: ياسمين عبدة تكتب: هل يسرق الذكاء الاصطناعي ” الإبداع” ؟

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 
لا شيء يقتل الفكرة كسرعة الوصول إليها. هذا ما لم نفهمه بعد في علاقتنا المتسارعة مع الذكاء الاصطناعي. أصبحنا نطلب من الآلة أن تُفكر، أن تُبدع، أن تبتكر… بينما نُربّت نحن على أرواحنا المنهكة، ونقول لأنفسنا: «لمَ التعب؟ الجواب هناك، بضغطة زر».
نعم، الذكاء الاصطناعي أداة عظيمة. لا أحد يُنكر ما أضافه من كفاءة، من اختصارات، من إمكانيات كانت مستحيلة. لكن، هل سألنا أنفسنا: ما الذي يذبل فينا كلّما سلّمنا عقلنا لأداة تفكر بالنيابة عنّا؟
الإبداع ليس ناتجاً ميكانيكياً، بل رحلة شعورية وفكرية معقدة. إنه حوار داخلي مليء بالتردد، بالخوف، بالإصرار، بالدهشة. إنه ذلك الصراع الجميل بين ما نعرفه وما نشك فيه، بين ما اعتدنا عليه وما نحلم أن نكسره. الإبداع لا يُولد من أوامر مبرمجة، بل من نَفَس الإنسان، من عثراته، من عزلته، من تلك اللحظة التي يخنق فيها الضجر حتى ينبثق منها المعنى.
الآلة لا تَملّ. لا تتردّد. لا تخاف أن تكون تافهة. ولهذا بالضبط، لا يمكنها أن تبتكر كما نفعل نحن. ما تقدمه لنا ليس وهج فكرة، بل توليفة مُحايدة. وإن أدهشتنا أحيانًا، فدهشتنا لا تدوم؛ لأنها لا تشبهنا، لا تُحرّك فينا شيئًا عميقًا، لا تُوقظ ذاكرة، لا تهزّ إحساسًا. هي فقط «تعرف» كثيراً، لكنها لا «تشعر».
في المقابل، عندما نرتاح للذكاء الاصطناعي، نُصاب تدريجياً بما يشبه التبلد الإبداعي. نُصبح مستهلكين لما لم نتعب فيه. ومع الوقت، نفقد علاقتنا الأصيلة بالفكرة. نخشى الصفحة البيضاء. نخاف من صمت العقل. نهرب من الفراغ، بينما كان الفراغ هو رحم الإبداع الأجمل.
ما أكتبه الآن، كان يمكن أن أطلبه من روبوت كتابة. لكنه لم يكن ليشعر مثلي بأن هذا السؤال مؤلم، بأن هذه اللحظة حاسمة، بأن ما نخسره ليس مجرد وظيفة عقلية، بل متعة داخلية لا تُقدّر. متعة أن تصنع فكرتك بيديك، أن تفتخر بها لأنك خُلقتها، لا لأنك تولّيت إدخال أوامر إنتاجها.
هل الذكاء الاصطناعي يقتل الإبداع؟ ليس بالضرورة. لكنه يفعل ذلك إن نحن تخلّينا عن شغفنا، ورضينا أن نكون مجرد معلّقين على أطراف إنتاجه، لا صنّاع قرار ولا رواة معنى.
أيّها القارئ، لا تتوقف عن الكتابة، عن الرسم، عن الغناء، عن التخيل، حتى لو شعرت أن ما تنتجه أقل جودة مما تصنعه الآلة. الجودة الحقيقية ليست في الإتقان، بل في أن ما تصنعه أنت، لا يشبه أحدًا سواك.
فكر… وتأنّ… واخلق. لأنك وحدك القادر على ذلك.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??