تعد المرأة ذات الإعاقة.. واحدة من أهم الفئات الأكثر تأثرًا بالتعديلات القانونية التى يتم تداولها لقوانين الأحوال الشخصية.. حيث تواجه تحديات متزايدة فيما يتعلق بحقوقها الأسرية قانونيًا واجتماعيًا، سواء فى الزواج أو الطلاق أو الحضانة أو الوصاية. ورغم كل الجهود المبذولة لإطلاق إصلاحات تشريعية تعزز من حقوقها وتدعمها، فإن العديد من القوانين لا تزال بحاجة إلى تعديلات جوهرية تستجيب لاحتياجاتها ذات الطبيعة الخاصة. . فى اعتقادى، أنه من المفيد أن نراعى حقوق المرأة ذات الإعاقة فى ظل التوجه نحو إصدار قانون إنسانى عادل للأحوال الشخصية للأسرة المصرية.. يحفظ لها كرامتها ويصون لها حياة كريمة.
تحديات تاريخية
يمكن تحديد ما تواجهه المرأة ذات الإعاقة فى العديد من التحديات القانونية والاجتماعية والتاريخية والدينية. التى تؤثر بشكل سلبى على حقوقهن فيما يخص الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والحضانة والوصاية). ومن أبرزها:
1 – عدم قدرة العديد منهن على الحصول على حقوقهن بسبب التعقيدات الإجرائية والرسوم القضائية المرتفعة بسبب ظروفهن.
2 - نقص التسهيلات الخاصة بالمرأة ذات الإعاقة فى التعامل مع الجهات الحكومية والخدمية المتعددة، منها: المحاكم والجهات القضائية والشهر العقارى والمرور.. للحصول على حقوقها بعد الطلاق.. خاصة فى حالة تعنت الزوج ورفضه الوفاء بالتزاماته تجاه أطفاله.
3 - عدم الاعتراف بالاحتياجات الخاصة للمرأة ذات الإعاقة عند تحديد قيمة النفقة والحضانة. وتعرض أمهات الأطفال ذوى الإعاقة لصعوبات قيامها بالوصاية فى حالة وفاة الزوج.. بسبب حالة المعاملات المالية أو الصرف على الطفل وطلب الإذن من القاضى، والتعقيدات المتعلقة بحالات الحصر والتفريز.
4 - ضعف آليات الدعم القانونى والمجتمعى لتمكين المرأة ذات الإعاقة من ممارسة حقوقها الأسرية.. بشكل يحقق لها العدالة والمساواة مع غيرها.. خاصة فى حالة أن الولاية ليست لها.
مطالب عادلة
أسفرت التحديات السابقة عن وجود بعض المقترحات المنطقية العادلة القابلة للتنفيذ على أرض الواقع. على غرار:
1 - إعفاء المرأة ذات الإعاقة من رسوم التقاضى فى قضايا الأحوال الشخصية (النفقة والحضانة والوصاية..).. نظرًا للصعوبات الاقتصادية التى تواجهها المرأة ذات الإعاقة، وهو ما سيسهم فى ضمان حصولها على حقوقها دون تحميلها المزيد من الأعباء المالية، وهو ما يتسق مع الدستور فى تحقيقه لمفهوم المواطنة من جانب، واتساقًا مع سياسات الدولة المصرية وتوجهاتها بعد ثورة 30 يونيو من جانب آخر.
2 – إتاحة صرف نفقة مؤقتة من بنك ناصر الاجتماعى للمرأة ذات الإعاقة فى حالة إثبات هجر الزوج.. بما يضمن لها ولأطفالها نوعًا من الاستقرار فى المعيشة خلال فترة نظر القضية أمام القضاء.
3 – تبسيط الإجراءات المعقدة للمجلس الحسبى ووضع حد للصعوبات التى تواجه الأمهات ذوى الإعاقة أو الأمهات القائمات برعاية أطفال ذوى إعاقة، وزيادة الحد الأقصى للصرف، نظرًا لارتفاع تكلفة رعاية الأطفال ذوى الإعاقة.
4 – ضرورة تعديل قانون النفقة للمرأة ذات الإعاقة أو القائمة برعاية أطفال ذوى إعاقة.. ليأخذ فى الاعتبار المتطلبات الخاصة.. التى تحتاجها سواء من حيث الأدوية أو الأجهزة التعويضية أو خدمات الرعاية المتخصصة التى تحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة.
5 - تعديل قانون نقل الولاية التعليمية مباشرة للأم المطلقة أو الأم الأرملة القائمة بالرعاية للأطفال ذوى الإعاقة دون إجراءات روتينية معقدة وطويلة.. دون الحاجة إلى إجراءات قضائية طويلة الأمد. وعلى أن يتم تطبيق ذلك الإجراء على باقى الحقوق التى تتطلب أن يكون القائم بالرعاية نائبًا عن الشخص ذوى الإعاقة فى الحصول على خدماته، وعلى أن يتضمن القانون نصًا واضحًا يفرق بين الوصى والقائم بالرعاية.
6 - تحديد سن الحضانة للأطفال ذوى الإعاقة الذهنية بناء على التقييمات والتقارير الطبية المتخصصة لدرجة قدراتهم العقلية وليس العمر الزمنى.. لاحتياجهم المستمر للرعاية من قبل أمهاتهم.
7 - إنشاء مكتب أو إدارة متخصصة لتقديم خدمات للأشخاص ذوى الإعاقة فى وزارة العدل لتيسير الإجراءات المتعلقة بالتقاضى وإجراءات النفقة والرعاية، ومتابعة قضايا المرأة ذات الإعاقة فى المحاكم الأسرية.. كإجراء ضرورى لضمان سرعة الإجراءات، وضمان توفير دعم قانونى وإدارى مناسب لهن.
8 - اعتماد إنشاء جهة معتمدة حكوميًا لتوفير مترجمين متخصصين فى لغة الإشارة.. تجنبًا للتحديات التى يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية فى المحاكم. وتدريب المحامين على كل ما يخص قانون الإعاقة رقم 10 لسنة 2018 لضمان تمثيل قانونى أكثر فاعلية من خلال آليات وسلوكيات التعامل فى الدفاع عن الأم ذات الإعاقة أو الأم لأبناء ذوى الإعاقة أمام محاكم الأسرة.
9 – تعديل القانون لمنع إعادة إجراءات متكررة وغير ضرورية للقوامة على الأطفال ذوى الإعاقة الذهنية عند بلوغهم سن الرشد القانونى 21 عامًا.. لأنها الإجراءات نفسها للوصاية التى تم إثباتها سابقًا قبل بلوغ سن الرشد.
10 – إصدار وزارة العدل قرارًا بتوفير الإتاحة المكانية لتسهيل وصول المرأة ذات الإعاقة إلى الأدوار العلوية فى المحاكم لحضور الجلسات، وتمكينهن من ممارسة حقوقهن القانونية.. نظرًا لما تعانيه بعض السيدات من ذوى الإعاقة من صعوبات الحضور.
11 – إدراج وتضمين بنود خاصة فى قسيمة الزواج لضمان حقوق المرأة ذات الإعاقة فى حالة الطلاق، بما يؤكد التزام الزوج بتوفير الضمان المالى والرعاية الطبية اللازمة فى حالة إنجاب أطفال ذوى إعاقة.
12 – إقرار قانون الأحوال الشخصية من خلال بند مخصص بتخفيض الرسوم الدراسية للأطفال ذوى الإعاقة.. إذا كانوا فى حضانة الأم المطلقة أو الأرملة وتحت ولايتها التعليمية.. لضمان استمراريتهم فى التعليم.. دون أعباء مالية إضافية.
حوار مجتمعى مهم..
الجدير بالذكر، أن التوصيات المهمة السابقة جاءت فى سياق تقرير مهم ومتخصص صادر عن واحدة من جلسات الحوار المجتمعى التى عقدها المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة بالتعاون مع إحدى جمعيات المجتمع المدنى تحت عنوان «نحو قانون أسرة عادل وشامل» فى 8 سبتمبر 2024، وهى الجلسة الأولى من نوعها التى أدارها كل من: حسام الدين الأمير «المستشار الإعلامى للمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة»، ومحمد مختار «مسئول إدارة خدمة المواطن بالمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة».
وتأتى أهمية تلك الجلسة فى أنها مناقشة على أرض الواقع لمطالب وتحديات ومشكلات المرأة المطلقة ذات الإعاقة أو أمهات الأطفال ذوى الإعاقة. خاصة أن مشروعات قوانين الأحوال الشخصية التى طرحت خلال السنوات الماضية.. لم تراع احتياجات المرأة ذات الإعاقة، بل ولم تستمع لها.
خبرات دولية
هناك العديد من التجارب التى تعتمدها العديد من دول العالم من خلال سياسات متقدمة فى دعم المرأة ذات الإعاقة فى قوانين الأحوال الشخصية، وعلى سبيل المثال:
فى الولايات المتحدة.. توفير برامج للدعم القانونى المجانى للمرأة ذات الإعاقة، وهى تضمن لهن حق الحصول على مترجمين وخدمات قانونية متخصصة.
فى كندا.. تمنح إعانات مالية إضافية للأمهات ذوات الإعاقة أو اللاتى يقمن برعاية أطفال من ذوى الإعاقة بعد الطلاق.
فى السويد.. تطبق قوانين أكثر مرونة لضمان نقل الولاية التعليمية مباشرة إلى الأم دون الحاجة إلى إجراءات قضائية معقدة.
عن المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة
فى 9 سبتمبر 2024، نشر المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة بيانًا مقتضبًا ومختصرًا عن الجلسة المهمة التى عقدها قبل النشر بيوم. ولذا اهتممت بتناول ما جاء فى الجلسة بالكامل ليس فقط لأهمية ما جاء بها، ولكن لأنها أفكار.. خرجت من رحم المعاناة وعلى لسان المرأة ذات الإعاقة نفسها أو المرأة القائمة برعاية أطفال ذوى إعاقة. ولا أبالغ.. إن كتبت أنها أفكار قيمة لم تخرج من خبراء أو متخصصين أو منظمات المجتمع المدنى وجمعياته.. وهى جميعها مطالب.. آن الأوان لتضمينها ضمن مقترح قوانين الأحوال الشخصية الجديدة.
أؤكد هنا على ما جاء فى البيان المختصر من أن مناقشة المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة لهذا الملف تمت مع أصحاب المصلحة المباشرة سواء مع المرأة ذات الإعاقة أو المرأة القائمة على رعاية أطفال ذوى إعاقة. وهو ما يأتى انطلاقًا من اختصاصات المجلس فى متابعة كل ما يخص شئونهم، والإشراف على مشاريع القوانين التى تخدمهم ومتابعة تفعيلها، وتماشيًا مع هدف المجلس الخاص بتعزيز وتنمية وحماية حقوق وكرامة الأشخاص ذوى الإعاقة المقررة دستوريًا ونشر الوعى بها.
نقطة ومن أول السطر
تمثل الأفكار السابقة من تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية.. فرصة حقيقية لضمان حقوق المرأة ذات الإعاقة، وحمايتها من كافة أشكال التمييز القانونى والاجتماعى ضدها. ولذا يجب أن تتبنى الحكومة هذه التوصيات لضمان تحقيق المواطنة فى إطار الدولة المدنية المصرية، والاستفادة من تجارب دول العالم فى هذا المجال.. حتى تتمكن المرأة ذات الإعاقة من ممارسة حقوقها بشكل إنسانى.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق