: عادل توماس يكتب: معاناة الصحفي في مصر ومعركة الوصول إلى الحقيقة

النبأ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أن تدخل عالم الصحافة في مصر يعني أن تحمل حلمًا نبيلًا بممارسة دورك كمراقب ومُبلِّغ وناقل للحقيقة، لكن سرعان ما يصطدم هذا الحلم بواقع يومي صعب، تحاصره القيود والعوائق، فالصحفي لا يواجه فقط صعوبة الوصول إلى المعلومة، بل يُلاحق أحيانًا لمجرد سعيه للحصول عليها، في بيئة لا تزال تعتبر السؤال تهديدًا، والبحث عن إجابة تجرؤًا غير مقبول.

جدران الصمت: حين تتحول المعلومة إلى لغز مغلق

لا يكاد يمر يوم دون أن يصطدم الصحفي المصري بجدار من الصمت، سواء داخل مؤسسة حكومية، أو أمام مصدر رسمي، فالمعلومة التي يجب أن تكون متاحة للمجتمع، تتحول إلى "ملف سري"، لا يطلع عليه أحد إلا بتصريح، وغالبًا لا يأتي هذا التصريح أبدًا، هذا الصمت لا يُعيق الصحافة فقط، بل يفتح الباب أمام الشائعات والتضليل.


الصحفي الميداني: عين ترى ولا يُسمح لها بالكلام

الصحفي الميداني، تحديدًا في الصحف المستقلة أو المواقع الإخبارية، هو الأكثر معاناة يتواجد في الشارع، يلاحق الحوادث، ويشهد الكوارث، لكنه يُمنع من التصوير، يُطرد من موقع الحدث، ويُتهم بالتطفل، في كثير من الأحيان، يُعامل كمتهم لا كناقل خبر، وكأن وجوده في المشهد "جريمة إعلامية".

في ساحات النيابات والمحاكم: سباق مع الزمن بلا تصريح

الصحفي المكلف بتغطية القضايا القضائية يواجه معركة يومية، التصريحات الرسمية نادرة، والبيانات غائبة، وأبواب النيابات مغلقة أمام الأسئلة، لا يُسمح له بالدخول، ولا يُعترف بوجوده، بينما يركض بين المحامين وذوي المتهمين في محاولة يائسة لالتقاط خيوط القصة، أحيانًا يُطلب منه أن "يتابع من خلال الإنترنت"، رغم أن الإنترنت نفسه لا يُقدّم شيئًا.

جرائم بلا بيانات: صحفي الحوادث في مواجهة التعتيم الرسمي

في كثير من الوقائع الإجرامية – كالقتل أو السرقة أو التحرش – لا تصدر وزارة الداخلية أي بيان توضيحي، أو تكتفي بإيجاز مبهَم، هذا التعتيم يضع الصحفي في موقف صعب: إما أن ينشر بلا تأكيد، أو ينتظر حتى تفقد القصة قيمتها الإخبارية، في كلتا الحالتين، المهنة تُستنزف، والمصداقية على المحك.


“غير مصرح له”.. العبارة التي تطارد الصحفي من موقع الحادث حتى باب المستشفى

عبارة "ممنوع التصوير – غير مصرح لكم بالوجود هنا – اتفضل برا" أصبحت شعارًا متكررًا في وجه الصحفي أينما ذهب، سواء كان في مستشفى، موقع حريق، أو حتى أمام قسم شرطة، يتم التعامل معه كدخيل وغريب يجب إبعاده، بدلًا من كونه عين المجتمع وصوته، بعضهم يُجبر على حذف الصور، وآخرون يُهدَّدون بالتحويل إلى النيابة.

المتحدث الرسمي: غائب.. أو حاضر ليقول “لا تعليق”

الوظيفة التي من المفترض أن تُيسّر عمل الصحافة – المتحدث الرسمي – تتحول في كثير من الأحيان إلى مجرد واجهة شكلية، لا ردود، لا تفاعل، وإن وُجد الرد، يأتي بعد فوات الأوان أو بصيغة مقتضبة لا تُغني ولا تُفيد، التواصل مع المتحدثين الرسميين قد يستغرق أيامًا، وفي النهاية: "نعتذر عن الإدلاء بأي تصريحات".

النقابة: محاولات متزايدة وسط تحديات كبيرة

رغم الانتقادات السابقة الموجهة لنقابة الصحفيين بشأن ضعف تفاعلها مع معاناة الصحفيين، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت محاولات واضحة لتعزيز الحضور النقابي في الملفات المهنية، لجان الحريات بدأت في التحرك، وبعض الشكاوى الخاصة بالمنع من التغطية أو التعدي على الصحفيين وجدت صدى داخل النقابة، وإن لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب من الحسم أو التأثير.

لكن التحديات التي تواجهها النقابة تظل كبيرة؛ منها محدودية الأدوات القانونية، وتراجع هامش الضغط على الجهات التنفيذية، وضعف التضامن الداخلي بين الصحفيين أنفسهم، ومع ذلك، تبقى هذه المحاولات مؤشرًا على إرادة للتغيير، تحتاج إلى دعم واسع من القاعدة الصحفية، وإرادة سياسية حقيقية لاحترام دور النقابة وشركائها في حماية المهنة.

أبواب مغلقة: مؤسسات ترفض الرد وتعاقب السأل

المؤسسات الحكومية، التي يُفترض أن تكون منفتحة على الإعلام، تتعامل غالبًا بمنطق "لا نسأل.. لا نُسأل". الصحفي يُقابل بالرفض، أو بالإهمال، أو بتكرار عبارة "ابعث لنا بريد إلكتروني ونرد لاحقًا"، ولا يأتي الرد. ومن الصحفيين من أصبح يخشى السؤال نفسه، لأنه قد يُفسَّر على أنه تجاوز أو تطاول.

البديل الخطير: حين يصنع الفراغ المعلوماتي شائعة

حين يغيب الصحفي الحقيقي عن المشهد، أو يُمنع من ممارسة دوره، تملأ فراغه صفحات مجهولة، وبلوجرز لا يتحرّون الدقة، يتحول المجتمع إلى ضحية للشائعات والتهويل، ويُلام الصحفي على ما لم يُسمح له بتغطيته. إن حرمان الصحافة من المعلومات يفتح الباب واسعًا أمام الكذب والتضليل، ويضرب ثقة الناس في الإعلام.

من يملك الحقيقة؟ سؤال لا يجد إجابة

في كل قضية أو حادث أو ملف عام، يظل السؤال: من يملك الحقيقة؟ هل هي الجهات الرسمية؟ أم الشهود؟ أم الكاميرات؟ أم الصحفي الذي لا يُعترف به؟ هذه الفوضى في مصدر المعلومة تجعل الصحافة في مصر تدور في دائرة مُربكة، تُضعف دورها وتُشوش صورتها لدى الجمهور.

الحاجة إلى قانون يُجبر الجهات على الرد

ما تحتاجه الصحافة ليس مجرد تحسين صورة، بل ضمانات قانونية تُجبر الجهات الحكومية على الرد، وتُعاقب على الامتناع عن تقديم المعلومات، قانون حرية تداول المعلومات لم يرَ النور بعد، وأي حديث عن الشفافية يظل بلا معنى ما دامت المعلومة تُعامل كملف أمني لا يجوز لمسه.

الحق في المعرفة: ضمانة للصحافة والمجتمع

الحق في المعرفة ليس ترفًا صحفيًا، بل حق أصيل للمواطن والمجتمع، فبدون إعلام حُر قادر على الوصول للمعلومة ونشرها بمهنية، لا يمكن الحديث عن إصلاح أو محاسبة أو تنمية، دعم الصحفي في مهمته هو دعم للمجتمع كله، في مواجهة الجهل والفساد.

معركة الصحفي ليست ضد الدولة.. بل من أجل الشفافية

الصحفي ليس عدوًا للدولة ولا خصمًا للسلطة، بل شريكًا في كشف الحقيقة وبناء الوعي، معركته ليست شخصية، بل معركة من أجل الشفافية، ومن أجل أن يعرف الناس ما يحدث في بلدهم، فإذا ظل يُعامل كمتطفل، فالمجتمع كله سيدفع الثمن، وتصبح الحقيقة سلعة نادرة لا تُشترى ولا تُمنح.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" النبأ "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??