يحبس العالم حاليًا أنفاسه مع تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز الذي سيشعل أسعار الطاقة عالمًيا، خاصة أن الميناء ينقل ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط يوميًا، تمثل خمس استهلاك العالم من الوقود، ما يعني ارتفاع الأسعار لما يزيد على 100 دولار للبرميل وارتفاع التضخم عالميًا.
من منظور عسكري، تعرف الولايات المتحدة وأوروبا، أن إيران تمتلك القدرة على تعطيل الملاحة بامتلاكها الصواريخ المضادة للسفن، والألغام البحرية، والزوارق الهجومية السريعة، والطائرات المُسيرة الانتحارية، والغواصات، كما قد تنشر ألغامًا عبر المضيق في غضون ساعات، مما يؤدي لبيئة خطرة، يصعب إزالتها، خاصة مع البرمجة المُعقدة للألغام الحديثة المُصممة لتجنب أساليب كسح الألغام التقليدية.
بدائل هرمز غير مجدية
المشكلة تتفاقم؛ لأن بدائل مضيق هرمز، غير مجدية، فالسعودية والإمارات استثمرتا في خطوط الأنابيب لتجاوز إمكانية إغلاق المضيق، إلا أن محدودية الطاقة الاستيعابية، تجعل هذه الاستثمارات غير كافية للتخفيف من آثار أي إغلاق للمضيق.
يمثل خط أنابيب شرق غرب “بترولاين” السعودي، الذي ينقل النفط من الخليج العربي إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر خيارًا عمليًا، إلا أن هذا الخط لم يعمل إلا بنصف طاقته الاستيعابية تقريبًا، ولا يمكن أن يعوّض بالكامل كمية النفط المنقولة عبر مضيق هرمز، رغم الجهود المستمرة لرفعها إلى 7 ملايين برميل يوميًا.
كما يسمح خط أنابيب “أبوظبي- الفجيرة”، الذي يبلغ طوله 250 ميلاً، لدولة الإمارات بتجاوز المضيق لنقل النفط مباشرةً إلى بحر العرب، وقد شيّدت أبوظبي مرافق تخزين ضخمة بالفجيرة تتسع لأكثر من 70 مليون برميل؛ بينما تبلغ الطاقة الاستيعابية اليومية لخط الأنابيب حوالي 1.6 مليون برميل، لكنه غير كافٍ.
الخطوط البرية لنقل النفط.. مسار محتمل
يمكن أيضا نقل النفط عبر الحدود البرية بين السعودية وعمان، ما يسمح لحركة النقل بتجاوز المضيق، لكن قيود البنية التحتية والحدود الجغرافية ومحدودية شاحنات نقل النفط، تُستخدم هذه الطرق بشكل رئيسي للشحن غير النفطي.
وتمتلك إيران خط أنابيب بنته عام 2021؛ بهدف السماح لها بتصدير النفط مباشرة إلى خليج عمان، متجنبةً المضيق، ومع ذلك، وبسبب الصعوبات التشغيلية والسياسية، لا تتجاوز طاقته 300 ألف برميل يوميًا، ولم تستخدمه طهران منذ سبتمبر 2024.
بجانب تعطل إمدادات الطاقة، قد تزداد صعوبة الخدمات اللوجستية البحرية بالمنطقة؛ بسبب ارتفاع تكاليف التأمين ومخاطر الشحن، ورغم أن حكومات مجلس التعاون الخليجي استثمرت للحد من هذه المخاطر، إلا أن هذه الإجراءات ليست سوى حلول جزئية.
قد تتعرض القنوات البديلة للتعطل مع احتمالية التصعيد واستهدافها أو تخريب البنية التحتية السعودية والمنشآت النفطية الإماراتية بالقرب من الفجيرة، ما يؤدي إلى انخفاض إمدادات الطاقة لفترة أطول.
قال مسئول بشركة شحن كبيرة إن أسعار النفط ستشهد ارتفاعًا حادًا، وستكون هناك زيادة في أسعار الشحن، وسترتفع تكلفة التأمين، كما ستشهد موانئ عُمان زيادة في حجم الشحنات، وسترتفع إيجارات السفن المستأجرة إلى مستويات مرتفعة.
أوروبا ستعاني من التضخم
من شأن الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط، أن يزيد التضخم، ويرفع تكاليف الطاقة، ويعطل الصناعات بجميع أنحاء أوروبا، وستكون قطاعات التصنيع والنقل والزراعة أكثر عرضة للخطر.
يُعد المضيق طريقًا رئيسيًا للشحن العالمي، فأي اضطراب فيه يؤدي لتأخير الواردات الأوروبية من المواد الخام والإلكترونيات والسلع الاستهلاكية، ما يؤثر على سلاسل التوريد، وقد ترتفع أقساط تأمين الشحن بشكل حاد، ما يرفع التكاليف على الشركات والمستهلكين الأوروبيين.
يُمثّل هذا الوضع المحفوف بالمخاطر معضلةً استراتيجيةً لتركيا، التي تُدير شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة إلى جانب اعتمادها الاقتصادي على الملاحة المتواصلة في المضيق، وبالنسبة للهند، التي تستورد 90% من نفطها الخام- يأتي أكثر من 40% منه عبر مضيق هرمز- وهي معرضة للخطر بشكل خاص.
أمام تلك المخاطر، دعا وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو الصين إلى تشجيع إيران على عدم إغلاق مضيق هرمز، على اعتبار أن بكين ستكون أيضا من كبار المتضررين لمرور 40% من احتياجاتها من المضيق، لكن الصين لديها خيار آخر يتمثل في النفط الروسي.
اختناق كبير في الصناعات البترولية
مع امتلاك أمريكا للنفط، سيكون المتضرر الأول لغلق هرمز هي دول الخليج وأوروبا، لأنه سيقطع الإمدادات على عمليات التكرير، ويغير طبيعة التوازنات التجارية، ويرفع التضخم من خلال ارتفاع أسعار الوقود، وهو أمر يفيد موسكو في صراعها مع أوكرانيا والضغط على ألمانيا وفرنسا الأكثر تأييدا لكييف بالسلاح والعتاد حاليًا.
إغلاق هرمز يأتي أيضًا مع تزايد اضطرابات حركة الحاويات في البحر الأحمر؛ بسبب هجمات الحوثيين، وقد تتجنب شركات النقل مواني الخليج تمامًا، وتفرغ حمولاتها في أماكن أخرى، أو تخاطر بتوقف سفنها في المنطقة، إذا تصاعدت التوترات أكثر.
تعاني شركات الشحن بالفعل من التأخيرات منذ أواخر عام 2023؛ بسبب تحويلات البحر الأحمر، التي تضيف ما يقرب من 8- 10 أيام إلى الرحلة بين آسيا والبحر الأبيض المتوسط، ولا يزال هذا الوضع قائمًا، والآن قد يؤدي احتمال إغلاق مضيق هرمز إلى زيادة الضغوط.
قد نشهد استبعاد مواني مثل، البحرين أو الكويت من الخدمة لإبعاد السفن عن المخاطر المحتملة، حتى التوقيتات المجدولة، تتأثر فبعض السفن تبحر ببطء أو تعدل أوقات وصولها، بحيث تمر عبر نقاط الاختناق مثل، مضيق هرمز في وضح النهار مع وجود سفن مرافقة قريبة بدلاً من الليل، وذلك حال عدم وضع إيران ألغام بحرية.
اختناقات جوية وبحرية معقدة
عندما يصبح نقل البضائع البحرية غير موثوق أو أبطأ، يلجأ بعض الشاحنين إلى الشحن الجوي لنقل البضائع العاجلة، ومع إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي والإيراني بشكل كامل تقريبًا، وانتشار التشويش الإلكتروني في المنطقة، تُجبر شركات الطيران على اتخاذ مسارات بديلة طويلة، مما يزيد من إطالة أوقات العبور.
كما تسببت عمليات الإغلاق المتقطعة للمجال الجوي (كما في أجواء الأردن والعراق أثناء النشاط العسكري) في إعادة توجيه بعض الرحلات، كما يلجأ العديد من شركات الشحن إلى خدمات النقل البحري والجوي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ عبر دبي لخفض التكاليف، لكن هذا المسار أصبح الآن عرضة للانقطاع بشكل كبير لقربها من الأحداث.
إذا قرر المزيد من شركات الشحن تسريع نقل البضائع الأساسية جوًا؛ لتجنب التأخيرات البحرية المحتملة، قد يؤدي ذلك إلى تقليص سعة الشحن الجوي، ورفع الأسعار من مراكز الشحن في الخليج وأوروبا وجنوب آسيا، ولم يحدث ذلك على نطاق واسع بعد، لكن شركات الشحن تراقب الوضع.
يقول الدكتور عز حسنين، الخبير الاقتصادي، إن غلق مضيق هرمز سيربك حسابات العالم، فـ 20% من نفط العالم، يمر من المضيق بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار يومًيا تقريبا مليون دولار كل دقيقة، وثلث الغاز المسال في العالم يمر من المضيق.
أشار إلى أن أكثر من تريليون دولار سنويا حجم التجارة المنقولة بالحاويات والسفن تمر من المضيق، وأكثر المتضررين دول مجلس التعاون الخليجي النفطية والدول الآسيوية المستوردة للنفط الخليجي وأهمها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.
لكن يرى البعض، أن الولايات المتحدة ستكون أكثر المستفيدين من الإغلاق، إذ ثد تضطر أوروبا للاعتماد على النفط الصخري الأمريكي الردئ، ما ينعش صناعته، خاصة أن تكاليف إنتاجه مع ارتفاع سعر النفط عالميا حال غلق المضيق، ستعوض تكاليف استخراجه المرتفع وتحقق هامش ربح جيد.
بالنسبة لمصر، فلا تستورد الغاز والبترول عن طريق مضيق هرمز، لكن الإغلاق سيرفع تكاليف الوقود على الموازنة العامة للدولة، خاصة أن مصر مستوردة للنفط، كما من المتوقع أن ترتفع الكميات التي تستوردها مع تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالسولار لمواجهة نقص الغاز.
على مستوى التصدير لدول الخليج، لن تتأثر مصر أيضًا؛ لأنها تعتمد على البحر الأحمر في التعامل مع الدول الخليجية عبر نقل البضائع من ميناء سفاجا وخليج السويس إلى المواني السعودية، ومنها يتم النقل بريًا إلى بقية دول الخليج.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" masr360 "
0 تعليق