دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بتصويرها صفوفًا لا تنتهي من العمال بزيهم الرسمي، عبّرت صور إدوارد بورتينسكي الأيقونية للمصانع الصينية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن العمل البشري الذي يبدو أنه لا ينضب وراء المعجزة الاقتصادية الصينية. وبعد عقدين فقط، يكشف المصور الكندي من خلال نظرة داخل مصنع للسيارات الكهربائية قرب شنغهاي ظاهرة معاكسة تمامًا، أي غياب تام للعمال. وخلال مكالمة فيديو عبر تطبيق "زووم"، أوضح بورتينسكي حول المنشأة التي تملكها شركة "BYD" الصينية الرائدة للسيارات أنه "مصنع بناه البشر لكن تديره الروبوتات". وأضاف: "أعتقد أن هذا يُمثل استشرافًا لما سيكون عليه مستقبلنا". قال المصور الكندي إن مصنع BYD يشبه "الكاتدرائية". Credit: Edward Burtynsky تعد شركة "BYD" في طليعة الثورة التكنولوجية. وفي العام الماضي، تجاوزت إيرادات الشركة السنوية منافستها الأمريكية "تسلا" للمرة الأولى بعد أن سلمت 4.27 مليون مركبة. ويرجع نجاحها جزئيًا إلى السعر، إذ يبدأ سعر طراز "BYD" الأساسي، "Seagull"، من حوالي 10 ألف دولار في الصين، وهو جزء بسيط من سعر 32 ألف دولار التي تفرضها "تسلا" على أرخص طرازاتها. ويرجع هذا السعر المعقول أيضًا جزئيًا إلى التصنيع المؤتمت بدرجة عالية. في عام 2023، حصل بورتينسكي على وصول نادر إلى مصنع "BYD" في مدينة تشانغتشو، التي تبعد حوالي ساعتين بالسيارة عن شنغهاي. وتمكن من الحصول على الإذن عبر العلاقات الشخصية للمهندس المعماري البريطاني سير نورمان فوستر، الذي كان يرغب في صورة غلاف لمجلة "Domus"، والتي كان يشرف على تحرير عدد خاص منها حول مستقبل عدة صناعات، بما في ذلك النقل. وأشار بورتينسكي إلى أن عملاقة السيارات كانت "حساسة" بشأن ما يُسمح له بتوثيقه. لكنه يعتقد أنه أول مصور مستقل يُمنح حق الوصول إلى أحد مصانع الشركة. وقال عن المنشأة السرية، مشيرًا إلى ما يُعرف بـ"المصانع المظلمة" التي تفتقر إلى وجود عمال بحيث يمكن تشغيلها بدون إضاءة: "البشر موجودون فقط لصيانة الروبوتات والحفاظ على سير البرامج بسلاسة". وأضاف: "بالطبع، الشركات تريد ذلك. لا وجود للنقابات، ولا إجازات مرضية مدفوعة الأجر، وطالما أن الكهرباء تُغذّي (الآلات)، يمكنها العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع". العولمة الجديدة صورة لمصنع للملابس في إثيوبيا. تقارن سلسلة بوريتنسكي بعنوان "الصين في أفريقيا" بين صوره لمصنع BYD وصور تُظهر منشآت مملوكة للصينيين في القارة الأفريقية، وتستكشف "الدور المتغير للصين في التصنيع العالمي" Credit: Edward Burtynsky تُظهر اللقطة الأبرز من زيارة بورتينسكي، التي تحمل عنوان "منشأة تصنيع BYD رقم 2"، صورة معقدة، ليس فقط عن التغيير السريع في الصين، بل أيضًا عن التأثيرات المترتبة على سلاسل التوريد وأسواق العمل حول العالم. وتتمثل الشخصية "المركزية" في الصورة، على حد وصف المصور الكندي، في مركبة غير مكتملة على خط الإنتاج. بينما الأعمدة والعوارض المحيطة بها تتكرر وتتلاشى نحو نقطة اختفاء، ما يخلق تماثلًا مبهرًا. واصفًا المصنع بأنه يمتلك طابعًا "يشبه الكاتدرائية". وتعد الصورة جزءًا من مجموعة أعمال أوسع بعنوان "الصين في أفريقيا"، التي يستكشف فيها بورتينسكي ما يعتبره "المرحلة التالية من العولمة". وتُعرض السلسلة حاليًا في معرض "Flowers" بهونغ كونغ، وتُقارن بين مصنع BYD النظيف وبين معابر السكك الحديدية، والمستودعات، ومصانع الملابس المملوكة للصين في دول أفريقية مثل إثيوبيا. وعند النظر إليها معًا، تُظهر ما وصفه المصور بـ"التكامل الرأسي الكامل للصين، من سلسلة التوريد إلى المنتج النهائي". بعبارة أخرى، العمل البشري الذي رآه في منتصف العقد الأول من الألفية لم يختفِ، بل نقِل إلى الخارج. وأضاف أن شركة BYD، التي يُقال إنها اشترت مناجم الليثيوم (لإنتاج البطاريات) وحقوق المعادن في دول مثل البرازيل، تمثل هذا النموذج. ويعرف بورتينسكي بشكل خاص بصوره الجوية للمناظر الطبيعية الدرامية التي تضررت بفعل الزراعة والصناعة، من مناجم النحاس إلى حقول الملح. ورغم أن صوره غالبًا ما تُظهر الاستغلال المفرط للبشر، إلا أنه يعتبرها "محايدة إلى حد كبير". أما عن أسلوبه الفوتوغرافي، فقال: "أقوم بذلك بأسلوب جامد إلى حد ما. لا أحاول أن أجعل المشاهد يميل إلى جانب معين. لا أحاول أن أُؤثر عليك". وغالبًا ما تحتوي صوره على بعض الغموض الأخلاقي. قد يهمك أيضاً أما توثيقه لعمليات شركة "BYD"، وللأتمتة بشكل عام، فيعد أكثر تناقضًا، إذ يعد تصنيع السيارات مستهلكًا كبيرًا للموارد، لكن المركبات الكهربائية قد تساعد في إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري، ما يجعل المصانع رمزًا للتعافي البيئي، لا للدمار.