ويتجدد اللقاء مع المعين الصافي لإبداعات أدباء ومواهب أرض الكنانة.. وضيفنا في هذه الأديب طارق حنفي محمد ابراهيم عبدالحفيظ ،والذي أهدي بوابة “الجمهورية والمساء” غيضا من فيض إبداعاته الأدبية في ثياب القصة القصيرة (الحلم الأخير) من مجموعته القصصية (سحر المعصية)، وقصته “الممكنات”،ننشرهما عبر هذه السطور..
????
الحلم الأخير
يرى نفسه في مكان عجيب، ثمة أنوارٌ تسطع بألوان متباينة،
تمتدُّ بغير هدًى، تتخذ هيئاتٍ متعددة..
ثم بدأت تتقارب من بعضها البعض، تتجمع معًا في جزء محدد من المكان كأنها على موعد هناك؛ فيشتد سطوع الأنوار في هذا الجزء، اقترب منها، رآها تندمج معا، تُشَكِّل جسدا هلاميا مُنيرا، يَبرُز منه جناحان..
فجأة، داهمت دوَّامات مُظلمة المشهد، تخترق فضاءه من كل صوب، ما لبثت أن اندمجت هي الأخرى معا؛ تُشكِّلُ وحشًا
أدهمَ مُخيفًا، اتَّجَه من فوره نحو الجسد الهُلامي المنير وفغر
فاه ليلتهمه، استغاث الجسد به لينقذه، وتجمد المشهد، واستيقظ من نومه مذعورًا..
يتكرر نفس الحلم معه منذ تسع ليالٍ.
لقد بدأ الأمر مع إطلاق موجة إشعاعية غامضة، اخترقت القلوب والعقول، وربما الأنفس ذاتها، ثم شاعت الأقاويل، تُروِّج لتوصلهم -بالفعل- إلى فك شفرة الأنفس، كما أصبح باستطاعتهم وأد الأحلام في مهدها، تمهيدًا للسيطرة على البشر وأنماطِ حياتهم..
ثم صار هو وغيره من البشر كالآليين، انطفأ بريقُ الحياة في أعينِهم، يتكلمون ويتحركون برتابة دون همَّة، يَحَيون دون شغف..
كما يرون كلَّ بضع ليالٍ حلما من أحلامهم يموت، يبتلعه الوحش هناك، في أرض الأحلام..
استمرت أحلام الجميع في الموت حلما بعد حلم، لم يبقَ منها سوى حلمه هو، حلمِ الجسد المنير ذي الجناحين الذي يوشك على الموت هو الآخر.
يرى نفس الحلم في الليلة العاشرة، لقد أوشك الوحش على أن يؤدي مهمته، يصرخ عليه الجسد المنير لينقذه، وتجمد المشهد، لكن الأمر اختلف هذه المرة، لقد التفت الجسد المُنير إليه، وضرب بالقوانين عرض الحائط..
يدرك الحلم تمام الإدراك أنه في اللحظة التي يتجمد فيها المشهد يجب عليه أن يغمض عينيه في التو واللحظة، وينتظر في جمود عودة الحياة إلى المشهد من جديد.. لكنه، وعلى الرغم من هذا كله تحدى القوانين، وألقى نظرة خاطفة عليه، رآه خلف غشاء رقيق من نور باهت مستلقيًا على ظهره في ضعف فوق فراشه، شاحب الوجه، مغمض العينين، ثابتا في مكانه، كأنه جزء من مشهد متجمد آخر..
ثم تململ بغتة في فراشه، وخرج من جموده هو الآخر، فتح عينيه ورأى حلمه خلف الغشاء الرقيق؛ وانهارت كل القوانين.
لقد اخترق الجسم الهلامي المنيرُ الغشاءَ الرقيقَ وتجسد أمام فراشه، وتبعه الوحشُ فاغرًا فاه ليلتهمه، استنجد به من جديد..
يرى آخر أحلامه على وشك الموت أمام عينيه؛ استيقظ شيء بداخله، قام يبدد الظلمة من حول حلمه..
اعتدل في فراشه والدهشة تغطي وجهه، ثم قال:
– أنت!
– نعم أنا، آخر أحلامك.
– كيف؟!
– لا أدري، لكني لم أحتمل رؤية موت إرادتك والسيطرة على خيالك، وغلق طاقة الأمل بداخلك.
– إرادة! أنا مجرد إنسان ضعيف.
– تمتلك إرادة قوية لخلق الأحلام، فكلما قويت الإرادة صار
الحلم أقوى.
– كثيرًا ما تخونني إرادتي فلا أستطيع تحديد الوجهة أو الهدف من الحلم.
– لو فعلت ذلك ما صارت أحلامًا، بل ستكون مجرد أفكار.
– وأنت! أنت تمتلك قدرات مذهلة، أنت الحلم، تفعل ما تشاء
على أرضك، حتى إنك تذهب إلى أماكن بكر.
– إلا القدرة على الفهم والتفسير؛ فأنا أفتقد إلى المنطق والقياس وإلا ما كنت حلمًا أتجول بحرية هنا وهناك دون قيد.
– السيطرة على خيالي؟!
– الخيال في العموم محدود بحدود منطق صاحبه وعقله،
ونطاقه أوسع لدى الحالمين.
– وماذا عن طاقة الأمل بداخلي كما ذكرت؟!
– هي النور الذي يضيء لنا الطريق.
– لماذا غامرت بعبور الحاجز؟
– تدين الأحلام بالفضل إلى الحالمين؛ هم من يبثون الحياة فيهم، أردت إنقاذك.
– وتقول بأنك تفتقد الإرادة!
– انعكاس عطائك أعطاني الإرادة للظهور.
– عطائي؟!
– نعم.
– لكنهم سلبوني إرادتي.
– بوسعك استردادها.
– لكنك حلم واحد.
– يكفي كبداية.
– نورك يبهت.
– أتلاشى خارج أرض الأحلام.
– كيف أنقذك.
– إنها إرادتك، خيالك، طاقة الأمل بداخلك، عطاؤك.
– أي حلم أنت؟
– الحلم الذي لم تحلمه لنفسك.
– حلم لم أحلمه لنفسي!
ماذا تعني؟ ..
ماذا تعني؟..
????
الممكنات
تسأمْ حالها؛ تتدلى من طرفٍ معقوف كطُعمٍ في سِنّارة، تتلوَّى، تفقد بريقها، تذبل، تكاد تستسلم، تفرِّط – مجبرة – في معاني وجودها الأخرى؛ فتتساقط من ذاكرتها معنى وراء معنى، تصبح ولا ترى احتمالّا للوجود غير عالمها الموجود..
تمقُتْ عالمها؛ لا يُرى فيه نور الشمس الذي يحجبه ضبابٌ كثيف، تسري البرودة في الأنفس والأرواح، هواؤه محمل بالسموم، روائحه خانقة، تربته مالحة؛ تجري في أرضه أنهار الدموع التي تفيض بها منابع الحزن لتروي أشجار الندم..
تعاف حياتها؛ حياة ترتجف فيها روحها، يتزلزل فيها كيانها، يرتعد رسمها، يرتعش جسمها طول الوقت.
تتزايد الرعشة؛ لقد أشرفت على الموت، واستسلمت تمامًا للأمر..
فجأة، هبَّت نسمة رقيقة؛ انتعشتْ أنفاسها، وشبح ذكرى من حياة أخرى يداعب طيفها..
ثم برقت روحها، ورعد يصرخ في أذنها، يذكرها بما نُسِّيَت من معاني وجودها..
تحولت نسمة الهواء إلى رياح خفيفة، ما لبثت أن اشتدت حتى صارت زفزافة؛ تحررت فجأة من الطرف المعقوف، وانزلقت.
تجول في عالم واسع دون هدي، تصطدم بالحكم المتوارية بين السطور، تعبر دهاليز الصفحات والهوامش، تسافر عبر الكلمات، تغوص في عوالم المعاني والممكنات، حيث لا يُرى حدود ولا فواصل ولا تنقيط..
ترى شبيهاتها في تلك العوالم، تتبادل معهم نظرات عابرة، وابتسامات، تغادر بعدها مسرعة..
توقفت – أخيرا – في عالم منهم ولم تغادر، تقف أمامها مشدوهة؛ تشبهها تماما لولا الألق والنضرة، وهالة النور التي تحيط برسمها، دار بينهما حديث شفيف؛ ملأ بعده النور روحها..
هبت الرياح الشديدة مرة أخرى، وعادت إلى عالمها.
لكنها لم تعاود مكانها السابق؛ لن تتدلى مرة أخرى، ستصوغ لها مكانا جديدا، ستسعى إلى التغيير؛ تقتحم ما بين الألف واللام، تفسح ما بينهما عنوة، وتستقر هناك..
رويدا، يعود إليها بريقها، تتسع مملكتها، ويتغير عالمها، دفء ونور وتغريد طيور، هواء عليل، روائح ذكية، ألق ونضرة، زهور وخضرة..
يغمرها السرور وهي تطلع إلى عالمها الجديد.
تردد – بصوت مسموع – جزءا من حديثها الشفيف مع شبيهتها:
ـ تكمن الممكنات في مكان ما، تتأمل في ما كان، ترصد الكائن وتأمل فيما سيكون..
ـ أمن الممكن؟!
ـ الأمر منوط بكِ.
ـ كيف؟!
ـ تذكري – دوما – أنكِِ بعد الألف واللام (أ ل م)، لكنكِ أيتها الميم بينهما (أ م ل).
* طارق حنفي في سطور
ـ كاتب وأديب مصري ،حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من كلية الهندسة، جامعة القاهرة.
– حاصل على شهادة في الإدارة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
ـ بكالوريوس الهندسة المدنية – جامعة القاهرة 1998.
ـ شهادة إدارة الموارد البشرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2013.
ـ شهادة إدارة الموارد البشرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2014.
ـ دورة إعداد PMP.
من أعماله:
ـ كتاب من جزئين يحوي بعض المقالات والخواطر تحت الطبع.
ـ عمل مسرحي(مقهى الملاحدة)، صادر عن دار المفكر العربي.
ـ مجموعة قصصية (سحر المعصية)، صادر عن ديوان العرب للنشر والتوزيع.
ـ رواية (ميدان التحرير – دنفر) الصادرة عن ديوان العرب للنشر والتوزيع.
ـ مجموعة قصصية (كشفنا عنك غطاءك) الطبعة الأولى صادرة عن مؤسسة النيل والفرات، الطبعة الثانية صادرة عن ديوان العرب للنشر والتوزيع.
ـ مجموعة قصصية (تحضير روح كورونا)، والتي فازت في مسابقة ديوان العرب، وتم طبعها بمقر الدار.
ـ رواية (بئر الرحمة) الطبعة الأولى صادرة من كتبنا للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية صادرة من البحرينية المصرية للنشر والتوزيع.
ـ رواية (سيد الأسياد) الطبعة الأولى صادرة من كتبنا للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية صادرة من البحرينية المصرية للنشر والتوزيع.
ـ اشترك في كتابين مجمعين للقصص القصيرة، بعد الفوز بمسابقة الملتقى الأدبي، ورابطة الكتاب والمثقفين العرب.
* من أنشطته الأدبية:
ـ حصل على بعض الجوائز الأدبية في القصة والخاطرة.
ـ أجري معه عدد من اللقاءات الصحفية، والتي نشرت بجريدة الشرق الأوسط، وجريدة منبر التحرير، ومجلة فنون وغيرها.
ـ نشرت بعض أعماله الأدبية بجريدة الجمهورية، وجريدة القاهرة، وجريدة منير التحرير، مجلة الأدب، مجلة النيل والفرات، مجلة فنون، وغيرهم.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "
0 تعليق