لم يكن أحد من سكان منطقة المعصرة جنوب القاهرة يتوقع أن تتحول الخلافات العائلية التي ظلت تتكرر لسنوات بين ابن الأخ وعمه إلى جريمة قتل تُراق فيها الدماء داخل المنزل نفسه، وفي وضح النهار.
الجريمة التي وقعت اليوم كشفت عن تصاعد خطير في وتيرة العنف الأسري في المجتمع المصري، خصوصًا حين يمتزج الاحتقان العائلي بالضغط الاقتصادي والاجتماعي، وسط تراجع واضح في أدوات الاحتواء والتدخل المبكر.
بداية القصة: خلافات «مزمنة» تحت سقف العائلة
المجني عليه "م. س."، خمسيني يعمل في مهنة حرة، ويقيم في نفس العقار الذي يسكنه شقيقه ونجله المتهم "أ. م."، شاب في أواخر العشرينات عُرف بين الجيران بانفعاله وسرعة غضبه.
تقول إحدى الجارات: "الخلافات بين العيلة كانت من زمان، من أيام الميراث، وكان دايمًا في كلام ومشاكل، بس محدش كان يتخيل إن المسألة هتوصل لحد القتل"، ورغم محاولات الأهل والجيران احتواء التوتر، إلا أن الشحن النفسي لم ينته، بل كان يتراكم في الخفاء، وتكررت المناوشات اللفظية بين العم وابن أخيه خلال الفترة الماضية، إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان.
لحظة الجريمة: طعنات قاتلة داخل الشقة
في ظهر اليوم، تجدد الشجار بين الطرفين في مدخل العقار، بعدما تبادلا السباب بسبب موقف بسيط، لكن الشاب الذي بدا وكأنه كان ينتظر لحظة الانفجار، صعد إلى شقته، ثم نزل حاملًا سكين مطبخ كبيرة، واقتحم بها شقة عمه، ليسدد له عدة طعنات في الصدر والبطن، وسط صدمة أفراد الأسرة الذين لم يستطيعوا منعه.
تروي شاهدة عيان، قريبة من الأسرة: "الولد دخل وهو بيزعق، قال لعمه: (أنا هخلصها النهاردة!)، ومسك السكينة وطعنه من غير ما يفكر، ولما الناس حاولت تمسكه كان هيطعنهم كمان"، والمجني عليه سقط غارقًا في دمائه، بينما حاول الأهالي إنقاذه لكن الطعنات كانت قاتلة. وتم استدعاء الشرطة والإسعاف، إلا أن الضحية فارق الحياة قبل وصول المستشفى.
الأجهزة الأمنية: تحرك فوري وضبط المتهم
فور تلقي البلاغ، انتقلت قوة من مباحث قسم شرطة المعصرة بقيادة المقدم إسلام بكر ومعاونيه الرواد كريم عبد العاطي وحسام وجدي ومحمد راضي إلى مكان الجريمة، وجرى القبض على المتهم الذي لم يحاول الهرب، بل جلس بجوار جثة عمه حتى وصول الشرطة، في حالة من الذهول والانهيار.
وبحسب مصادر أمنية، اعترف المتهم بارتكاب الجريمة، مبررًا فعلته بأنه "فقد أعصابه" نتيجة الضغط المستمر والشتائم المتكررة من عمه على حد وصفه، وتم تحرير محضر بالواقعة، والتحفظ على أداة الجريمة، وجرى نقل الجثمان إلى مشرحة زينهم تحت تصرف النيابة العامة، التي أمرت بتشريحه وبدء التحقيق مع المتهم.
نيابة المعصرة تحقق.. والمجتمع في صدمة
باشرت نيابة المعصرة تحقيقاتها في الواقعة، ووجهت للمتهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، وفي الوقت ذاته، سادت حالة من الحزن والذهول بين سكان المنطقة، حيث عبر الكثير منهم عن استيائهم من تكرار هذا النوع من الجرائم التي تقع بين الأقارب، متسائلين: "إزاي ابن يقتل عمه؟ وإزاي توصل الكراهية لكده؟".
خلفيات اجتماعية: العنف الأسري يطرق كل الأبواب
تسلط هذه الواقعة الضوء على أزمة أعمق داخل البنية الاجتماعية المصرية، وهي تصاعد العنف داخل الأسرة، خصوصًا في ظل تراجع دور العائلة الممتدة، وغياب الحوار، وافتقار المجتمع لوسائل فض النزاعات بعيدًا عن الدم.
جرائم القربى.. أرقام مقلقة
تشير تقارير سابقة إلى أن نسبة الجرائم العائلية في مصر تشكل نحو 18% من إجمالي الجرائم الجنائية، وأن الغالبية العظمى منها تقع بين الأشقاء أو بين الآباء والأبناء، وأحيانًا بين الأقارب من الدرجة الثانية، كما في هذه الواقعة، وتتكرر المشاهد المأساوية: ابن يقتل أمه، أخ يطعن أخاه، أو كما في هذه الحالة، شاب ينهي حياة عمه بدم بارد.
النهاية المأساوية
جثة في المشرحة، وأسرة مكلومة، وشاب يواجه مصيرًا مظلمًا خلف القضبان.. هذا هو الحصاد الدموي لخلافات لم تجد طريقًا للحل، فانتهت بأبشع طريقة. وبينما تمضي التحقيقات في طريقها القانوني، يبقى السؤال معلقًا: إلى متى سنترك مشكلاتنا تتفاقم حتى تصل إلى حد القتل؟
رأي قانوني: الجريمة تندرج تحت القتل العمد.. والعقوبة قد تصل للإعدام
من جانبه، يقول المستشار القانوني محمد المحلاوى المحامي بالإستئناف العالى ومجلس الدولة، إن الواقعة – وفقًا لما هو متداول من اعترافات المتهم وشهادة الشهود – تندرج قانونيًا تحت بند "القتل العمد مع سبق الإصرار"، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون المصري بأقصى العقوبات.
ويضيف المحلاوى: "سبق الإصرار لا يعني التخطيط لفترة طويلة، بل يكفي أن يكون الجاني قد بيت النية ولو لدقائق قبل ارتكاب الجريمة، وهو ما حدث عندما صعد المتهم إلى شقته وأحضر سلاحًا أبيضًا ثم نزل لينفذ جريمته. هذا السلوك يوصف قانونًا بأنه إصرار وترصد"، كما أوضح أن العقوبة في مثل هذه الجرائم تبدأ من السجن المؤبد وقد تصل إلى الإعدام، خاصة إذا رأت المحكمة أن الجريمة اقترنت بظروف مشددة، مثل وجود نية انتقام أو وقوع الجريمة أمام شهود أو في محيط الأسرة.
وأشار المحلاوي إلى أن المحكمة قد تراعي بعض الظروف المخففة مثل "الاستفزاز الشديد المفاجئ" أو "الاضطراب النفسي المؤقت"، لكنها لا تُسقط الجريمة، بل فقط قد تؤثر على مدة العقوبة.
ويختتم حديثه قائلًا: "هذه الجرائم لا تُحل بالعفو أو التصالح، لأن النيابة العامة تحرك الدعوى باعتبار أن القتل جناية تمس الحق العام، ولا يمكن فيها التنازل أو إسقاط التهمة، حتى لو طلبت الأسرة ذلك".
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" النبأ "
0 تعليق