بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم
(أديب وروائي)
تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال بعض المبادئ التي تحوي في مضمونها نصائح وتوجيهات لطلاب الثانوية العامة الذين يؤدون الامتحانات في هذه الأيام، وفي هذا الجزء بإذن الله وتوفيقه أسعى لمخاطبة أولياء الأمور وكلي أمل ورجاء أن يقرأوا هذه الكلمات بقلوبهم قبل عقولهم فإن بعض الأشياء لا تُفهم إلا بالقلوب وذلك مصداق قول الله عز وجل: (أم لهم قلوبٌ لا يفقهون بها).
قبل أن نطلبَ من أبنائنا الطلاب التحلي بالذكاء العقلي والتحصيلي يجب علينا نحن الآباء والمربين أن نتحلى بالذكاء العاطفي.
أقول وبكل صراحة إن كثيراً من أولياء الأمور في حاجة ماسة لعدد غير قليل من مهارات التعامل مع الأبناء أثناء الامتحانات بتشجيعهم وبث روح التفاؤل في نفوسهم وزرع الثقة بالنفس فيهم ليجتازوها بنفوسٍ مستقرة ونفسية سوية وذهنٍ واعٍ قادر على التحكم في الأمور بعقلانية ومنطقية.
وأنا أطلب في هذا المقال من أولياء الأمور التحلي ببعض الصفات لكي نضمن لأبنائنا وبناتنا سيكولوجية سوية ومستوى لائق من الراحة النفسية والاستقرار الشخصي يكون عوناً لهم في تحقيق النجاح المنشود.
أولاً: الرحمة
وأول سمات الذكاء العاطفي أن يرمق الأب والأم أبناءهما بعين الرحمة مدفوعين بالعاطفة الفطرية التي ركَّبَها الله في قلوبهم مطبقين قول انطوان دوسان: “بقلبه يرى الإنسان الرؤية الصحيحة .. فالعين لا ترى الجوهر”.
معظمنا كآباء وأمهات ومربين مررنا بتجربة امتحانات الثانوية العامة من قبل وندرك جيداً حجم الضغط النفسي الذي يتعرض له الطلاب في هذه الفترة مهما كان مستواهم وتحصيلهم وطموحهم. إنهم يقومون بعملٍ عظيم تحت وطأة مجموعة من المشاعر المتداخلة من خوف وقلق وتوتر وترقب وهم لا يملكون حيالها شيئاً، فالواجب والمنطق هنا يقول بضرورة مراعاة الأبناء والسعي الحثيث المتواصل نحو التخفيف عنهم وإشعارهم بتواجدنا في صفهم لا في الجهة المقابلة لهم. إنهم أحوج ما يكونون لمن يعطف عليهم بكلمة أو يتصدق عليهم بابتسامة أو يجود عليهم بهدية تحمسهم وتقول لهم أنهم مُقَدَّرون مشكورون على صنيعهم.
ثانياً: مراقبة الانفعالات
يقول الدكتور دانييل جولمان عالم النفس الأمريكي: “وبذرة كل انفعال هي شعور يتفجر داخل الإنسان للتعبير عن نفسه في فعل ما”. ومعنى ذلك أن كلَّ فعلٍ أو رد فعل سواءً بالإيجاب أو بالسلب هو نتاج شعورٍ ما سيطر على الفرد فخضع له وانساق معه. ولذلك من الضروري جداً أن نراقب انفعالاتنا (وقد اتفقنا على أن الانفعال معناه الشعور بصفة عامة وليس المقصود به كلمة الغضب) لإن كل انفعالاتنا في جوهرها هي دوافع لأفعالنا، هي الخطط الفورية للتعامل مع الحياة التي غرسها التطور في كياننا الإنساني.
وأبناؤنا يحتاجون منا لأفعال إيجابية تزيد من اطمئنانهم واجتهادهم وتفاؤلهم وليس العكس. بالله قل لي: كيف يكون حال تلميذ لا يجد من أبويه إلا اللوم والاتهام بالتقصير والتهديد بما لا يسر في حالة عدم تحقيق نتيجة معينة؟ بأي روح وبأي نفس يذاكر هذا الطالب؟ إنها أخطاء تربوية بل كوارث يرتكبها بعض أولياء الأمور تتسبب في تدمير نفسية الأبناء وتنتهي ببعضهم إلى ما لا يحمد عقباه وما حوادث الانتحار منا ببعيدة!! فماذا يضر الأب والأم والأقارب إذا هم بذلوا جهداً في مراقبة انفعالاتهم وكلماتهم ونصائحهم لطلبة الثانوية العامة.
ثالثاً: الصدق في الرضا والقناعة
الوالدان قدوة .. قدوة في الفعل قبل القول. وانطلاقاً من هذه الحقيقة يكون سعينا في رحلة الحياة.
مما لا شك فيه أن من أسباب السعادة الإحساس الصادق بالرضا والقناعة. يقول الله عز وجل (لئن شكرتم لأزيدنكم). مبدأٌ رباني لا شك فيه، وفيه وعدٌ من الله (ومن أصدق من الله قيلاً)، بأن “الحمد والشكر لله” تفتح باب الزيادة، الزيادة في الرزق والزيادة في الطمأنينة والزيادة في السكن الأسري والزيادة في النجاح وكلها من مقومات السعادة الحقيقية التي يسعى كل إنسان لتحقيقها.
وقد أثبت علم النفس الحديث أنه يمكن فهم السعادة بوصفها انعكاساً لدرجة الرضا عن الحياة، ولقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك قبل أكثر من ١٤٠٠ عام فلقد قال وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).
بمثل هذه المبادئ يحسُنُ بنا أن نتخلق ويتوجب علينا أن نربي أبناءنا عليها. علموهم أن يبذلوا قصارى جهدهم ويأخذوا بالأسباب ويحسنوا التوكل على الله ثم يرضوا بما يقسمه لهم. هكذا تكون نفوسهم سوية وسلوكياتهم وانفعالاتهم معتدلة ومنطقية بغير تطرف ولا انحراف. وبذلك يكونون مستعدين للخوض في غمار الحياة والانطلاق في رحلتها العملية. لا فائدة من درجات نهائية بشخصية غير سوية. لا نجاح في عمل بغير سكينة واستقرار نفسي ولو كان الإنسان في أعلى المناصب.
أيها الآباء والأمهات والجدود والجدات وكل الأقارب والأصدقاء … رفقاً بطالب الثانوية العامة فإن النجاح الحقيقي هو النجاح في التربية وإعداد إنسان بشخصية سوية منضبطة يُحسن التعامل مع المجتمع ويجيد الكفاح والسعي والطموح في رحلة الحياة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "
0 تعليق