أولًا: عزيزى القارئ، دعنى أوضح لك أمرًا هامًا.. هذا المقال ليس دينيًا صرفًا، فأنا لست رجل دين.لكننى سلكت طريقًا شائعًا فى الكتابة السياسية، وهو الربط بين الدين، والتاريخ، والسياسة، لفهم واقعنا وتحليل المستقبل بناء على ما مضى. والآن كعادتنا، نبدأ المقال ببعض الأسئلة: 1 - من هم الشيعة، ومن مؤسسهم ومتى ظهروا وكيف ظهروا؟ 2 - هل حقًا كانوا محبين لسيدنا على بن أبى طالب وما هو موقف سيدنا على منهم؟ 3 - من الذى قتل على بن أبى طالب؟ 4 - ما هى طوائفهم؟ 5 - ماذا يشكلون الآن على الخريطة السياسية؟ 6 - إيران وأهدافها للسيطرة على المنطقة؟.. والآن لنبدأ الإجابات: الشيعة فى الأصل كانوا تيارًا سياسيًا ظهر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وكان يتمحور حول دعم على بن أبى طالب رضى الله عنه كأولى الناس بالخلافة، بناء على قرابتهم له ومكانته، لكن هذا التيار تطور لاحقًا ليأخذ أبعادًا عقائدية وفكرية أكثر تعقيدًا. أول من وضع حجر الأساس للشيعة كان عبدالله بن سبأ، ورغم أنه شخصية تاريخية مختلف عليها، ويشكك تاريخيًا فى وجوده، لكن المعلوم عنه أنه كان يهوديًا، نعم عزيزى القارئ كان يهوديًا من اليمن، أسلم فى عهد سيدنا عثمان بن عفان وقاد فرقه تدعى حق سيدنا على بن أبى طالب فى الخلافة وهو أول من سب الصحابة، وأول من ادعى صفات الألوهية فى حق سيدنا على، التى يتم تكرارها الآن، لدرجة أنهم أصبحوا يقسمون به وليس بالله، وقد كان سببًا رئيسيًا فى نشر الشائعات فى حق سيدنا عثمان بن عفان فى العراق ومصر، والتى انتهت بمحاصرة بيته وقتله، والمفارقة العجيبة أنه كان يدعى حق آل البيت فى الخلافة، والذى كان يحرس منزل سيدنا عثمان أثناء حصاره هما الحسن والحسين رضى الله عنهما مع باقى الصحابة والمفارقة الأغرب هى أن هناك 3 أبناء لسيدنا على أظن لم يسمع الشيعة عنهم أو لا يريدون السماع عنهم هم «أبوبكر بن على، وعمر بن على، وعثمان بن علي».. هاتان مفارقتان أردت أن أطرحهما فى إجابة السؤال الأول. هل كان الشيعة يحبون على بن أبى طالب؟ وما موقف على منهم؟ كان لعلى بن أبى طالب رضى الله عنه، مكانة عظيمة عند الشيعة والسنة على السواء. لكن فى زمنه، عانى من بعض مناصريه ممن خذلوه فى مواقف حاسمة، وقد ورد عنه فى «نهج البلاغة» - وهو كتاب تنسب بعض خطبه - شكاوى من ضعف طاعة أنصاره، وأنه كلما دعاهم إلى حرب خذلوه، حتى قال لهم (استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرًا وجهرًا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا.....ثم يقول: لوددت والله أن معاوية صارفنى بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ منى عشرة منكم وأعطانى رجلا منهم)، وهذا ذكر فى نهج البلاغة الذى يعتبر كتابًا شيعيًا، أى أنها شهادة الشيعة على أنفسهم. وفى إجابة السؤال الثالث، من قتل على ابن أبى طالب؟ قول فصل، هو عبدالرحمن بن ملجم، وهو محسوب على شيعته فى الكوفة، ممن حاربوا معه فى معركة صفين، لكنه فى بعض الأقاويل التاريخية انضم للخوارج، وهم جماعة كفروا على بن أبى طالب بعد التحكيم فى معركة صفين، واعتبروا قبوله بالتحكيم كفرًا، وقتلوه ظلمًا وعدوانًا. أما عن طوائفهم، فتنقسم الشيعة إلى 22 فرقة طوائف، أبرزها الإثنا عشرية، وهى أكبر طائفة حاليا، ويتبعها أغلب شيعة إيران والعراق ولبنان، والطائفة الإسماعيلية التى ظهرت مبكرًا، ولها وجود فى الهند واليمن وأجزاء من باكستان، أما الزيدية فموجودة بشكل رئيسى فى اليمن، وهم أقرب فكريًا للسنة من غيرهم. وبعض الطوائف المنقرضة أو المتطرفة مثل القرامطة، الذين قاموا فعلًا بهجمات على الكعبة فى القرن الرابع الهجرى وتحديدًا فى 930 ميلادى، وسرقوا الحجر الأسود فى موسم الحج، وهذه ليست الحادثة الوحيدة لهجومهم على الحجاج والكعبة، ولكنها كانت أبرزها. ومن وقتها وللشيعة تواجد وانتشار وتأثير على الخريطة السياسية، خاصة أن ظهورهم فى العصر الحديث ارتبط بعام 1979، بوصول الثورة الإيرانية للحكم وظهور إيران بشكلها الذى نعرفه اليوم. وأود أن أخبرك عزيزى القارئ أنه إلى اللحظة التى تقرأ فيها مقالى هذا، لا يوجد مسجد سنى فى طهران رغم انتشار معلومة وجود 9 مساجد سنية فى طهران، لكنها حتى الآن غير مؤكدة، ولكن يوجد بها العديد من المعابد اليهودية حتى وإن كانت غير مفعلة. إذن.. ماذا تريد إيران؟ إيران ترى أنها كانت إمبراطورية عظمى، فقدت العديد من أملاكها وهذا يوضح سبب كرهها الشديد لعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد اللذين وضعا آخر مسمار فى نعش هذه الإمبراطورية، وهذا يجيب على سبب بغضهم للعرب حتى وإن حاولوا إظهار غير ذلك وهم أيضًا ينتمون إلى الفكر الإثنى عشرى، وينتظرون «المهدى المنتظر» الذى يعتقدون أنه غائب وسيعود ليملأ الأرض عدلا، وظهرت تصريحات فى السنوات الأخيرة توحى بأنهم قد يعتبرون أن ظهوره بات قريبًا، ومذهبهم يعتقد بمعصومية أئمة آل البيت، لكنه يعتقد بغياب الإمام الاثنى عشر وهو محمد بن حسن العسكرى الذى فى اعتقادهم أنه هو المهدى المنتظر. فهل سيعيد التاريخ نفسه خصوصًا أن إيران تعانى الآن من خسارة جميع أوراقها وكان آخرها سقوط النظام السورى الموالى لها؟ فهل هذا التصريح سيكون بداية ظهور ورقة إيرانية جديدة على طاولة السياسة؟ السياسة لا تسير فى خطوط مستقيمة، وليس لها سيناريو واحد... بل هى مليئة بالاحتمالات، والنهايات المتعددة.. فهل نشهد فى السنوات القادمة تحولات جديدة تعيد تشكيل وجه المنطقة؟ الله أعلم.. لكن قراءة التاريخ بدقة قد تكون مفتاحًا لفهم القادم، وهذا ما حاولته.