بتاريخ 25 مايو، نشر موقع اليوم السابع، أن مجلس النواب قد وافق على المشروع المقدم من النائب/ عبد الهادي القصبي، وأكثر من عشر أعضاء مجلس النواب بتعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014، والقانون رقم 174 لسنة 2020 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب. وكان أهم هذه التعديلات التشريعية أن: تقسم جمهورية مصر العربية إلى عدد من الدوائر تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، وعدد (٤) دوائر تخصص للانتخاب بنظام القائمة، يُخصص لدائرتين منها عدد (٤٠) مقعداً لكل دائرة منهما، ويخصص للدائرتين الأخريين عدد (۱۰۲) من المقاعد لكل دائرة منهما، ويحدد قانون خاص نطاق ومكونات كل دائرة انتخابية وعدد المقاعد المخصصة لها، ولكل محافظة. ووفقا لنظام القائمة الانتخابية المغلقة، فإنه يتنافس في الدائرة الانتخابية الواحدة أكثر من قائمة، تضم عشرات المرشحين، حسبما يقرر القانون الانتخابي، وتفوز فيه القائمة التي تحصل على 50% أو أكثر من عدد أصوات الناخبين الصحيحة، بكل مقاعد الدائرة، بينما تخسر كل القوائم الأخرى التي لم تحصل على نسبة 50% من الأصوات. وبحسب تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب عن ذلك القانون، والذي تروج فيه لأهمية هذا التعديل، بأنه يأتي مشروع القانون في إطار تحقيق التمثيل العادل والمتكافئ للسكان والمحافظات، وفقًا للتطورات والتقسيمات الإدارية المستحدثة، وبالاستناد إلى الإحصائيات المحدثة لعام 2025 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والهيئة الوطنية للانتخابات. ويتضمن المشروع تعديلات بسيطة على القوانين الحالية لضمان التناسب العادل بين عدد السكان والناخبين من جهة، وعدد النواب الممثلين عنهم من جهة أخرى، وفق معايير منضبطة وواقعية، وأن هذا المشروع بقانون، إنما يأتي عن وعي السلطة التشريعية بضرورات اللحظة ومتطلبات المستقبل، وأن هذا المشروع يأتي استجابة ضرورية لتحولات سكانية وانتخابية ملموسة، أوجدت تفاوتا في توازن التمثيل بين بعض الدوائر. وفي البدء، لا بد لنا وأن نقرر، بأنه لا وجود لممارسة ديمقراطية من دون وجود انتخابات نزيهة، فالانتخابات هي التي تخوِّل المواطنين ممارسة حقهم في اختيار الحكام الذين يحكمون باسمهم، وأعضاء المؤسسات التمثيلية الذين يمثلونهم. وإذا كانت الانتخابات بذلك، مؤشراً جوهرياً لقياس درجة الديمقراطية، فإن أنظمة الانتخابات لا بد من أن تكون تبعاً لذلك، مؤشراً فعلياً وفعالاً في آن لتقييم مستوى الأداء الديمقراطي وجودة الديمقراطية، وفي ديمقراطيات الموجة الثالثة الناشئة، خاصة، مؤشراً حقيقياً لقياس إرادة تلك الأنظمة في الإصلاح السياسي، ومعياراً لقياس كفاءة، جودة واستمرارية التحول الديمقراطي. كما وأنه من الأصول السياسية والدستورية، فإن مدى صلاحية النظام الانتخابي يختلف من مجتمع لآخر، وذلك بحسب قدرات ومقومات المجتمع ومكوناته الثقافية والمجتمعية بشكل عام، كما أن ذلك يرتبط بمدى واسعية الحياة الحزبية، أو مدى تحقق وجود أحزاب حقيقية ومعارضة داخل التشكيل الديمقراطي السياسي في النموذج السياسي. ولا بد، وأن نلفت الانتباه إلى أن بعض الفقهاء، وكذلك البعض من النظم الدستورية يتبنى نظام القائمة المطلقة المغلقة، نظرا لسهولتها في التطبيق وضمان عدم تعرضها لمشكلات قانونية ودستورية بشكل كبير، وخلال ذلك النظام، تقسم البلاد إلى عدد محدود من الدوائر الانتخابية، وتضع القوى السياسية قوائمها الانتخابية في هذه الدوائر المقررة، ذلك لكونها تجعل من العملية الانتخابية سهلة ومريحة للقائمين عليها، وتبعدها عن بعض التعقيدات في حسابات الأصوات، ووفقا لهذا النظام، يتنافس في الدائرة الانتخابية الواحدة أكثر من قائمة، تضم عشرات المرشحين، حسبما يقرر القانون الانتخابي، وتفوز فيه القائمة التي تحصل على 50% أو أكثر من عدد أصوات الناخبين الصحيحة، بكل مقاعد الدائرة، بينما تخسر كل القوائم الأخرى التي لم تحصل على نسبة 50% من الأصوات، كما أن نظام القائمة المغلقة ينفرد فيه الحزب باختيار مرشحيه وينفرد أيضا في اختيار ترتيب مرشحيه في القائمة، ولا خيار أمام الناخب إلا باختيار القائمة كاملة أو عدم اختيارها كاملة، بمعنى لا يحق للنائب اختيار مرشح أو عدد من المرشحين منها أو إعادة ترتيب المرشحين فيها، حسب المرشح الأفضل بالنسبة له. وإذا كانت أهمية تحديد النظام الانتخابي المناسب تعتمد على الاعتبارات السياسية والثقافية والاجتماعية المحلية، وهذا ما يعني أن الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه كتلة الناخبين، الممثلة للشعب في النهاية تحقيق نظام انتخابي حر وديمقراطي وشفاف وعادل، يتيح التنافس السياسي بين الأحزاب، بما يوفر للناخبين فرصة التقييم الشامل للمرشحين والأفكار التي يمثلونها، كما يحقق تمثيلًا شعبيًا فعالًا، ويعزز من فرصة وإرادة المواطنين في صنع القرارات السياسية، ويبني مستقبلًا ديمقراطيًا مستدامًا ومزدهرًا لأي دولة. لكن أهم عيوب نظام القائمة المغلقة، أنها تتكون من قطاعات جغرافية واسعة، لا تسمح بوجود معرفة مسبقة ما بين أغلبية أعضاء القائمة الواحدة، وبين كتلة الناخبين، حتى وإن كان ذلك مردود عليه، بأن هذا النظام موجه بشكل رئيسي إلى مجموعة الأحزاب المتواجدة على الساحة السياسية، بما يعني أن الناخب يتوجه بصوته إلى انتخاب برنامج حزبي متكامل، إلا أن ذلك قد يكون مريحاً بعض الشيء في البلدان التي تتمتع بمستوى ديمقراطي عالي، بما يضمن فعليا وجود أحزاب حقيقية قائمة في الواقع المجتمعي والسياسي. وعلى الرغم من كون القانون المعدل يسمح بوجود انتخابات فردية، ولو بشكل هامشي أو جانبي، لا يتناسب مع حجم القائمة أو عدد أفرادها، إلا أن ذلك لا يتناسب بشكل حقيقي وواقعي مع الواقع المصري. فلا يمكننا بحال من الأحوال أن ننكر الحياة الحزبية الهشة الموجودة في الواقع السياسي المصري، إذ إنها بوضعها الحالي لا تسمح بعقد مقارنات ما بين الأحزاب وبعضها البعض، خصوصا، إذا ما اضفنا استمداد بعض الأحزاب قوتها من دعم السلطة التنفيذية لها، أو انتمائها للفصيل الحكومي بشكل أو بآخر، وهو الأمر الذي يضعف، ولو بشكل نظري فارق القوة ما بين الأحزاب وبعضها البعض، إذا ما تغافلنا عن خفوت الحياة الحزبية المصرية بشكل كبير، وهو الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك نظم انتخابية، تتناسب والحالة المصرية، ولا تدعم لمسار سلطوي، تسيطر فيها مجموعة على مسار القوة الديمقراطية، أو مسارات الحياة السياسية والتشريعية، وهو الأمر الذي لا يشكل سوى معنى الاستحواذ السياسي على العمل داخل مجلس النواب، بما يضمن بقاء القوة التصويتية في حوزة تلك الأحزاب دون غيرها، وهو الأمر الذي يجعل من بقاء المعارضة، ولو بشكل تمثيلي رمزي، لا يمثل سوى أقلية لا ترقى حتى لمجرد إحداث أي نوع من أنواع التناسب التصويتي، وهو الأمر الذي يعود بالسلب على المسار الديمقراطي للحياة السياسية برمتها.