقتصادي في تعزيز الاندماج بين مختلف الأعراق. وقد بدا واضحًا خلال الزيارة أثر التنمية في تحسين جودة الحياة؛ فلم أشاهد في أورومتشي أو كراماي – خلال ما يقرب من عشرة أيام – متشردًا واحدًا أو شخصًا بلا مأوى، في مشهد نادر لدولة بهذا الحجم.
ورغم انخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، لا يشعر السكان بالبرد داخل المدن، حيث تتوفر أنظمة تدفئة في كل مبنى دون استثناء.
ومع انفتاح الصين على العالم عبر مبادرة الحزام والطريق، تحولت شينجيانغ إلى بوابة استراتيجية للتجارة الدولية، وباتت الأرقام تعكس ما يُسمى "معجزة شينجيانغ" حيث يعيش فيها أكثر من نصف السكان من المسلمين المنتمين إلى الإيجور والكازاخ والقيرغيز.
ويشتهر الإقليم بمنتجات مميزة مثل السجاد والمكسرات والفواكه المجففة ومنتجات الألبان، إلى جانب الصناعات البتروكيماوية التي تمثل الفخر الصناعي للإقليم.
البنية التحتية والانفتاح التجاري
تظهر قوة التنمية في شينجيانغ عبر طفرة هائلة في البنية التحتية:
– شبكة السكك الحديدية ارتفعت من 4،914 كم عام 2012 إلى 9،202 كم عام 2024، لتصل إلى أكثر من 80% من المناطق الإدارية على مستوى المقاطعات.
– الطرق السريعة توسعت من 165،900 كم إلى 230،000 كم.
– بلغ عدد الخطوط الجوية 595 خطًا، بينها 25 خطًا دوليًا تصل إلى 17 دولة.
– تم إنشاء 12 ألف كم من خطوط الكهرباء فائقة الجهد (750 ك.ف) تنقل أكثر من 100 مليار ك.و.س سنويًا إلى 22 مقاطعة أخرى.
وفي مجال الانفتاح التجاري:
– قفزت التجارة الخارجية من 158.9 مليار يوان عام 2012 إلى 434.1 مليار يوان عام 2024.
– في عام 2024 فقط، عبر 16،400 قطار ضمن خط الصين–أوروبا من شينجيانغ، للعام الخامس على التوالي بأكثر من عشرة آلاف قطار سنويًا.
– المنطقة التجريبية للتجارة الحرة التي أُنشئت في أورومتشي عام 2023 جذبت أكثر من 9،000 شركة وساهمت بـ30% من تجارة الإقليم.
الرفاه الاجتماعي
منذ عام 2012، خصصت حكومة الإقليم أكثر من 70% من ميزانيتها لبرامج الرعاية الاجتماعية. وبحلول نهاية 2020، خرج 3.06 ملايين شخص من الفقر إلى جانب 3،666 قرية و35 مقاطعة. وارتفع دخل الفرد في المناطق الريفية من 5،090 يوان إلى 14،477 يوان، كما تضاعفت ملكية الأجهزة المنزلية بشكل ملحوظ.
وتُظهر هذه الأرقام، التي وردت في الكتاب الأبيض عن شينجيانغ، تحولًا تاريخيًا نقل الإقليم من بؤرة توتر إلى منطقة صناعية وسياحية نابضة بالحياة، بفضل رؤية تجمع بين الأمن والتنمية.
الزراعة والطاقة والصناعة
بلغ إنتاج القطن في شينجيانغ 5.69 ملايين طن عام 2024، بنسبة 92.3% من إنتاج الصين. كما ارتفع إنتاج الحبوب إلى 23.3 مليون طن.
وبلغت الميكنة الزراعية 97% وفي الطاقة، بلغ إنتاج النفط والغاز 66.64 مليون طن مكافئ، والفحم 543 مليون طن، وتجاوزت القدرة المركبة للطاقة المتجددة 100 مليون كيلوواط.
كما دخل الإقليم عصر التكنولوجيا المتقدمة عبر مشاريع وطنية استراتيجية.
الاقتصاد والتنمية
ارتفع الناتج المحلي من 749.95 مليار يوان عام 2012 إلى 2.05 تريليون يوان في 2024، بزيادة تقارب ثلاثة أضعاف.
وقفز نصيب الفرد من 33،495 إلى 78،660 يوان، وارتفعت الإيرادات العامة من 90.9 إلى 240.97 مليار يوان.
كما تراجع وزن الزراعة من 16.1% إلى 12.5%، وصعد قطاع الخدمات إلى 47.9%.
شوارع كاراماي ليلاً




أوروموتشي تعج بناطحات السحاب

شعب شنشيانغ

خالد مهران أثناء إلقاء كلمته

خالد مهران أثناء إلقاء كلمته

كاراماي نهاراً




جانب من العرض الأوبرالي للاحتفال باليوم القومي لكاراماي





المركز الاجتماعي والرياضي لكبار السن في كاراماي


متحف كاراماي



متحف الأحجار بكاراماي







حقل بترول كاراماي


مستشفي كاراماي المركزي





جامعة بكين للبترول في كاراماي




إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" النبأ "

















0 تعليق