كتب
هبة محمد على
منذ أن وطأت أقدام الإخوان القصر الرئاسى، معلنين تقلدهم حكم مصر، وحتى أجبرهم المصريون على لملمة أوراقهم منه، ورحيلهم عنه، بعد نجاح ثورة 30 يونيو، بقى الفن وأهله صامدًا ضد محاولات طمس الهوية المصرية التى استمرت طوال فترة بقاء الإخوان فى سدة الحكم، ولا أجد مبالغة إن قلت إن الفن هو القطاع الوحيد الذى رفض عن بكرة أبيه دخول بيت الطاعة الإخوانى، وبعد الرحيل كان الفن لاعبًا أساسيًا فى إعادة تشكيل عقول عبث بها البعض.
وفى توثيق تضحيات قدمها أبطالها دون انتظار مقابل، وإنقاذ حقائق من تزييف متعمد اعتبره الإخوان سلاحهم الوحيد بعد أن فقدوا كل أسلحتهم، وفى السطور التالية نرى كيف كانت الثورة سببًا فى إعادة الأعمال الوطنية إلى صدارة المشهد الدرامى بعد سنوات من الغياب؟ وكيف كانت الأعمال الفنية التى قدمت عن تلك الفترة أسلحة تصيب الهدف بلا ذخيرة؟
القشة التى كسرت ظهر الجماعة
لا يمكن لأى حكاية أن تروى دون عنوان، والاعتصام المهيب، والمسيرة الحاشدة التى خرجت من مقر وزارة الثقافة الكائن فى 3 شارع شجرة الدر بالزمالك، فى 4 يونيو 2013 هما عنوان حكاية ثورة 30 يونيو، حيث دعا المثقفون للاحتشاد تحت شعار (لا لأخونة وزارة الثقافة) ولبى هذه الدعوة كل فنانى مصر، فكانت الشرارة الأولى للثورة، والقشة التى قصمت ظهر الجماعة، وقد حمل الفنانون (القباقيب) خلال المسيرة، فى تحذير مبطن لجماعة الإخوان من مصير «شجرة الدر» التى انطلقت مسيرتهم من شارع يحمل اسمها، ليؤدوا مجتمعين أروع مشهد واقعى، لم يخرجه مخرج محترف، أو يكتبه سيناريست مخضرم، فقط وازع من ضمير وطنى أبى أن يقف مكتوف الأيدى أمام محاولات القضاء على الهوية المصرية، بعدما فاض الكيل من الممارسات العدائية التى قامت بها جماعة الإخوان ضد الفن وأهله.
الفن ينتصر على طيور الظلام
بعد نجاح الثورة، وفى مطلع 2014، فترة رئاسة حكم الرئيس الانتقالى «عدلى منصور» للبلاد، كان اللقاء الأول بين المشير «عبد الفتاح السيسى» وبين الفنانين، حينما اجتمعوا فى المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية فى احتفالية عيد الفن، وقد أبدى حينها تقديرًا كبيرًا لأهل الفن ورموزه على عكس ما كان يحدث قبل هذا اللقاء بأشهر قليلة، حيث سخر الإخوان قنواتهم التليفزيونية لسب الفنانات ووصفهن بصفات يندى لها الجبين، وبعد إعلان ترشحه للرئاسة اجتمع الرئيس السيسى بوفد من الفنانين ضم نحو 50 فنانًا للاستماع لرؤيتهم حول مستقبل الفن والإبداع، وعندما لاحظ وجود الفنانة «فاتن حمامة» جالسة فى القاعة ذهب لمصافحتها، وقد كان هذا اللقاء بمثابة رسالة طمأنة للفنانين على مستقبل الفن فى العهد الجديد، وهو ما دفع الجميع إلى استثمار هذه الحالة من التقدير، والذى استمر حتى الآن، فمن يتابع المكالمات التليفونية التى يجريها الرئيس مع الفنانين بعد إصابتهم بأى وعكة صحية أو أزمة، ومن يشاهد تخليده لأسماء الكبار منهم بإطلاق أسمائهم على إنجازات متحققة مثل إطلاق اسم «سمير غانم» على أحد الكبارى، وإطلاق اسم «محمود ياسين» على أحد شوارع بورسعيد، وإطلاق اسم «محمود عبد العزيز» على أحد محاور مدينة العلمين الجديدة، وغيرها، سيلاحظ مدى تقدير الرئيس السيسى لقيمة ما قدمه هؤلاء الفنانين طيلة حياتهم، وسيدرك أن ما شعر به الفنانون فى اللقاء الأول الذى جمعهم بالرئيس السيسى حقيقى 100 % فالفن فعلًا قد انتصر على طيور الظلام بنجاح ثورة 30 يونيو.
الاختيار.. بطولات وتضحيات
هذه الحالة التى أوجدتها ثورة 30 يونيو، انعكست بشكل قوى على الدراما التليفزيونية، على اعتبارها رافدًا أساسيًا من روافد الفن والتى باستطاعتها أن تناقش الثورة بشكل أكثر تركيزًا، وتفصيلًا، عن السينما، والمسرح، لتساهم فى رفع الوعى لدى قطاع كبير من الجمهور، ودحض افتراءات قطاع آخر منه، والأهم أنها ساهمت فى عودة الدراما الوطنية إلى صدارة المشهد بعد سنوات من الغياب، عشنا فيها على أطلال (رأفت الهجان) و(دموع فى عيون وقحة) وغيرهما من الأعمال التى سطرت بطولات حقيقية من ملفات المخابرات العامة المصرية، وقد كان قرار تقديم الجزء الأول من مسلسل (الاختيار) رمضان 2020 ليحكى عن بطولات الشهيد «أحمد المنسى» ورفاقه صائبًا جدًا، لأنه سمح للجمهور، ولأول مرة، أن يقترب من كواليس المؤامرات التى حيكت ضد وطنه، والتضحيات التى بذلت من أجل إفشالها، والتى لم يكن يدرى عنها سوى النذر اليسير، كما ساهم هذا المسلسل فى أن يجد الشباب قدوة حقيقية تجمعهم، فأصبحت صورة الشهيد «أحمد المنسى» على ملابسهم، وعلى جدران غرفهم، بعد أن تركوا لسنوات فريسة العنف والبلطجة، وقد شجع نجاح الجزء الأول من المسلسل صناعه لتقديم الجزء الثانى منه، والذى تم الكشف فيه عن تضحيات رجال الشرطة فى التصدى للإرهاب، ورصد كواليس جديدة لم يكن يعلمها الجمهور عن ما بذلوه من أجل رفعة هذا الوطن، تحت عنوان (الاختيار.. رجال الظل) أما الجزء الثالث (الاختيار.. القرار) فيتناول الفترة التى سبقت سقوط الجماعة الإرهابية وتحديدًا ما حدث فى عام 2012، والجميل فى ثلاثية (الاختيار) أنها تحولت مع الزمن إلى وثيقة مدعومة باللقطات المصورة والصور الفوتوغرافية، والمعلومات التى نسج منها السيناريو والحوار لتتحول مع الوقت شاهدا على كل ما شهدته مصر على يد الجماعة المجرمة، وبعيدًا عن مسلسل (الاختيار) فلم تكتف الدراما بالكشف عن التضحيات فقط، بل واصلت دورها الحقيقى فى رفع وعى المواطن من خلال الكشف عن كواليس المؤامرات التى أحيكت ضد مصر فى الخارج، ومنها على سبيل المثال ما تم تقديمه فى مسلسل (هجمة مرتدة) الذى قدم دور أبطال المخابرات العامة فى حماية الوطن وكشف عن كواليس المخططات التى تستهدف مصر من جهات عديدة، فكشف الستار لأول مرة عن كيفية استقطاب المصريين وتجنيدهم لصالح جهات معادية لوطنهم، وأعلن بصراحة عن المخططات التى كانت تحاك ضد مصر والبلدان العربية من قبل منظمات حقوق الإنسان التى اتخذت كذريعة لعمل الفتن داخل الشعب الواحد، أما مسلسل (العائدون) الذى اعتبره البعض جزءًا مكملًا لـ(هجمة مرتدة) ولا سيما أن مؤلفهما واحد وهو الكاتب «باهر دويدار» فقد تناول صناعة الإرهاب فى الخارج وإعادة تصديره إلى مصر، والجميل أن المسلسل قصة حقيقية مأخوذة من ملفات المخابرات العامة المصرية، عن مجموعة من العائدين من تنظيم داعش، كيف تم إعدادهم هناك وصناعتهم من أجل إعادتهم إلى مصر لنشر الإرهاب، والأهم كيف واجهت الدولة المصرية هذا التحدى بخطة استباقية ورؤية مستقبلية جعلتها تتعامل مع هذا المخطط مبكرًا.
السرب فى السينما.. أحدث الأعمال
وفى السينما أيضًا توارت قليلًا أفلام البلطجة والعنف، التى تسيدت المشهد فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير، وحتى رحيل الإخوان عن حكم مصر، حيث تحول مشهد الراقصة والمطرب الشعبى فى إحدى الحانات إلى ضامن قوى للحصول على أعلى الإيرادات، فصدرت سينما تلك الفترة عن مصر وجهًا قبيحًا لا يمثلها، وعبرت عن قضايا وأفكار مسمومة غازلت من خلالها فئة من الشباب لا يعرفون تاريخ بلدهم الفنى، فشاعت الرداءة، وانتشرت الفوضى السينمائية، وهو ما تلاشى تدريجيًا فى السنوات التى تلت ثورة 30 يونيو، فعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، وبدأ الالتفات إلى التضحيات الكبيرة التى قدمها أبطال الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب، وهو ما تبلور فى عدد من الأعمال السينمائية منها فيلم (الخلية) و(جواب اعتقال).
أما فيلم (السرب) الذى تم عرضه العام الماضى بعد سنوات من التأجيل فقد دارت أحداثه حول الضربة الجوية التى نفذتها القوات المصرية على مخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش فى ليبيا بعد قيام التنظيم بذبح 21 مصريًا قبطيًا فى ليبيا عام 2015.
ملحمة شعبية على خشبة المسرح
المسرح أبو الفنون، وهو المرآة التى تعكس ملامح الوطن بكل ما يمر عليه، من إنجازات وانكسارات، ومثله مثل غيره من روافد الفنون الأخرى، كان المسرح حاضرًا طوال السنوات الماضية بعروض وطنية، جسدت الأفكار التى نادت بها ثورة 30 يونيو، حيث محاربة الإرهاب والفكر المتطرف الذى كان عنوان حكم الجماعة الإرهابية، وتسليط الضوء على التضحيات التى بذلها رجال الوطن للحيلولة دون سقوطه، منها على سبيل المثال العرض المسرحى (دنيا حبيبتي) الذى يعد أول عرض يتناول الثورة بكل تفاصيلها وملابساتها، بجانب فترة حكم الإخوان خلال عام كامل، المسرحية من تأليف الكاتب الصحفى «أيمن الحكيم» وإخراج المخرج الكبير «جلال الشرقاوى» من بطولة «كمال أبو رية، ونسمة محجوب».
وتبدأ أحداث المسرحية منذ اليوم الأول لحكم المعزول محمد مرسى، وحتى نهاية حكمه بقيام ثورة 30 يونيو، من خلال مناقشة تجربة محاولة اختطاف مصر من جماعة الإخوان، وذلك بشكل استعراضى كوميدى ساخر، لا يخلو من محاكمة حقيقية للإخوان وفكرهم عبر التاريخ.
وفى 2020 استقبل المسرح القومى مسرحية (الوصية) المأخوذة عن قصة حقيقية وهى قصة الشهيد «محمد المعتز رشاد» أحد مقاتلى القوات المسلحة البواسل، والذى استشهد بمدينة رفح عام 2015 وكانت قصته ملهمة ومؤثرة لذلك تحولت لملحمة بطولية يتعلم منها الأجيال دروسًا فى الوطنية وحب الوطن والانتماء والتضحية من أجله، وأعاد كتابتها وصياغتها مسرحيًا الكاتب الكبير «أيمن سلامة» من بطولة «أحمد فؤاد سليم وسميرة عبد العزيز» ومن إخراج «خالد جلال»
فى 2021، وضمن مبادرة مسرح المواجهة والتجوال، تم عرض مسرحية (أولاد البلد) للمخرج المسرحى «محمد الشرقاوى» فى العديد من المحافظات، حيث تخطت ليالى عرضه الـ 50 ليلة عرض، وتتناول المسرحية قضايا عدة، من خلال لوحات فنية مختلفة، منها الحديث عن الهجرة غير الشرعية، وقانون الخدمة المدنية، وبطولات جنود الجيش والشرطة على الحدود، وهو بطولة مجموعة من الشباب منهم «أحمد الرمادى، وياسر الرفاعى، وعبد العزيز التونى».
كما تم تقديم العرض المسرحى (اشهد يا زمان) على مسرح البالون من إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، وهو عبارة عن ملحمة وطنية تتحدث عن إنجازات الشعب المصرى العظيم من خلال محطات رئيسية فى تاريخه ناضل خلالها ضد المستعمر والفاسد فى الداخل والخارج.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق