belbalady.net وسط مشهد إقليمي متقلّب، وقلق فلسطيني متصاعد من مستقبل غزة، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2803 الذي يجيز إنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في القطاع، في خطوة وصفت بأنها مفصلية ومحمّلة بتداعيات تتجاوز حدود الأمن إلى عمق الهوية والسيادة. القرار الذي نال موافقة 13 دولة وامتناع روسيا والصين عن التصويت، يُعدّ أول تفويض أممي واسع في غزة منذ عقود، ويوضع على كاهله انتقال سياسي وأمني حساس، بينما تزداد التساؤلات الفلسطينية حول ما إن كانت هذه الخطوة ستؤسس لاستقرار فعلي أم لمرحلة انتقالية قد تُفضي إلى انتزاع القطاع من ساحته الوطنية.
قرار أممي واسع.. ومشهد ميداني مرتبك
حسب نص القرار، يرحّب مجلس الأمن بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين، الصادرة في 29 سبتمبر 2025، والتي شكّلت الإطار السياسي لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار. الخطة تنص على إعادة بناء المؤسسات الأمنية والإدارية، ونزع سلاح الفصائل، وخلق بيئة “موثوقة” تسمح باستئناف المسار السياسي المتجمّد منذ سنوات.
ويعتبر القرار أن هذه التدابير ضرورية لتثبيت التهدئة الراهنة ومنع تكرار الانهيار الأمني، مؤكدًا أن المرحلة الانتقالية ليست هدفًا بحدّ ذاتها، بل خطوة نحو حلّ طويل الأمد يتيح للفلسطينيين “تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية” وفق النص الأممي.
“مجلس السلام”.. إدارة انتقالية أم بنية فوقية جديدة؟
أبرز ما أثار الجدل هو إنشاء “مجلس السلام” بوصفه هيئة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تُكلّف بتسيير شؤون غزة، وتنسيق إعادة الإعمار، وإدارة التمويل الدولي، وذلك “ريثما تستكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي بشكل مرضٍ”.
هنا بالتحديد تصاعدت المخاوف الفلسطينية؛ فالهيئة الجديدة تُمنح صلاحيات واسعة وعابرة للسلطات المحلية، ما دفع محللين فلسطينيين للتحذير من “نواة وصاية دولية” قد تتحول مع الوقت إلى مرجعية بديلة عن السلطة الفلسطينية، أو إطار يتجاوز دور المؤسسات الوطنية في لحظة شديدة الحساسية.
ووفق القرار الأممي، يُفترض أنه عند إحراز تقدم ملموس في الإصلاحات وإعادة التنمية “قد تتهيأ الظروف لمسار سياسي يفضي إلى دولة فلسطينية”، إلا أن كثيرين يرون أن ربط مستقبل غزة بهذه الإصلاحات — التي لا تُعرَف معاييرها بدقة — قد يفتح الباب أمام تمديد غير محدود لمرحلة انتقالية يقودها طرف دولي لا محلي.
قوة دولية مؤقتة.. بين ضمان الأمن ومخاوف التدويل
الشق الأكثر حساسية في القرار هو الإذن بإنشاء قوة دولية مؤقتة تُنشر تحت قيادة موحدة يوافق عليها مجلس السلام، وبالتنسيق مع مصر وإسرائيل والدول المشاركة. وتتمتع هذه القوة بصلاحيات واسعة تشمل استخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ ولايتها، ومراقبة وقف إطلاق النار، والمشاركة في ترتيبات الأمن الدائم، وضمان وصول الإغاثة.
القوة الدولية، رغم كونها مؤقتة، تمثل بالنسبة لفئات واسعة من الفلسطينيين بوابة محتملة لـ تدويل غزة، أو وضعها تحت إدارة أمنية أجنبية لسنوات. وتتضاعف هذه المخاوف مع غياب ضمانات واضحة حول التفويض، هوية الدول المشاركة، وكيفية انتقال المهام تدريجيًا إلى المؤسسات الفلسطينية.
هناك أيضًا قلق من أن تتحول القوة الدولية إلى طرف مؤثّر في رسم مستقبل القطاع، في ظل التداخل المعقّد بين الأمن والسياسة، خصوصًا أن القرار يشترط التنسيق مع إسرائيل، ما يثير أسئلة حول مدى استقلالية القوة وقدرتها على العمل بعيدًا عن الاعتبارات الإسرائيلية.
حوار سياسي برعاية أمريكية.. ورهانات على “اختبار النوايا”
الولايات المتحدة تعهّدت، وفق القرار، بإطلاق حوار سياسي مباشر بين إسرائيل والفلسطينيين، بهدف وضع “آفاق عمل سياسي” يضمن التعايش. ورغم الترحيب الدولي، تتساءل النخب الفلسطينية عن مدى إمكانية الفصل بين مسار سياسي واقعي وبين ترتيبات أمنية قائمة على نزع السلاح وإدارة دولية مشدَّدة.
بينما ترى واشنطن أن القرار يمثل “أقرب فرصة منذ سنوات لتحقيق الاستقرار”، تخشى فصائل فلسطينية أن يتحول الحضور الدولي الكثيف إلى واقع دائم، وأن يصبح القطاع “ملفًا أمنيًا دوليًا” بدلًا من كونه جزءًا من مشروع وطني شامل.
تفويض مفتوح إلى 2027.. وأبواب التجديد مشرعة
يمتد التفويض الحالي حتى 31 ديسمبر 2027، مع إمكانية تجديده بقرار جديد من مجلس الأمن، شرط التنسيق الكامل مع مصر وإسرائيل. وهذه الصياغة تُبقي الباب مفتوحًا أمام تمديد الوجود الدولي لسنوات أطول، ما اعتبرته قوى فلسطينية “سيناريو مقلقًا” قد يحمل تبعات على مستقبل الحكم في غزة وعلى وحدة النظام السياسي الفلسطيني.
وبينما تؤكد الأمم المتحدة أن هدفها منع الانهيار الإنساني والأمني وإعادة إعمار القطاع، يبقى جوهر الموقف الفلسطيني محصورًا في سؤال واحد:
هل ستساعد هذه الترتيبات غزة على استعادة نفسها؟ أم ستُدخلها في مرحلة طويلة من الوصاية غير المعلنة؟
لحظة التصويت في مجلس الأمن كانت بالفعل ساعة تاريخية، لكن ما سيأتي بعدها سيعتمد على ردود الأطراف لا سيما المحلية والدولية، في الأيام والأسابيع المقبلة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" الفجر "
















0 تعليق