بين دويّ الضربات الأميركية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، وصدى الدعوات لاستئناف التفاوض، تخوض طهران وواشنطن جولة جديدة من "حرب الإرادات" تختلط فيها الرسائل العسكرية بالإشارات الدبلوماسية.
فبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداد بلاده للتفاوض "الأسبوع المقبل"، تتوالى المؤشرات على أن معركة ما بعد القصف قد تكون أعقد من التي سبقتها، عنوانها: من يُملي شروطه أولًا؟.
في خطاب شديد اللهجة من لاهاي، قال ترامب إن "البرنامج النووي الإيراني تم تدميره بالكامل"، مؤكدا أن بلاده لن تسمح لإيران امتلاك القنبلة النووية، لكنه لم يغلق الباب أمام الدبلوماسية، إذ أشار إلى إمكانية توقيع اتفاق، وإن بشيء من التردد السياسي: "قد نوقّع اتفاقًا، وقد لا نفعل... لا يهمني كثيرًا".
هذا التوجّه "الضاغط" أكده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريح لصحيفة "بوليتيكو"، إذ شدد على أن الضربات وجهت "ضررًا ملموسًا" للبنية النووية الإيرانية، وجعلت طهران "أقل قدرة على تصنيع السلاح النووي بسرعة"، وفق قوله.
لكن التباين في النبرة بين ترامب وروبيو يشي بوجود انقسام داخل الإدارة الأميركية، وهو ما أشار إليه الباحث ريتشارد وايتز، الذي رأى أن تقييم واشنطن للضربات "متفائل أكثر من اللازم"، معتبرًا أن ما جرى "أبطأ البرنامج لعدة أشهر فقط، ولم ينهِه".
طهران: لا مفاوضات من موقع الضعف.. واتهام للوكالة الدولية بـ"التواطؤ"
ردّ إيران لم يأت فقط بصيغة تصريحات سياسية، بل اتخذ بعدا تشريعيا أيضا، حيث وافق البرلمان الإيراني على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة وصفتها طهران بأنها "لحماية السيادة ومنع التجسس تحت غطاء الرقابة الدولية".
في حديثه إلى سكاي نيوز عربية، اعتبر الباحث السياسي الإيراني سعيد شاوردي أن بلاده "لن تدخل مفاوضات مفروضة بشروط أميركية"، متهمًا مدير الوكالة رفائيل غروسي بـ"تسريب معلومات استخباراتية سمحت لإسرائيل باستهداف المنشآت النووية".
وقال شاوردي: "إيران تشعر بالخيانة.. التعاون النووي انتهى، وعلى الجميع أن يعيد حساباته"، مشددا على أن التخصيب داخل الأراضي الإيرانية "خط أحمر لا يمكن التنازل عنه".
الوساطات الدولية تغيب... وإسرائيل تدخل على خط الملف الأمني
في خضم التصعيد، أعلنت إسرائيل لأول مرة وبصورة رسمية أن وحدات كوماندوز تابعة لها توغلت داخل العمق الإيراني خلال العمليات الأخيرة، وهو ما كان موضع جدل قبل تأكيده من قبل رئيس الأركان الإسرائيلي. هذه العمليات، بحسب وايتز، ساهمت في جمع معلومات استخباراتية "قد تشكل الأساس لأي تحرك مستقبلي ضد طهران".
القلق الإيراني من هذا البُعد الاستخباراتي تجلّى في إعلان طهران عن اعتقال أكثر من 700 شخص مشتبه بتورطهم في دعم الضربات الإسرائيلية، في إشارة إلى اتساع رقعة "حرب الجواسيس"، وهو ما يُعيد التذكير بأدوار استخباراتية كانت حاسمة في ضربات سابقة مشابهة.
"المفاوضات ممكنة"... ولكن بأي شروط؟
رغم كل التصعيد، يبدو أن الطرفين يدركان أن طاولة المفاوضات ما تزال قائمة، وإن كانت موضع تشكيك وتوتر. وايتز يرى أن ترامب يفضّل اتفاقًا مباشرًا دون وسطاء، بعد فشل وساطة روسيا، فيما أشار شاوردي إلى أن "التفاوض ليس مرفوضًا من حيث المبدأ، لكن إيران لن تفاوض من موقع الضعف".
ووسط ذلك، تبرز معضلة "مأزق الثقة المتبادلة" كما يسميها شاوردي، الذي تساءل: "ما جدوى الرقابة الدولية إذا كانت تُستخدم لضربنا؟"، ملمّحًا إلى إمكانية بناء منشآت نووية أكثر تحصينًا تحت الأرض، بعيدًا عن أعين الوكالة الدولية.
حرب الظل مستمرة.. وطهران تتمسّك بالصواريخ والمسيرات
الرسالة الإيرانية لا تقتصر على الشق النووي فقط، بل تمتد إلى منظومة الردع العسكري، إذ شدد شاوردي على أن أي تراجع في التفاوض قد يفتح الباب أمام "مطالب تمسّ الصواريخ والمسيرات والعلماء النوويين"، وهو ما تعتبره طهران خطوطًا حمراء.
في هذا السياق، برزت تصريحات شاوردي التي أوضح فيها أن "واشنطن وتل أبيب فشلتا في تحقيق أهداف استراتيجية رغم الخسائر التي تكبدتها إيران"، مضيفًا أن طهران "ستتمسك بمطالبها السابقة قبل الحرب، ولن تجر إلى مفاوضات استنزافية".
رسائل مزدوجة من واشنطن: تهدئة مشروطة وضغط دائم
يحاول البيت الأبيض رسم توازن دقيق بين التصعيد والتهدئة. ترامب لا يريد تغيير النظام في طهران – على عكس بعض الأصوات داخل إدارته – لكنه لا يستبعد العودة للخيار العسكري "إذا عادت إيران للتخصيب بنسبة مرتفعة أو استأنفت بناء منشآت سرية".
ويخلص وايتز إلى أن التناقض بين تصريحات ترامب وروبيو يعكس "غياب رؤية موحدة داخل واشنطن"، لكنه أكد أن "الهدف المشترك يبقى منع إيران من إنتاج قنبلة نووية بأي شكل".
الطريق إلى فيينا مليء بالألغام
العودة إلى طاولة التفاوض، وإن بدت ممكنة، تمرّ عبر مسار محفوف بالتعقيدات: تعقيدات تتعلق بالثقة، والشروط، والسرديات المتضاربة لما حدث فعلاً خلال الضربات الأخيرة. وبينما تواصل إيران خطواتها "الردعية"، تستمر واشنطن في الضغط وطرح "عرض بشروطها"، في مشهد تتقاطع فيه حسابات الردع العسكري مع الحسابات الانتخابية الأميركية. هل سيكون الأسبوع المقبل بالفعل بداية مفاوضات جديدة؟ أم أن الجبهات ستنفتح مجددًا على ضربات وظلال حروب لم تُغلق فصولها بعد؟ وحدها الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.
belbalady
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" سكاي عربية "
0 تعليق