: 12 يومًا من الجنون المدروس بدأت بصاروخ وانتهت بتغريدة

روز اليوسف 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى منطقة لا تنام على هدوء ولا تصحو على سلام، اندلعت شرارة حرب خاطفة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، استمرت 12 يومًا فقط، لكنها حَوَت فى أيامها القليلة ما يكفى لتغيير معادلات إقليمية عمرها عقود.. ومع تصاعد الدخان من الخليج إلى الجولان، ظن كثيرون أن ساعة الصفر الكبرى قد حانت.. غير أن مفاجأة غير محسوبة، وبأسلوب يليق فقط بعصر ترامب، أطفأت تغريدة واحدة لهيب الحرب، وقد تعيد الجميع إلى طاولة المساومة أو المفاوضات إن صح القول!

 

إشعال فتيل العركة

لم تكن الشرارة الأولى؛ لكنها كانت الأشد وقعًا.. ففى 13 من يونيو 2025، بدأت واحدة من أخطر الحروب الإقليمية منذ حرب الخليج 1990، حين قصفت إسرائيل أهدافًا نووية داخل العمق الإيرانى، فى ضربة مباغتة وصفتها تل أبيب بـ«الوقائية»... الرد الإيرانى لم يتأخر، فجاء الصاروخ بالصاروخ، والطائرة المُسَيرة بالمُسَيرة، لكن المشهد تحوّل إلى مواجهة ثلاثية بعد دخول الولايات المتحدة على خط النار؛ لتنقلب الحرب إلى صراع إقليمى مفتوح.

على مدى اثنى عشر يومًا، عاش الشرق الأوسط على حافة الانفجار الكبير، لكن فى اليوم الثانى عشر، كتب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تغريدة على منصة «تروث سوشيال»، كانت كفيلة بإعادة الأمور إلى نقطة التجميد.

هكذا تنبض تفاصيل حرب الأيام الـ 12 التى حبست أنفاس العالم.

الضربة الأولى

بداية التصعيد كانت حين استهدفت إسرائيل مفاعلات نووية إيرانية فى فودو ونطنز وأصفهان، مستخدمة صواريخ فرط صوتية طورت بمساعدة أمريكية. 

وأشارت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إلى أن الضربة «حملت توقيعًا مشتركًا إسرائيليًا-أمريكيًا»، ما أعطى انطباعًا مبكرًا بأن واشنطن ليست بعيدة عن القرار.

ريتشارد هاوزر، الباحث فى معهد «كارينجى»، وصف تلك الضربة بأنها «نقطة تحوُّل استراتيجية»، وأضاف: «إسرائيل قررت أن تنتزع زمام المبادرة وتمنع إيران من الوصول إلى نقطة اللا عودة نوويًا، حتى لو كلفها ذلك حربًا متعددة الجبهات».

الضربة الثانية

فى الساعات الأولى بعد الضربة، ردت إيران بشكل وصفه مراقبون بأنه «غير مسبوق من حيث الجرأة»، إذ استهدفت العمق الإسرائيلى بصواريخ دقيقة وطائرات مُسَيرة، وصلت إلى مطار «بن جوريون» ومنشآت عسكرية قرب تل أبيب.

وبحسب تقرير لـ«معهد الدراسات الأمنية بطهران»؛ فإن الرد الإيرانى «جاء منسقًا مع فصائل حليفة فى العراق وسوريا واليمن، ضمْن عقيدة الدفاع النشط متعددة الجبهات».

إسرائيل، بدورها، أعلنت حالة الطوارئ، واستدعت 120 ألفًا من جنود الاحتياط، فيما بدأت منظومات القبة الحديدية بالعمل على مدار الساعة، وسط مخاوف من انهيار الجبهة الداخلية.

 الضربة الثالثة

فى اليوم السابع من المواجهة، أعلن البيت الأبيض رسميًا أن «الولايات المتحدة تدخلت لمنع تهديد وجودى على إسرائيل».

وأطلقت القوات الأمريكية عملية «Midnight Hammer»، مستخدمة قاذفات «B-2» الشبحية لتوجيه ضربات مدمرة على المواقع النووية الإيرانية التى لم تستهدف من قبل؛ وبخاصة مفعل فودو المحصّن.

وزارة الدفاع الأمريكية صرّحت أن الضربات «أعادت البرنامج النووى الإيرانى سنوات إلى الوراء»، بينما قال مركز «ستراتفور» الأمنى، إن «ما حدث لم يكن مجرد دعم حليف؛ بل إعلان صريح أن أمريكا لا تزال تمسك بمفاتيح التوازن النووى فى الشرق الأوسط».

ردت إيران بقصف قواعد أمريكية فى الدوحة وبغداد مع رفع حالة الاستنفار القصوى فى دمشق بعد الإعلان عن بدء عملية أطلق عليها «بشارة الفتح»، فى سابقة أثارت استنفارًا شاملاً فى دول الخليج.. وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية «حالة التأهب القصوى»، وتم إجلاء موظفين من قواعد فى قطر والإمارات.

الجنون المدروس

لم تكن حربًا شاملة، ولم تكن اشتباكًا محدودًا؛ بل كانت، كما وصفها المحلل الأمريكى دانيال كيرشنر، «حربًا تكتيكية مشروطة»؛ حيث استخدم فيها كل طرف أقصى درجات الضغط، دون أن يتجاوز العتبة التى تعنى الحرب الكبرى.

وكتب إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، فى يديعوت أحرونوت:

«ما جرى هو تحذير متبادل، بالدم والنار، أن اللعبة اقتربت من نهايتها، وأن إسرائيل وإيران لم تعودا تحتملان الصمت النووى بعد الآن».

وفى خطوة مفاجئة كتب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على منصة «تروث سوشيال»، تغريدة أعلن فيها انتهاء حرب الـ 12 يومًا، حملت الكثير من المباركات لإسرائيل وإيران وأمريكا والشرق الأوسط والعالم بعد أيام من التيقظ فى انتظار ضربة زر الصاروخ النووى.

 وقال ترامب مساء 23 يونيو: «حرب الـ 12 يومًا انتهت.. إيران وإسرائيل ستبدآن وقف إطلاق نار متبادل خلال 24 ساعة.. تهانينا للجميع! لقد تم الاتفاق بشكل كامل بين إسرائيل وإيران على أنه سيكون هناك وقف إطلاق نار كامل وشامل.. وعند هذه النقطة ستُعتبر الحرب منتهية! رسميًا... هذه حربٌ كان من الممكن أن تستمر لسنوات، وأن تُدمر الشرق الأوسط بأكمله، لكنها لم تفعل».

خلف هذه التغريدة كانت هناك رسائل مشفرة وصلت إلى طهران عبر وسيط عربى وهى قطر؛ حيث نقلت رويترز ووكالات أنباء عالمية، تدخُّل الدوحة بناءً على طلب من الولايات المتحدة، وتمكّن رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، من إقناع طهران بقبول خطة وقف إطلاق النار التى اقترحتها واشنطن. 

العملية شملت مكالمات هاتفية مع مسئولين إيرانيين بعد اتصال الرئيس الأمريكى مع أمير قطر.

ووفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست؛ فإن الرسائل الأمريكية نقلت تهديدًا صريحًا باستخدام «سلاح غير تقليدى» إن استمر القصف الإيرانى.

دانيل بايبس، الباحث فى مركز «فورين بوليسى ريسيرش»، قال إن ترامب استخدم ما يسميه «الردع بالتغريد»، وأضاف: «هو لا يؤمن بالحروب الطويلة، لكنه يستخدم الحافة كسلاح تفاوضى. وهذا ما فعله بدقة تامة».

 ما بَعد الحرب 

رغم إعلان وقف النار؛ فإن المنطقة لا تزال فى حالة استنفار.. القوات الأمريكية لم تنسحب من الخليج، والجيش الإسرائيلى ما زال يحتفظ بجهوزيته الكاملة، بينما أظهرت إيران قدرتها على إيصال النار إلى قلب العدو الإسرائيلى، دون أن تنهار داخليًا.

وفى تقرير لـ«معهد الشرق الأوسط» بواشنطن جاء فيه: «ما حدث ليس نهاية حرب؛ بل بداية جولة سياسية معقدة، سيعاد فيها توزيع النفوذ، ومراجعة قواعد الاشتباك، وترسيم خطوط النار الدائمة».

أمّا مركز «الدراسات الأمنية» فى تل أبيب فحذر من أن «طهران لن تنسى ما جرى، وستعيد بناء قدراتها سريعًا، وربما تحضر لجولة انتقام أكثر ذكاء».

الشرق الأوسط 

وفيما أعلنت السعودية، وقطر، والإمارات، والكويت، حالة التأهب الدفاعى منذ اللحظات الأولى للحرب؛ تحسبًا لأى تداعيات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة. أفاد تقرير صادر عن معهد «تشاتهام هاوس البريطانى» أن «الخليج لم يعد مجرد ساحة عبور للصراعات؛ بل جزء من ميدان المعركة المستهدف بحد ذاته».

وتوقعت تحليلات مجموعة الأزمات الدولية أن «يؤدى هذا التصعيد إلى سباق تسلح إقليمى؛ خصوصًا مع إدراك دول الخليج أن واشنطن قد تكتفى بالضربات ثم تنسحب تاركة الفراغ خلفها».

وعلى الرغم من أن دول الخليج لم تشارك عسكريًا فى هذه الحرب، لكنها لم تكن بعيدة عن دائرة النار؛ فقد استهدفت إيران قواعد أمريكية فى قطر والعراق، وأعلنت الرياض وأبوظبى حالة التأهب الدفاعى، وأُغلقت بعض المنشآت النفطية مؤقتًا خشية الهجمات الصاروخية.

الخبير الإماراتى عبدالخالق عبدالله كتب فى تغريدة: «الخليج أصبح رسميًا ساحة معركة بين الآخرين.. ما لم تكن هناك سياسة أمن جماعى واضحة، ستظل العواصم الخليجية مهددة، حتى لو لم تطلق رصاصة».

اليوم التالى... لا سلام بعد النيران

رغم الإعلان عن وقف لإطلاق النار؛ فلا تزال المنطقة تعيش توترًا مشوبًا بالحذر.. فالهدنة التى فرضها الرئيس ترامب بتغريدة، لم توقع على ورق، ولم تسبقها تسوية حقيقية؛ بل جاءت بضغط عسكرى، وهواجس نووية، وإرادة أمريكية بإنهاء «الحرب فى الوقت المناسب».

المحلل السياسى فى معهد «أميركان إنتربرايز» مايكل روبن، عَلق على وقف إطلاق النار بقوله: «هذه ليست نهاية الحرب؛ بل هدنة تكتيكية تحققت لأن أحدًا لم يرغب فى الانفجار الكبير. إيران ستعيد بناء قدراتها، وإسرائيل لن تقبل بالعودة إلى وضع ما قبل الهجوم، وأمريكا تتصرف بمنطق رجل الأعمال لا رجل الدولة».

ولنكون أكثر توضيحًا فإن هذه الحرب أوضحت نقاطا مهمة على الجبهات الثلاث المشاركة:

 إيران

بعد 12 يومًا من الاستنزاف العسكرى، تجد طهران نفسها فى مفترق طرُق: هل تواصل مشروعها النووى كما هو؟ أم تُعيد تقييم خطواتها بعد الخسائر التى لحقت بمنشآت «فوردو» و«نطنز»؟

مركز الدراسات الاستراتيجية بطهران أصدر بيانًا قال فيه: العدوان «الإسرائيلى-الأمريكى» لم يدمر القدرة النووية الإيرانية، لكنه كشف نقاط الضعف فى البنية الدفاعية.. الرد سيكون عبر تعزيز الردع، وتوسيع التحالفات الإقليمية، وليس عبر الحرب المباشرة».

ويرى الباحث الفرنسى برونو تيراى، من مؤسّسة الأبحاث الدولية فى باريس، أن «إيران الآن ستلعب لعبة النفَس الطويل، فهى تعلم أن أى مواجهة جديدة ستكون مكلفة، لذا سترد بطريقة غير مباشرة، ربما عبر تصعيد فى اليمن أو العراق أو مضيق هرمز».

 إسرائيل

رغم قدرتها على توجيه ضربة قاسية لإيران؛ فإن إسرائيل تجد نفسها فى موقع تساؤل داخلى: هل حققت العملية العسكرية أهدافها؟ أم أنها زادت من تعقيد التهديد الإيرانى؟

إيال زيسر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، كتب فى «معاريف»:

«نعم، نجحنا فى إصابة أهداف دقيقة، لكن الرد الإيرانى كشف هشاشة الجبهة الداخلية، وأثار تساؤلات عن قدرة القبة الحديدية إذا توسعت الجبهات فى وقت واحد».

أمّا مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى (INSS)؛ فقد أشار إلى أن «إسرائيل تحتاج الآن إلى استراتيجية ردع مزدوجة: ضد إيران، وضد الضغوط الأمريكية التى باتت تفرض عليها حدودًا للتحرك العسكرى فى المستقبل».

 الولايات المتحدة: 

أمّا فى واشنطن؛ فالتدخل العسكرى الأمريكى كان حاسمًا فى توازن القوى، لكنه لم يأتِ من أجل النصر؛ بل لفرض قواعد جديدة للعبة.

معهد ستراتفور للاستخبارات الجيوسياسية نشر تقريرًا أوضح فيه أن «الولايات المتحدة استخدمت الضربة العسكرية فى إيران كأداة ضغط، لكنها لا تريد البقاء فى المنطقة أو إدارة حرب مفتوحة؛ بل تفضّل العودة إلى الدبلوماسية وفق شروط أقوى».

فى السياق ذاته؛ قالت الدكتورة إيما أشفورد، الباحثة فى مركز ستيمسون بواشنطن:

«ترامب استخدم تكتيكًا أقرب إلى «الإنذار التفاوضى». أوصل الرسالة بصاروخ، ثم طلب التهدئة بتغريدة.. لكن هذا النوع من إدارة الأزمات لا يصنع استقرارًا دائمًا».

 شرق أوسط ما بعد حرب الـ12 يومًا

اليوم التالى لحرب الـ12 يومًا لا يشبه اليوم الذى سبقها.. فالمعادلات تغيرت، واللاعبون اكتشفوا حدودهم ومواطن ضعفهم.

لم تسقط الحرب أنظمة، لكنها أرست قواعد اشتباك جديدة، وطرحت أسئلة بلا إجابات:

هل كانت مجرد «بروفة» لصراع أكبر؟ هل غيرت بالفعل ميزان الردع؟ وهل ستكون هدنة ترامب مقدمة لاتفاق نووى جديد، أم لحرب أكثر ضراوة؟

يختم أليكس وارد، محلل السياسة الخارجية فى مجلة «بوليتيكو»، بقوله:

«الشرق الأوسط دخل عصر التغريدة النووية؛ حيث قد تبدأ الحرب بصاروخ، وتنتهى بـ280 حرفًا فقط، لكن ما بينهما يعيد رسم الخرائط والسياسات والعلاقات لعقود قادمة».

وأخيرًا؛ انتهت الحرب؛ لكن الجروح لم تلتئم، والرسائل لم تفهم بعد.. صحيح أن الصواريخ سكتت؛ لكن وقعها لا يزال يتردد فى تل أبيب، وطهران، وواشنطن، والخليج.

هى حرب الـ12 يومًا، التى لم تعلن رسميًا، لكنها كادت أن تشعل المنطقة بأكملها.. حرب بدأت بضربة، وتوقفت بتغريدة، وعلقت مصير شعوب كاملة على توازن قوة هش لا يقاس بالدبابات فقط؛ بل بعدد الأحرف فى تطبيقات السوشيال ميديا ومنصاته.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" روز اليوسف "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??