ودعنا 19 روحا طاهرة قبل سويعات بسبب قيادة متهورة يقودها الجشع وحصد المال عبر تريلا طائشة في طريق المنوفية إذ تألمت مصر للحدث الجلل.
واضطلعت الدولة بمسؤوليتها كاملة، اليوم، حيال الحدث، وقبله بتهيئة طرق مصر ومنها هذا الطريق، وبعده وتواصل كعادتها، ولا سيما دفع تعويضات حادث ليست سببا فيه
كل منهن قصة، تدمي القلب، 19 ملاكًا من فتيات محافظة المنوفية، تحملن عبء الكد والكفاح في سن مبكرة، صغيرات على العمل والمشقة، لكنهن آثرن ذلك لمساعدة ذويهن والمشاركة في توفير نفقاتهن، خرجن في ذاك اليوم المشؤوم لجمع العنب مقابل جنيهات معدودة، لكنهن لم يعدن بسبب الإهمال، والفساد واللامبالاة، ولا أقصد هنا سائق الشاحنة بمفرده، لكن كل مسؤول عن هذه المأساة، 19 نعشًا من قرية واحدة، يا لفداحة الكارثة الإنسانية التي يمكن أن تعصف بحكومة كاملة في بقعة أخرى من هذا الكوكب الذي صار دمويًا بشكل لم تعد تتحمله قلوبنا.
هذه مهندسة في مقتبل حياتها الجامعية، تملك مستقبلًا واعدًا، ومع ذلك آثرت العمل باليومية في حقل لتوفير نفقات جامعتها، وتلك عروس أدركت صعوبة تحمل أهلها لتكاليف زواجها، فقررت المشاركة بعمل بسيط تجني منه ما لا يكفي لتوفير أقل متطلباتها، وثالثة ورابعة وخامسة طفلات تجاوزن بتفوق مرحلة الإعدادية، ولم يكن يفترض أن يعملن من الأساس، وغيرهن من فتيات في سن الزهور كن في أحضان أسرهن، وعدن إليها في توابيت!!
لقد انتقد الإعلامي عمرو أديب رد الفعل البارد من قبل هذه الحكومة، مستخدمًا عبارة "ليه البني آدم رخيص كده عندنا!!
وأنا لا استغرب ردود أفعال هؤلاء المسؤولين، فحتى لو تحركوا بسبب حالة الغضب الصارخة التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنهم ليسوا صادقين في مشاعرهم، ولا يعنيهم من الأمر شيئًا، فالمأساة سوف تختزل في بيان جاف، ومبلغ تعويض لا يساوي ظفر إحدى الضحايا !!
كالعادة وسواء أعلنوا ذلك أو اكتفوا بهمهمات وتلميحات فيما بينهم عن الطرف المسؤول، هل هو الوزير المختص، أو الجهة المعنية بتطوير طريق الموت الذي شهد الحادث، أو سائق الشاحنة الذي يمثل فئة، يثير معظم أفرادها فوضى على الطرق، ويتعاملون باستخفاف مع أرواح غيرهم من ركاب المركبات الصغيرة!!!
إنهم جميعًا مذنبون وسخيفون بتبريراتهم الجوفاء وحججهم المتكررة التي مللنا منها ولم نعد نطيق سماعهم أو سماعهم فهم يتعاملون مع هذه الأرواح البريئة بلا مبالاة مردها إلى قناعتهم بأنهم آمنون من العقاب!
لقد استخدمت الطريق الإقليمي في وضعه الحالي مرة واحدة من المنوفية إلى القاهرة، وندمت أشد الندم، لأن القيادة عليه أقرب إلى محاولة انتحار، خصوصًا في ظل أعمال الطرق التي بدأت منذ قرابة عامين، فحولته إلى مسار واحد يستخدمه الشاحنات والحافلات والناقلات الصغيرة والسيارات الخاصة، باختلاف ثقافة سائقيها وتوترهم وعصبيتهم وتهورهم وجنوح كثير منهم إلى عنف يصل إلى القتل!!!
الطريق الإقليمي منذ إنشائه، كان يفتقد إلى كثير من عوامل الأمان، فمعظمه غير مضاء، فضلًا عن خلوه كليًا من الخدمات ووحدات الإسعاف والنقاط الأمنية!!
والسير عليه ليلًا كان بمثابة القيادة في ثقب أسود، فلا تستطيع أن ترى أمامك مترين، وتعتمد حياتك على إمكاناتك في تتبع الأضواء الشاحبة من سيارة تتحرك أمامك!
أما عن سائقي الشاحنات فحدث ولا حرج، إذ يتعمد معظمهم القيادة تحت تعاطي المخدرات حتى يواصلوا العمل ساعات طويلة دون توقف أو راحة، ممثلين تهديدًا مستمرًا لكل المسالمين على الطريق!
وبغض النظر عن الطفرة الحقيقية التي طرأت على طرق بعينها وتخصيص مسارات للمركبات الثقيلة إلا أن سلوكيات هؤلاء السائقين لم تتغير، فهم يستقوون بحجم الشاحنات التي يقودونها، ويستخفون بأرواح الناس، لدرجة تدفعهم إلى القيادة عكس السير على طرق سريعة، فضلًا عن تعمد إيذاء غيرهم في كثير من المواقف!!
أتمنى أن يخضع سائق الشاحنة المتسبب في الحادث إلى المحاكمة في أسرع وقت ممكن، كما أتمنى أن لا يحاكم بجريمة القتل الخطأ فقط، فالمذبحة التي ارتكبها كفيلة بأن يجعل منه القضاء عبرة لغيره من مزهقي أرواح أبرياء..
أما عن مسؤولينا الموقرين، كفاكم عبثًا بأرواح الأبرياء، وتبريرًا لجرائم تتكرر بشكل يثير الغضب والحزن والألم، فأرواح هؤلاء الفتيات ليست أرخص من مستخدمي الطرق الحريرية التي تخدم الكمباوندات الفارهة في القاهرة والساحل الشمالي وغيرها من مدن لا يحلم أبناء هذه الطبقة بالمرور أمامها وليس السكن فيها.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" النبأ "
0 تعليق