تتفنّن الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، في إدارة العلاقات الدولية كأنها بنود في صفقة عقارية، بعدما عاد للظهور مجددًا كوجه تفاوضي يُجيد لغة الصفقات، لا كرئيس لدولة كبرى، وقد كشفت تسريبات استخباراتية وإعلامية متقاطعة عن محادثات سرّية تقودها إدارة ترامب، عبر مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف «وشركاء إقليميين»، لعقد صفقة نووية جديدة مع طهران.
صفقة ترامب مشروطة بوقف تخصيب اليورانيوم، مقابل «تسهيلات اقتصادية، وإطلاق أموال مجمّدة لإيران، وتأسيس برنامج نووي مدني بتمويل خارجي». وبينما يؤكد ترامب أن الضربات العسكرية «دمّرت القدرات النووية الإيرانية»، تكشف التقارير الاستخباراتية وصور الأقمار الصناعية عن نجاح طهران في نقل موادها النووية قبل القصف.
تفتح هذه التطورات الباب أمام تساؤل جوهري: إذا كانت القدرات النووية قد سُحقت بالفعل، فلماذا إذًا تفتح واشنطن باب التفاوض من جديد؟ في هذه المساحة الرمادية بين الإنكار والوقائع، تتشكل ملامح الصفقة «النووية الثانية» وسط تناقض التصريحات، وتشابك المصالح، وسباق الروايات.
تشير معلومات إلى أن إدارة ترامب ناقشت إمكانية مساعدة إيران في بناء برنامج نووي لإنتاج الطاقة لأغراض مدنية، وتخفيف العقوبات، وتحرير 6 مليارات دولار من الأموال المجمّدة بفعل العقوبات، في محاولة لإعادة إيران مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات.
وقد أجرت جهات فاعلة محادثات سرية مع الإيرانيين خلف الكواليس، بالتزامن مع الضربات العسكرية على إيران، واستمرت هذه المحادثات حتى التوصّل إلى قرار بوقف إطلاق النار. وقد اشترط الجانب الأمريكي بندًا أساسيًا لا تفاوض حوله، يتمثل في وقف تخصيب اليورانيوم الإيراني بشكل كامل.
وطبقًا لما أوردته شبكة «سي إن إن»، أدار المفاوضات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، إلى جانب عدد من الشركاء في الشرق الأوسط، وذلك قبل يوم واحد فقط من الضربات العسكرية الأمريكية ضد إيران. وقد تضمّنت بنود التفاوض استثمارًا يتراوح بين 20 إلى 30 مليار دولار، يُخصص لإنشاء برنامج نووي جديد غير مخصب، يُستخدم لأغراض مدنية.
ونفى مسؤول في إدارة ترامب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتمويل هذا البرنامج، قائلاً: «الولايات المتحدة مستعدة لقيادة المحادثات، لكن ينبغي أن تتكفّل جهة ما بتمويل بناء البرنامج النووي، أما نحن فلن نلتزم بذلك».
ونقلت صحف ومواقع، من بينها «سي إن إن» و«نيويورك تايمز» و«ذا تايمز»، عن مسؤولين مطلعين على تقرير استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA)، أن إيران تمكّنت من نقل جميع المواد النووية، وعلى رأسها اليورانيوم المخصب، إلى مواقع أخرى قبل تنفيذ الضربة الأمريكية، وأن قدراتها النووية لم تتأثر، بل أعلنت طهران أنها خرجت منتصرة من هذه المواجهة.
في المقابل، أكّد الرئيس ترامب أن الضربات الأمريكية أعاقت البرنامج النووي الإيراني لعقود، واتهم الصحف التي نشرت هذه التسريبات بعدم المصداقية، زاعمًا أن إيران لم تنقل أي مواد نووية قبل الضربات، مرجّحًا أن ما تم نقله كان مواد خرسانية فقط.
قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن تقييمات استخباراتية أفادت بأن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لم يتأثر بالضربات الأمريكية، ونقلت عن مسؤولين أوروبيين قولهم إن حكومات أوروبية تلقّت تقييمات أولية تشير إلى أن المخزون لا يزال سليمًا.
وبحسب تلك التقييمات، فإن مخزون إيران، البالغ 408 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصّب، لم يكن موجودًا داخل منشأة «فوردو»، وإنما كان موزعًا في مواقع أخرى متفرقة. وأشارت «تلغراف» إلى أن واشنطن لم تُقدّم لحلفائها الأوروبيين معلومات استخباراتية حاسمة بشأن ما تبقى من القدرات النووية الإيرانية بعد الضربات، وتمسّكت بعدم الإفصاح عن توجهاتها المستقبلية إزاء طهران.
وكان تقييم استخباراتي أولي، نشرته شبكة «سي إن إن»، قد أفاد بأن الضربات الأمريكية لم تؤدِ إلا إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر، دون أن تُدمّر مكوّناته الرئيسية. كما أظهرت صور أقمار صناعية نشاطًا غير معتاد لشاحنات ومركبات قرب منشأة «فوردو» الإيرانية لتخصيب الوقود، قبل يومين من تنفيذ الضربات الأمريكية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية، وفقًا لما أكده محلل في شركة «ماكسار» للأقمار الصناعية لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
ووفقًا لتحليل الصور، رُصد في 19 يونيو وجود 16 شاحنة بضائع على الطريق المؤدي إلى المجمع النووي الواقع تحت الأرض، وفي اليوم التالي، أظهرت صور جديدة تحرك غالبية هذه الشاحنات مسافة نحو كيلومتر واحد إلى الشمال الغربي، مبتعدة عن المنشأة.
كما كشفت الصور عن وجود شاحنات وجرافات متمركزة قرب مدخل الموقع، بما في ذلك شاحنة واحدة كانت متوقفة مباشرة عند البوابة، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الأنشطة التي كانت تُجرى قبيل الضربة. وقال مصدر إيراني لوكالة «رويترز» إن معظم مخزون اليورانيوم عالي التخصيب تمّ نقله من منشأة «فوردو» إلى موقع غير مُعلن، قبيل الهجوم الأمريكي.
كانت إدارة ترامب قد شنّت غارات على المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية (نطنز، وفوردو، وأصفهان)، باستخدام قاذفات تحمل أكثر من 12 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز B-2 «جي بي يو 57»، وشاركت في العملية أكثر من 125 طائرة، من بينها قاذفات شبح، ومقاتلات، وطائرات للتزود بالوقود جوًا، بالإضافة إلى غواصة صواريخ موجّهة.
وقد أكّد الرئيس دونالد ترامب أن إيران لم تتمكن من نقل أي مواد نووية، بما في ذلك اليورانيوم المخصّب، من مواقعها قبل الضربات الأمريكية. وكتب ترامب عبر منصته الاجتماعية «تروث سوشيال»: «لم يتم إخراج شيء من المنشأة، إذ إن ذلك كان سيستغرق وقتًا طويلًا، وسيكون خطيرًا جدًا، كما أن المواد ثقيلة للغاية ويصعب نقلها».
ووصف ترامب الضربات بأنها «نجاح عسكري باهر»، مؤكّدًا مرارًا أنها دمّرت المواقع النووية الإيرانية. كما أكّد البيت الأبيض أن الضربات على المواقع الثلاثة كانت ناجحة، مهاجمًا وسائل الإعلام التي شكّكت في نتائج العملية. وقال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، في مؤتمر صحفي بالبنتاجون: «لقد هيّأ الرئيس ترامب الظروف لإنهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، وللقضاء على القدرات النووية الإيرانية، أو إزالتها، أو تدميرها… اختاروا ما شئتم من كلمة».
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه دمّر الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية خلال العملية العسكرية، التي حملت اسم «الأسد الصاعد»، واستمرت 12 يومًا. وفي بيان ختامي نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على منصة «إكس»، أفاد بأن المنشآت النووية الإيرانية الثلاث الرئيسية قد تعرّضت لأضرار جسيمة.
كما أشار البيان إلى أن الجيش الإسرائيلي دمّر مراكز بحث وتطوير مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، واستهدف نحو 50% من مخزون المنصات الصاروخية الإيرانية، بالإضافة إلى تدمير 15 طائرة، واستهداف ستة مطارات، والقضاء على 11 عالمًا نوويًا بارزًا مرتبطين ببرنامج طهران النووي.
اقرأ أيضاً
اقتحامات ومداهمات واعتقالات بسبب «فيديوهات إيران»الغرب وإيران.. مواجهة مؤجلة أم صدام نووي وشيك؟
إيران: التعرف على هوية 935 قتيلًا جراء الحرب الإسرائيلية بينهم أطفال ونساء
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" الأسبوع "
0 تعليق