قبل صدور كتابه «عادل إمام الذى لا تعرفه.. سنوات الصدمة وأسرار القطيعة» عن دار ريشة.. يختص الأستاذ عادل حمودة صفحات روزا بنشر الفصول الكاملة لكتابه على حلقات، نشر بمثابة الحق للأستاذ عادل والحق عليه. حقه لأنه أحد أبرز نجوم روزا الكبار و«أقرب دليل» على صحوة المدرسة وصحتها.
وحق عليه لأن بنيان كتابه دار جزء كبير منه على صفحات روزا وبالتالى فهى أحق بالنشر حتى قبل دور النشر.
وحتى لا توجه لـ«حمودة» تهمة «ازدراء عادل إمام» أو التجنى عليه.. عليك أن تقرأ فصول كتابه بعقل فعال لا منفعل.. وأن تفكر فى الوقائع ثابتة الحدوث لا فى النجم بعقل مهووس. بالمناسبة.. اسمح لى أن أفاجئك: هذا ليس كتابا عن عادل إمام.. ولكنه عن «ظروف لولاها لصار عادل إمام كومبارس».
عن جلسات ونقاشات ساخنة دارت بين قامات الفكر والفن والسياسة لم نعرف عنها غير القليل ولم ينشر منها سوى النزر اليسير.
عن مصر بين المنصورية والعمرانية. وعن أهواء النجومية وهواها. خلال الحلقات ربما ستعرف الكثير عن قواعد الصعود فى زمن ما.
عن روزا التى حكت كل شىء.. ولا تزال الحكاية- حتى اليوم- ابنة لألسنة أبنائها وأقلامهم.
عندما صعد نجم «محمد رمضان» طلب أن يكون أجره أكثر من أجر «عادل إمام» ولو بجنيه واحد ووافقت قناة إم بى سى وتعاقدت معه بمبلغ 41 مليون جنيه.
والمؤكد أن قيام النجم بتقديم إعلان تجارى يحقق له عائدا ماديا ربما لا يحققه عمل فنى ولكن للإنصاف فإن «عادل إمام» لم يقدم إلا دعاية تجارية وحيدة لشركة اتصالات مقابل أربعة ملايين دولار تحت شعار «القوة بين يديك».
عرض الإعلان الذى أخرجه «شريف عرفة» واستغرق تصويره أربع ساعات فى نهاية عام 2010 ولكن الإعلان اختفى فى العام التالى عقب ثورة 25 يناير 2011 فقد اعتبر «الثوار» «عادل إمام» من رموز العهد السابق وخافت الشركة من المقاطعة فأوقفت بث الإعلان.
لم يصل «عمرو دياب» فى سوق الدعاية التجارية إلا لنصف ما تقاضى «عادل إمام» عن إعلان للشركة نفسها وبعد 13 عاما.
لكن ذلك لا ينفى أن «عمرو دياب» أكثر براعة منه فى تكوين ثروة تتجاوز ثروته بفضل علاقاته القوية مع شخصيات سياسية وثرية فى المحيط النفطى كما أن حفلاته الجماهيرية وسيل الأفراح التى يحييها تضيف إليه ملايين إضافية.
لكن لقب «أغلى نجم» لم يخفف من غضب «عادل إمام» الجامح تجاه النقاد وظل يهاجمهم ويسخر منهم ويدعى أنهم يتجنون عليه ولا يفهمون فيما يكتبون.
وكان يرى أن أهم من إشادة النقاد به هو إقبال الناس الذين يسعدهم عليه.
وبدا واضحا أن الهجوم عليه يثير غضبه إلى حد أنه طلب من الصحفى «نادر عدلى» وهو يحاوره ألا يتكلم فى هذا الموضوع وادعى أنه موضوع لا يهمه فى شيء واعتبر عدم الإعجاب بأفلامه نوعا من السباب والشتائم التى لا تهمه مطلقا ولا يريد تضييع وقته فيها فما يعنيه بالدرجة الأولى «الجمهور» الذى تنجح محاولات الإيقاع بينهما.
وباهتمامه بحجم الإيرادات فقط كرس «عادل إمام» تصنيف الأفلام بين أفلام للشباك وأفلام للنقاد فى حين أن كثيرا من الأفلام جمعت الشباك والنقاد مثل «الكيت كات» الذى أخرجه «داود عبدالسيد» ومثل «ضد الحكومة» الذى أخرجه «عاطف الطيب» ومثل فيلمه «الإرهاب والكباب» الذى أخرجه «شريف عرفة».
يضاف إلى ذلك أن مصادر إيرادات الفيلم لم تعد من شباك التذاكر فقط وأضيف إليها إيرادات أخرى من حقوق بيع شرائط الفيديو فى وقت ما وحقوق العرض على شبكة الإنترنت وفى مئات الفضائيات العامة والسينمائية فيما بعد.
بهذه الحسبة المخـتلفــــــــة تهـتز نظــرية «الشبـــــاك» التى عــــاش عليها «عادل إمام».
السبب أن كثيرا من الأفلام حققت على مر الزمن عائدا من تكرار عرضها تليفزيونيا أعلى من إيرادات الشباك التى حققتها وقت عرضها جماهيريا.
سقطت نظرية الشباك التى ألقى بها «عادل إمام» فى وجه النقاد الذين لم ينل إعجابهم إلا نادرا.
شهدت بنفسى خلافات حادة بينه وبين الناقد السينمائى «سامى السلامونى» فى مقهى «لاباس» وسط القاهرة حين كان ملتقى المبدعين من أجيال مختلفة فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى وسبق أن أفرطت فى الحديث عنه على صفحات كتابى «فى صحة أحمد زكى».
و«سامى السلامونى» فى تقديرى كان أفضل نقاد جيله والأهم أنه لم يبع ضميره ولم يساوم على رأيه وعاش فى غرفة مستأجرة وسط المدينة وعندما هدم البيت طالبنا جميعا محافظة القاهرة بتوفير مسكن مناسب يعيش فيه بلا خلو رجل لأنه مفلس دائما وبالفعل استلم شقة ولكن على أطراف صحراء «مدينة نصر» عاش فيها وحيدا بعد أن صعب عليه الذهاب إلى وسط المدينة حيث دور السينما وجمعية «الفيلم» ونادى «السينما» ومبنى التليفزيون الذى كان يقدم منه برنامج «نجوم وأفلام»ــ حتى توفى فى صيف عام 1995 عن 54 عاما.
ولد فى محافظة الدقهلية يوم 12 مارس 1936 وما إن حصل على الثانوية العامة حتى جاء إلى القاهرة ليدرس الصحافة فى جامعتها ثم درس فى معهد السينما ومعهد التذوق الفنى وجرب أن يصنع أفلاما قصيرة لكنه لم يحرز نجاحا يذكر وإن تفوق فى كتابة النقد السينمائى وكرة القدم وقضايا الوحدة الوطنية.
سعى «عادل إمام» إلى التقرب منه وحاول أن يخطب وده وكثيرا ما تشاركا فى احتساء قهوة «الكابتشينو» التى اشتهر بها المكان لكنهما لم يتفقا فنيا أبدا.
بل من سوء حظ «عادل إمام» أنه عندما قدم أفلاما ترقى إلى مستوى النقد فى التسعينيات كان «سامى السلامونى» مريضا منعزلا بعيدا عن الحياة الفنية ثم فارق الدنيا.
كان الخلاف بينهما شاسعا.
«عادل إمام» يرى أن الموهبة تلمع كلما كثر استعمالها مثل الرمل الذى ينعم كلما داسته الأقدام وأن القبول بكل ما يعرض عليه مهما انخفض مستواه يحقق انتشارا بالتكرار والتراكم حتى يستطيع أن يصل إلى المستوى الذى يحلم به وربما جاء فيلم ما صدفة بخلطة سحرية يصبح بعدها نجما مثلما حدث فى «مدرسة المشاغبين» مسرحيا.
وكان «سامى السلامونى» يرى أن الموهبة تتبدد من كثرة استعمالها دون تنميتها مثل حذاء ضيق وهو خطأ وقع فيه غالبية نجوم الكوميديا الكبار (مثل عبدالمنعم إبراهيم وعبدالمنعم مدبولى وحتى فؤاد المهندس) ونجوم الكوميديا الشباب (مثل سعيد صالح ويونس شلبى وسمير غانم وجورج سيدهم).
ولم يتردد «عادل إمام» فى تبرير القبول بكل ما يعرض عليه من أدوار بأنه مسئول عن عائلة تريد أن تأكل وتشرب وتسكن وتلبس ويتعلم أطفالها فليس له إيراد آخر غير ما يتقاضاه من التمثيل.
أما «سامى السلامونى» الوحيد والمثالى والرومانسى فكان يرى أن الفنان لو استسلم لتجار السينما سيفقد قيمته ولو كانت النقود هدفا فلم لا يبيع «شاورمة» أو يوزع مخدرات؟
ولو كان «عادل إمام» يسخر ممن لا يعجبه بجرأة فيها الكثير من التجاوز فإن «سامى السلامونى» كان لا يقل عنه سخرية يضاف إليها حدة فى الحديث إذا لزم الأمر.
سخر «عادل إمام» من الحياة الخاصة التى يعيشها «سامى السلامونى» متأثرا بصور النجمات وعلاقته بهن وكان رد «سامى السلامونى» أشد قسوة.
حدث أن غضب «عادل إمام» منه قائلا:
«أنا خرجت من الطين وحفرت فى الصخر ومشيت على الأشواك والمسامير وقبلت بأقصر الأدوار وعشت على جنيهات قليلة حتى وصلت إلى محطة الاختيار بين ما أقبل وما أرفض وأنت قاعد فى التكييف تكتب بخنجر إذا لم يقتل فإنه يجرح».
ابتسم «سامى السلامونى» وهو يقول:
ــ التكييف الوحيد فى مجلة «الإذاعة والتليفزيون» التى أعمل فيها معلق على جدران حجرة رئيس التحرير وسينما مترو أو سينما ميامى حيث نشاهد حفلة الساعة الثالثة لنهرب من الحر. بحذر أضاف «عادل إمام»:
«لو جربت تمثل ستعرف قيمتى ولو جربت تخرج فيلما ستعرف قيمة الأفلام التى تمزقها بخنجرك أن الناقد فنان فاشل».
رد «سامى السلامونى»:
«ما تريح نفسك من النقاد وانتبه إلى شغلك ووفر وقتك ولا تقرأ ما أكتب عنك أو قف على الصحف التى تهاجمك لتطول قامتك كما يقول الفاشلون».
فى هذه اللحظة استرد «عادل إمام» ذكاءه وسارع بتغيير الحوار كما تعود عندما يجد نفسه فى مأزق وراح يروى «حكاية» تثير الضحك حتى لا يخسر أهم ناقد فى زمانه مهما وصل الخلاف بينهما.
لكن ما كان يثير غيظ «عادل إمام» ويرفع ضغط الدم فى عروقه إيمان النقاد بممثل كان يسخر منه ولا يعيره اهتماما هو «أحمد زكى».
أتصور أن «أحمد زكى» كان عقدته السينمائية.
وكان الغيظ يتحول إلى جنون عندما يتخيل النقاد أدوار «أحمد زكى» يؤديها «عادل إمام» أو العكس فقد كانت المقارنة تأتى بأحكام مؤلمة وظالمة فكل فنان ميسر للدور المناسب له.
وبينما كانت الناقدة «خيرية البشلاوى» لا ترى فى أعمال «عادل إمام» مشهدا واحدا يستحق الإشادة به فإن الضربة القوية جاءت من الناقد «أحمد يوسف».
«أحمد يوسف» ناقد يعرف ما يقول ومؤهل لما يقول فهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالى للنقد الفنى فى عام 1973 ونشر العديد من الكتب المترجمة منها «تاريخ السينما الروائية» ومنها «فن التمثيل السينمائى» ومن الكتب المؤلفة «محمد خان ذاكرة سينمائية تتحدى النسيان» و«نادية لطفى والنجومية بلا أقنعة» و«سياسة عادل إمام رسائل من الوالى» فى معارضة لفيلم «رسائل من الوالى» الذى لعب «عادل إمام» بطولته.
جمع «أحمد يوسف» كل ما كتب بنفسه عن «عادل إمام» فلم نجد مقالا واحدا ينصفه وهو يقر بأنه رغم شعبية هائلة اكتسبتها أفلام «عادل إمام» فإن النقد الجاد كان يتجاهلها باعتبارها أفلاما «سوقية» لا تليق بالمثقفين برغم أنها على أقل تقدير تستحق التحليل الاجتماعى لتحديد التأثير السياسى الذى تحققه.
إنها فى رأيه شحنات سينمائية وهمية تبدو وكأنها معارضة للسلطة بينما هى فى خدمتها وتجلس تحت قدميها وتضعهما فى ماء ومالح تطفو عليها وريقات الورد.
لم تكن رسائل إلى الوالى ولكنها كانت رسائل من الوالى.
وبالتحديد يقصد «أحمد يوسف» أفلام التسعينيات أكثر من غيرها وهى أفلام لعب بطولتها «عادل إمام» ولكن كتبها «وحيد حامد» وأخرجها «شريف عرفة» واعتبرت أهم مرحلة سينمائية فى مسيرته الفنية.
لن نسبق الأحداث ولن نقفز عليها ونناقش هذه القضية الشائكة إلا فى مكانها وسياقها وترتيبها ووقتها المناسب.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق