belbalady.net دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما قام جو دوسيه بشراء منزل جديدً في نيويورك، أراد أن يجعله صديقًا للبيئة قدر الإمكان. وبصفته مصممًا ومخترعًا، وجد نفسه يتساءل فورًا عما إذا كان يمكن للتصميم الخارجي لمنزله لعِب دور في التخفيف من آثار تغير المناخ. وقال لـCNN: "أحد الأمور التي لم أفكر فيها من قبل تتمثل بـ: ما اللون المناسب لطلاء المنزل؟". معلوم أنّ المباني ذات الألوان الفاتحة تعكس الحرارة وتبقى أكثر برودة، فيما تمتصها المباني الداكنة. لكن ما هو اللون الأفضل في مناخ مثل مناخ نيويورك، حيث الصيف حار والشتاء مظلم ومثلج؟ بدأ دوسيه بطباعة نماذج مصغرة ثلاثية البعد لمنزله، مكتملة بمستويات عزل مماثلة، وطلائها بألوان مختلفة. وعلى مدار عام، وجد أن درجة الحرارة الداخلية للنموذج الأسود في الشتاء أعلى بمتوسط -13.9 درجات مئوية من النموذج الأبيض. أما في الصيف، فكانت درجة حرارة المنزل النموذجي الأبيض أقل بـ - 11 درجة مئوية. يتغير الطلاء الذي طوره دوسيه اعتمادًا على درجة الحرارة.Credit: Joe Doucet x Partners أما النتيجة التي توصل إليها فكانت: "يجب أن يكون أسودًا في الشتاء وأبيضًا في الصيف"، مضيفًا أنه "ليس ممكنًا طلاء المنزل مرتين سنويًا. فبدأت أفكر بأنّ ثمة طرق أخرى بالتأكيد لتحقيق ذلك". واستلهم دوسيه فكرته من اهتمامه في الطفولة بخواتم المزاج، وهي خواتم تحتوي على "أحجار" صناعية يتغيّر مظهرها بحسب درجة حرارة إصبع من يرتديها. ويتذكّر "مدى افتتاني بخاتم المزاج الذي حصلت عليه عندما كنت طفلًا، وحاولت حقًا فهم ما الذي يجعل لونه يتغير"، لافتًا إلى أنّه كان على دراية "حتى عندما كنت في السابعة من عمري، أن تغيّر لون الخاتم لا علاقة له بمزاجي، بل أن هناك نوعًا من التفاعل الكيميائي وراء ذلك. والكيمياء التي تُحدث هذا التغيّر شبيهة جدًا بما استخدمته". قد يهمك أيضاً وتعرف هذه العملية باسم "الاستجابة الحرارية اللونية" (Thermochromic response)، وتشير إلى كيفية تفاعل سلاسل البلورات السائلة مع درجة حرارة الجو. وفي خواتم المزاج، تُحفظ هذه البلورات السائلة داخل "الحجر الكريم"، ما يؤدي إلى تغيّر لونها. وقد طوّر دوسيه نوعًا من الصباغ الحراري اللوني يحتوي على هذه البلورات، وبدأ يجرب باستخدام علبة طلاء منزلي عادي مع إضافات مختلفة. وكانت النتيجة مادة يمكنها تغيير اللون عند امتصاصها للضوء فوق البنفسجي (الذي يولّد حرارة) عندما تتجاوز درجة حرارة معينة. ورغم ما وصفه بـ "النجاح الكبير" لتجاربه الأولية، اكتشف دوسيه أن دهاناته الجديدة كانت تتدهور ببطء عند تعرّضها لأشعّة الشمس. لكن بعد عام آخر من التجارب، تمكّن المصمّم من حل المشكلة بمساعدة مادة مضافة واقية. وأطلق على ابتكاره اسم "الطلاء المتجاوب مع المناخ"، إذ يبدو بلون "رمادي داكن جدًا" عندما تكون درجة الحرارة دون الـ25 درجة مئوية، ويبدأ بالتفتح تدريجيًا كلما ارتفعت درجة الحرارة. ومنذ ذلك الحين، قدم دوسيه طلبًا للحصول على براءة اختراع لهذه التقنية. يُقر دوسيه بأن ابتكاره قد لا يأتي بفائدة كبيرة لمن يعيشون في مناطق مناخها حار أو بارد باستمرار. لكنه يؤمن بأن طلاءه قد يُحدث "نقلة نوعية" لمن يعيشون في المناطق المعتدلة حول العالم، ضمنًا أجزاء واسعة من أمريكا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، حيث تكون درجات الحرارة في الأشهر الأكثر دفئًا عادة أعلى من 10 درجة مئوية، لكنها لا تنخفض إلى أقل من -3 درجات مئوية في أبرد الشهور. التغيّر مع الفصول في جميع أنحاء الدول الاسكندنافية، غالبًا ما تُطلى المنازل باللون الأسود، مثل هذا المنزل في النرويج. أحد الأسباب تتمثل في قدرة الأسطح السوداء على امتصاص الحرارة أكثر من الألوان الأخرى.Credit: Richard Cummins/Alamy Stock Photo كان العام الماضي الأشد حرارة على الإطلاق، كما كان أول عام تقويمي يتجاوز فيه متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو حد حرج في أزمة المناخ. ويرى دوسيه اختراعه كرد مباشر على تغيّر المناخ، أكثر منه تكنولوجيا مبتكرة: "كان ممكنًا تنفيذ هذا قبل 70 عامًا، لكن لم تكن هناك حاجة إليه في ذلك الوقت"، كما أوضح، لأنّ "تغيّر المناخ لم يكن مشكلة آنذاك". لكن، إضافة إلى مساعدة أصحاب المنازل على التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة، قد يكون لاختراع دوسيه تأثير في تقليل الانبعاثات الناتجة عن مساكنهم، لا سيما في ظل تزايد تكاليف الطاقة، والاعتماد المتزايد على أجهزة التكييف. جزيرة سانتوريني في اليونان، صورة بتاريخ 3 يوليو عام 2016. المباني المطلية بالطلاء الأبيض تعكس ضوء الشمس، ما يساعد على تبريدها Credit: Creative Touch Imaging Ltd./NurPhoto/Getty Images وتُظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن تشغيل المباني يستهلك نحو 30% من الطاقة العالمية. إلا أن المنازل التي تتمتع بتحكم حراري محسّن تستهلك طاقة أقل، بفضل انخفاض الحاجة إلى التبريد والتدفئة. وتشير نماذج دوسيه، "بتحفّظ"، إلى أن الطلاء الخاص به يمكن أن يساعد الأسر على توفير بين 15 إلى 30% من تكاليف الطاقة. ويأمل دوسيه في إيجاد شريك قادر على طرح اختراعه في السوق، كشركة دهانات أو شركة كيميائية أو كليهما. وقال، في إشارة إلى خطط إدارة ترامب لخفض الدعم والتخفيضات الضريبية لمشاريع الطاقة النظيفة: "عندما تتغير الأوضاع، يجب أن نواكبها". يبدو دوسيه واثقًا من أن ابتكاره سيحظى بسوق ضخمة محتملة. إذ لا يقتصر استخدام الطلاء على المنازل فحسب، بل يشمل أيضًا المباني الأكبر حجمًا مثل المدارس، والمصانع، وغيرها من المنشآت التي تتطلب بيئة داخلية مُحكمة. مع ذلك، يحرص دوسيه على عدم المبالغة في تقدير تأثير اختراعه. ويضيف: "لا يوجد حل واحد لتغير المناخ، بل هو سلسلة من الخطوات والإجراءات الصغيرة. لكن هذا الحل قد يكون ذات معنى".