تظل آسيا القلب النابض للطلب العالمي على الطاقة، ويعتمد اقتصادها الحيوي بشكل حاسم على تدفق النفط والغاز الطبيعي عبر الممرات البحرية الحيوية، وعلى رأسها مضيق هرمز.
وبينما تشتد التوترات الإقليمية وتتصاعد التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق ردًا على الضربات الأمريكية الأخيرة لمفاعلات أي أن النووية، تلوح في الأفق آثار كارثية محتملة على الاقتصادات الآسيوية، تتجاوز مجرد ارتفاع أسعار النفط لتشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية واستراتيجية عميقة.
ومع تصاعد حدة التوترات الأخيرة، وافق البرلمان الإيراني امس على خطوة اغلاق الممر ردا على الضربات الأمريكية. ورغم أن المجلس الأعلى للأمن القومي لا يزال يدرس القرار النهائي، إلا أن الأسواق بدأت تعيش حالة من الترقب، حيث ارتفع سعر خام برنت بأكثر من 5% ليصل إلى أكثر من 81 دولارًا للبرميل، قبل أن يتراجع قليلًا.
آثار كارثية
وتشير البيانات إلى أن آسيا تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز العابر عبر مضيق هرمز، حيث تستقبل حوالي 80% من نحو 15 مليون برميل يوميًا من النفط المار عبر الممر، بالإضافة إلى أكثر من 80% من شحنات الغاز الطبيعي المسال، خاصة من قطر والإمارات، اللتين تعتمدان على هذا الممر لتوصيل وقودهما إلى العالم.
وفي حال حدث إغلاق للمضيق، فإن الاقتصادات الآسيوية ستكون من بين الأكثر تضررا، إذ تعتمد بشكل رئيس عليه في وارداتها من النفط والغاز، حيث تستورد بعض الدول مثل الصين والهند أكثر من نصف هذه الكميات وبالتالي أي انقطاع سيضرب عمودهما الفقري الصناعي والاقتصادي.
وتعتمد اليابان وكوريا الجنوبية على المضيق في نحو 24% من وارداتهما النفطية ومن شأن إغلاقه ان يهدد أمنهما الطاقي، خاصة مع محدودية خياراتهما البديلة.
أما دول جنوب شرق آسيا (سنغافورة، تايوان، تايلاند، ماليزيا، فيتنام) فتستورد كميات حيوية عبر هرمز. وأي خلل سيرفع تكاليف الطاقة بشكل حاد ويبطئ نموها الاقتصادي.
كما أن باكستان تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز عبر المضيق لتلبية احتياجاتها الأساسية.
ويتوقع أن يؤدي الإغلاق المحتمل إلى سلسلة من التأثيرات مثل ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات غير مسبوقة. وتتوقع مؤسسات مثل "جولدمان ساكس" قفزة قد تدفع بسعر خام برنت إلى 110 دولارات للبرميل أو أكثر في وقت قياسي.
وتمتد التأثيرات إلى حدوث أزمة غاز طبيعي مسال حيث ستتضاعف أسعار الغاز الطبيعي المسال في آسيا وتتجاوز مستويات أزمة 2022. وستنعكس هذه الزيادة بشكل مباشر على فواتير الكهرباء والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ناهيك عن تأثير الدومينو على المنتجات البترولية حيث سترتفع أسعار البنزين والديزل ووقود الطائرات والمنتجات البتروكيماوية بشكل حاد، مما يرفع تكاليف النقل والإنتاج والمعيشة.
تضخم وضغوط نقدية
ولا تقف التأثيرات التي يتوقعها الخبراء عند هذا الحد بل يؤدي إغلاق المضيق إلى تفاقم التضخم وضغوط على السياسة النقدية، حيث سيكون ارتفاع أسعار الطاقة المحرك الأساسي لموجة تضخم جديدة وعميقة في جميع أنحاء آسيا. وستجد البنوك المركزية نفسها امام موقف صعب اما مكافحة التضخم المتصاعد عبر رفع أسعار الفائدة مما يخنق النمو الهش أو تحمل التضخم مما يهدد بفقدان ثقة المستثمرين وتآكل القوة الشرائية ولا سيما في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، والتي تعتمد بشكل كبير على الواردات من الطاقة والغذاء.
ويتوقع تقرير لنيكي اليابانية أن يؤدي ذلك إلى عجز في الميزان التجاري، وتدهور قيمة العملات المحلية، وارتفاع تكاليف الاستيراد، مما قد يدفع البنوك المركزية إلى إعادة النظر في سياسات أسعار الفائدة، بين التوقف عن خفضها أو العودة لزيادتها.
وفي السابق، كان يمكن تعويض نقص النفط القادم من المنطقة بمصادر أخرى مثل النفط الروسي والنيجيري والفنزويلي والأنجولي والأمريكي لكن التعقيدات السياسية والاقتصادية التي تواجه هذه الدول تجعل من تعويض النفط عبرها أمرا أكثر صعوبة.
ورغم التهديدات الإيرانية، يعتقد الخبراء هنا أن احتمالية إغلاق مضيق هرمز بشكل كامل منخفضة، بنسبة تقديرية لا تتجاوز 20%، حيث قد يفضل الإيرانيون عدم التصعيد في ظل توازنات المصالح، خاصة مع اعتماد الصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني، على الممر لضمان استمرار وارداتها. لكن إذا حدث، سيعقد المشهد الاقتصادي الآسيوي بل والعالمي في المرحلة القادمة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" النبأ "
0 تعليق