تقرير: مراسل أخبار الأمم المتحدة في غزة 30 حزيران/يونيه 2025 حقوق الإنسان وسط أنقاض غزة المدمّرة، تعيش آلاف العائلات في دوامة من القلق واليأس بحثا عن أحبّائها المفقودين. أنوار حواس، شابة عشرينية، تجوب شوارع المدينة يوميا بحثا عن شقيقها المصاب بالتوحد الذي اختفى منذ أسابيع. قصتها ليست فريدة، بل واحدة من بين أكثر من 11 ألف حالة فقدان تم تسجيلها منذ بداية الحرب، في ظل غياب آليات رسمية لتحديد مصير الضحايا أو المفقودين. تخرج أنوار حواس (22 عاما) كل صباح، تحمل بين يديها أوراقا مطبوعة عليها صورة شقيقها المفقود هادي (17 عاما)، وتسير بها عبر شوارع غزة المدمّرة بحثا عن أي بصيص أمل. تمضي أنوار في أزقة المدينة وتسأل الناس عمّا إذا كانوا قد رأوا هادي، وهو طفل مصاب بالتوحد ولا يتكلم فُقد قبل ثلاثة أسابيع بحي الزيتون بعد خروجه من المنزل ولم يعد. مراسلنا في قطاع غزة رافق أنوار في إحدى رحلاتها اليومية للبحث عن شقيقها هادي. تشرح أنوار لمراسلنا معاناتها بالقول: "أبحث عن أخي هادي حواس المفقود. كل يوم أخرج من الصباح وأعود في ساعات المساء، لعلّي أجده. قمت بطباعة صورته وأقوم بإلصاقها على الجدران وأسأل الناس وأبحث في الشوارع. أدعو الله أن يساعدني في العثور عليه". UN News اللجوء إلى الوسائل التقليدية تتوقف أنوار أمام جدران المحال التجارية، تلصق صورة تلو أخرى، تسأل الباعة في الشوارع، وتتوجه إلى أحد المستشفيات الميدانية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بحثا عن أي معلومة أو أثر يدلّها عليه. سألت إحدى موظفات الاستقبال في المستشفى عن أخيها، وقدمت لها ورقة تحمل صورته واسمه وأرقام هواتف العائلة. تمعنت الموظفة في الورقة، ثم أجابت أنوار بأنها لم ترَ هذا الطفل من قبل، ووعدتها بأنها ستُبلغهم في حال رؤيته أو حصولها على أي معلومات عنه. يتكررهذا المشهد في كل حي وزاوية، ولكن بلا جدوى. تُضيف أنوار: "بسبب غياب الأجهزة الحكومية، وغياب الأمن والأمان، وعدم وجود جهات رسمية يمكنها مساعدتنا في العثور عليه، اضطررنا للجوء إلى الوسائل القديمة، من خلال توزيع الورق، خاصة في ظل انقطاع الإنترنت والاتصالات. الوضع صعب للغاية". UN News صعوبة التعرف على الجثث أنوار ليست وحدها. في مهمةٍ أخرى، أسّس الشاب غازي المجدلاوي مبادرة إلكترونية تُعرف بـ"المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرا"، يحاول من خلالها المساعدة في مهمة البحث عن المفقودين. يتواصل غازي يوميا عبر الهاتف مع عائلات تبحث عن أبنائها، ويعكف على إدخال البيانات في منصة رقمية أنشأها بالتعاون مع متطوعين، حيث يتم تسجيل المفقودين، والتحقق من المعلومات، ومحاولة الوصول إلى نتائج. UN News يقول المجدلاوي: "مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستمرار العمليات العسكرية البرية، قمنا بإطلاق منصة إلكترونية. يمنع الاحتلال دخول المواد المتعلقة بفحص الحمض النووي الـDNA، مما يصعّب التعرّف على الجثامين المنتشلة. هناك مئات، بل ربما آلاف، من القتلى مجهولي الهوية". وفي ظل هذا الواقع، يعمل نشطاء حقوق الإنسان على تسليط الضوء على حجم هذه المأساة. يقول مصطفى إبراهيم، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان: "تابعنا حوالي 1,000 حالة فقدان أو اختفاء قسري. تمكّنا من الكشف عن مصير 600 منها عبر متابعتنا مع السلطات الإسرائيلية، بينما لا يزال مصير نحو 420 شخصا مجهولا. هناك من اختفوا قسرا، ولا تتوفر عنهم أي معلومات". UN News 11 ألف مفقود منذ بداية الحرب ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد المفقودين في القطاع تجاوز 11 ألف شخص منذ بداية الحرب، غالبيتهم من النساء والأطفال. ولا تزال طبيعة مصير هؤلاء المفقودين غير واضحة، في ظل غياب إحصاءات رسمية دقيقة تُحدّد ما إذا كانوا قد قُتلوا في الغارات الجوية وبقيت جثامينهم تحت الأنقاض، أو تم احتجازهم، أو اختفوا في ظروف غامضة. وتقول منظمات حقوقية محلية إن بعض المفقودين يُعتقد أنهم ما زالوا محتجزين داخل السجون الإسرائيلية، فيما تُرجّح تقارير أخرى أن يكون عدد منهم قد اختفى قسرا دون توفر أي معلومات عن أماكن وجودهم حتى الآن. UN News وتُشير تقارير محلية إلى أن عشرات الفلسطينيين فُقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات، ويُرجّح أن يكون بعضهم قد قُتل ودُفن خلال العمليات العسكرية دون أن تُسجّل أسماؤهم في قوائم الضحايا. ويواجه سكان القطاع صعوبات متزايدة في التعرّف على الجثامين أو توثيق حالات الوفاة، في ظل استمرار نقص الإمكانيات اللازمة لعمليات البحث والانتشال، ما يزيد من تعقيد جهود تحديد مصير آلاف الأشخاص المفقودين.