يبدو أن كندا قد وجدت ضالتها أخيرا فى العثور على شخص ثرى يجيد لغة النقود والمساومات وصفات أخرى تؤهله للتعامل مع الجارة الأمريكية المزعجة ورئيسها الجامح دونالد ترامب!
مارك كارنى
يحمل «مارك كارنى» خليفة ترودو، الكثير من الصفات والمواهب والسلوكيات التى يكرهها الرئيس ترامب وأنصاره فى منافسيه: دؤوب وموهوب قليل الكلام مدمن لعمله غير محب للاستعراض ولقبه المتعارف عليه هو «المقاتل حلاّل الأزمات الذى لا يخشى المواجهة».
يكره ترامب القوة ويفضل خنوع حلفائه وسماعه كلمة نعم سيدى دائما!
ربما لا يتمتع محافظ البنك المركزى السابق بخبرة سياسية، لكن بعض المحللين يقولون إن خبرته فى الأزمات المالية جعلت انتخاب مارك كارنى رئيسًا للبلاد ليس مفاجئًا حقًا.
يتولى كارنى المنصب فى وقت تخوض فيه كندا حربا تجارية كارثية محتملة مع جارتها وشريكتها الأقرب بعد إعلان دونالد ترامب عن ضريبة بنسبة %25 على جميع السلع الكندية، مع استثناء قطاعى السيارات والطاقة «كندا لن تخضع لأى متسلط»، سيدفعون الثمن «دولار مقابل دولار».
تتمتع التعريفات الجمركية بالقدرة على دفع الاقتصاد الكندى الهش إلى الركود «لم نسعَ لهذه المعركة، لم ولن تكون كندا أبدًا جزءًا من أمريكا بأى شكل من الأشكال، الكنديون مستعدون دائماً، الأمريكيون لا ينبغى لهم أن يخطئوا معنا، ففى التجارة كما فى الهوكى، ستفوز كندا»، فى إشارة إلى نهائى بطولة الأمم الأربع بين الولايات المتحدة وكندا قبل أسبوعين!
عمل «كارنى» محافظا للبنك المركزى لمرتين، ثم فى مدينة نيويورك كنائب للرئيس للشئون المالية لمدة استمرت 13 عامًا فى جولدمان ساكس ومن رواد دافوس، حيث يجتمع المنتدى الاقتصادى العالمى، وكان مشاركا بشكل كبير فى معالجة قضايا تغير المناخ.
كارنى، البالغ من العمر 59 عاما، أب لأربع فتيات، يعتبره الكثيرون معجزة مالية بعد عمله فى بنك الاستثمار جولدمان ساكس فى لندن وطوكيو ونيويورك، قاد مارك كارنى بنك كندا ببراعة خلال الأزمة المالية فى عام 2008 ، ثم أزمة إنجلترا، وهى المرة الأولى التى ينجح فيها بنك كندا فى تجاوز الأزمة المالية.
حرب تجارية
وصف كارنى التهديدات التى يشكلها ترامب بأنها «الأزمة الأكثر خطورة فى حياتنا»، وقال إن الولايات المتحدة تريد «مواردنا ومياهنا وأرضنا حرب تجارية شاملة وبلا معنى» ربما يعتقد الرئيس ترامب أن كندا سوف تستسلم. لكننا سنقف فى وجه المتنمر ترامب نحن متحدون وصامدون.
نهج السيد ترامب فى السياسة الخارجية هو المصلحة الذاتية، ويتعامل ببرود مع أى حديث عن المعايير الأخلاقية والمبادئ، والعلاقات الدولية القائمة على «القيم المشتركة».
السيد ترامب لا يفضل الديمقراطية. لقد أشاد بزعماء مثل - فلاديمير بوتين، وشى جين بينج، وحتى كيم جونج أون. إنه معجب بقوتهم ويحسد قدرتهم على التصرف دون مشرعين مزعجين أو إعلاميين ناقدين.
من الواضح أن السيد ترامب يعتقد أن هناك ثلاث قوى عظمى - الصين وروسيا والولايات المتحدة - وأن إقامة علاقات مرضية فيما بينها لها الأولوية على الأضرار الجانبية للدول الأصغر.
القوة والضعف يحلان محل الصواب والخطأ فى معجم السيد ترامب. وما يهم أكثر هو النفوذ.
وُلِد كارنى فى فورت سميث، وهى بلدة صغيرة تقع فى الأقاليم الشمالية الغربية النائية، حيث كان والداه يعملان مدرسين. التحق بجامعة هارفارد فى الولايات المتحدة، حيث لعب هوكى الجليد على مستوى الكلية، وحصل على درجة الماجستير فى أكسفورد فى المملكة المتحدة.
حقق ثروة طائلة من خلال عمله فى مجال الاستثمار المصرفى، حيث عمل فى نيويورك ولندن وطوكيو وتورنتو قبل أن يتم تعيينه نائبا لمحافظ بنك كندا فى عام 2003. وغادر فى نوفمبر 2004 لتولى وظيفة عليا فى وزارة المالية وعاد ليصبح محافظا للبنك المركزى فى عام 2008 فى سن الثانية والأربعين.
وقد نال كارنى الثناء على تعامله مع الأزمة المالية فى ذلك العام، عندما أنشأ مرافق جديدة للقروض الطارئة وأعطى توجيهات صريحة بشكل غير عادى بشأن إبقاء الأسعار عند مستويات منخفضة قياسية لفترة زمنية محددة.
وصل كارنى إلى لندن عازمًا على إحداث التغيير فى البنك المركزى. فقام بإدخال الأوراق النقدية البلاستيكية واتباع نهج جديد فى الاتصال يُعرف باسم «التوجيه المسبق»، والذى كان من المفترض أن يمنح المستثمرين فكرة أكثر وضوحًا عن الاتجاه الذى تتجه إليه أسعار الفائدة.
ولقد أثبت الابتكار الأول نجاحه الفورى وكان من أشد المعارضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، محذرا مرارا وتكرارا من المخاطر التى قد يتعرض لها الاقتصاد نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبى - مما أدى إلى اتهامات بأنه «الكاهن الأعظم لخوف المشروع»، لكن كارنى قال إنه من واجبه أن يتحدث عن مثل هذه المخاطر.
عندما هبط الجنيه الإسترلينى فى الساعات التى أعقبت نتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى عام 2016، ألقى كارنى خطابا متلفزا لطمأنة الأسواق بأن البنك سوف يفتح صنابير السيولة إذا لزم الأمر.
قالت آنا بوتين، الرئيسة التنفيذية لبنك سانتاندير: «يتمتع مارك بقدرة نادرة على الجمع بين يد محافظ البنك المركزى الثابتة ونظرة الإصلاح السياسى إلى المستقبل». وأضافت أن كارنى «أعاد الاستقرار إلى السفينة» فى المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
غادر بنك إنجلترا فى عام 2020، ثم عمل مبعوثًا للأمم المتحدة بشأن التمويل وتغير المناخ، واستمر فى الكتابة والعمل فى مجال أكد عليه بصفته محافظًا: الحاجة إلى أن تلحق الأسواق المالية بمخاطر أزمة المناخ
فى كتابه الصادر عام 2021 بعنوان «القيمة» - والذى حمل عنوان جانبى «دليل الاقتصادى لكل ما يهم» - تناول كارنى الفكرة بمزيد من التفصيل، وهاجم الرأسمالية التى يقودها التمويل على نطاق أوسع، لأنها فقدت التركيز على احتياجات المجتمع.
ورغم أن طريقه إلى المنصب السياسى كرئيس للوزراء خلفا لترودو بدا غير عادى، فقد قال كارنى لأنصاره: «إن أوقاتنا ليست عادية على الإطلاق.. فلدينا جار يتصرف بغرابة ولديه تخيلات من المستحيل أن تحدث»، وعلى ضوء تصريحات كارنى التى اعتبرها ترامب تحديا له قام فى اليوم التالى بالإعلان عن افتتاح مكتب جديد تابع للبيت الأبيض خاص ببناء السفن أملا فى منافسة كندا فى أكثر صناعاتها الثقيلة رواجا وحسن سمعة!
ترامب وأطماع صناعة السفن
بعد استهزاء ترامب، بشركات بناء السفن الكندية واعلانه تدشين مكتب خاص تابع للبيت الأبيض وتقديم تسهيلات مغرية للمستثمرين, فامت كندا بعمل استعراض لقوة كاسحات الجليد الكندية وأن أحلام ترامب الطموحة غير واقعية، فجأه أعلن ترامب تأجيل فرض الرسوم الجمركية على كندا لمدة شهر وطلب ما يقرب من 40 كاسحة جليد لخفر السواحل الأمريكى.
وبحسب شركة بناء السفن الكندية «سيسبان»، المسئولة عن بناء اثنتين من كاسحات الجليد القطبية الثقيلة الجديدة لخفر السواحل فى البلاد.
كان بالفعل لدينا معلومات لخطة ترامب وجعبتنا لا تخلو من الأفكار التى تساعد على التملص من إجراءاته المحجفة الجامحة! وقال ديفيد هارجريفز، نائب الرئيس الأول لتطوير الأعمال فى شركة سيسبان: «لن يستطيع ترامب طلب أو بناء 40 كاسحة جليد، هذا أمر عدوانى للغاية - لا أريد أن أعارض ما قاله السيد ترامب، لكننى أود أن أقول إنه لا قدرة لصناعة بناء السفن الأمريكية على بناء هذا الكم المهول من السفن أعتقد أنه من العدل أن نقول إنهم غير قادرين [حاليًا] على القيام بذلك!
ما له أهمية وجودية هو الاقتصاد. ووجهة نظر ترامب هى أن كل دولة تقريبًا «تخدعنا» فى التجارة. وحجم العجز التجارى دليل على ذلك. كما يخدعنا حلفاؤنا فى قيامنا بالدفاع عنهم أيضا، والذى يكلف الولايات المتحدة بلا فوائد مصاحبة».
وأضاف أن «كندا تحاول أيضًا الحصول على جزء من الصفقة ما نحاول القيام به هو أن نكون مساهمين لجيراننا ونساعدهم لكن ترامب كالعادة يراوغ يريد ولا يريد امر غير مفهوم!».
قالت شركة دافى، وهى شركة بناء سفن فى كيبيك، لموقع ديفينس نيوز إن أحد أفضل العروض التى قدمتها كندا لأمريكا لم يحظ إلا بقدر ضئيل من الاهتمام. إذ تأمل أوتاوا، إلى جانب هلسنكى، فى تدشين عصر جديد من بناء السفن الأمريكية بناء أسطول جديد من كاسحات الجليد الحديثة لمساعدة أمريكا الشمالية فى الدفاع عن مياهها فى القطب الشمالى.
إن طموح الرئيس دونالد ترامب لبناء 40 كاسحة جليد جديدة فى الولايات المتحدة غير واقعى بالنظر إلى الحالة الحالية لصناعة بناء السفن الوطنية، والتى قد تتطلب من واشنطن طلب المساعدة من كندا، وفقًا لشركة بناء سفن كندية كبرى متخصصة فى بناء مثل هذه السفن!
ولإثبات حسن النوايا وافقت كندا على منحه ما يريد، لكن ترامب عاد يشكو قائلا: «نحن فى صدد طلب نحو 40 كاسحة جليد لخفر السواحل كاسحات جليد كبيرة وفجأة تريد كندا حصة من الصفقة. وأقول، لماذا نفعل ذلك؟».
فى مارس، أعادت الحكومة الأمريكية فرض أمر تنفيذى فرضت بموجبه رسوما جمركية على جارتها الشمالية بنسبة %25 على كافة السلع، و%10 على الطاقة الكندية، الأمر الذى أشعل فتيل حرب تجارية قارية. وردت أوتاوا بفرض رسوم جمركية انتقامية بنفس المعدل، لكنها فرضت على سلة أصغر من السلع الأمركية.
شارك ممثلو الحكومتين الكندية والفنلندية وجهات نظر مماثلة فى بيانات البريد الإلكترونى فى 4 فبراير، مشيرين إلى أن المناخ المتوتر الذى شوهد مؤخرًا بين كندا والولايات المتحدة لم يعرض التعاون فى إطار جهود التعاون الثلاثية لكسر الجليد للخطر.
الهند وكندا
فى غياب قاسم مشترك للتوفيق بين هذه وجهات النظر المختلفة، فمن المرجح أن تظل العلاقة بين الهند وكندا متوترة، على الرغم من العوامل الاستراتيجية الأوسع التى من شأنها أن تشجع على توثيق العلاقات التى من شانها عمل توازن تجارى أمام العملاق الاصفر الصينى.
يوجد غياب تفاهم مشترك بين الهند وكندا يظهر على الساحة من الحين والآخر يفسد كل شىء منها اتهامات متبادلة بالتدخل فى الشئون الخاصة وحوادث قتل وشبهات تجسس وسرقة تكنولوجيا، مقتل فرد من حركة خالستان التى تهدف إلى إنشاء دولة للسيخ شمال الهند وأخيرا الكشف عن عمليات استخباراتية مما أدى إلى طرد عدد من الدبلوماسيين من كلا الجانبين.
وتشمل المشروعات العملاقة بين الهند وكندا مشروع صن لايف فايننشال واديتا بيرلا جروب الهندية فيما استثمرت شركة سى بى بى انفستمنت ابرود 21 مبلغ مليار دولار.
الحسابات الاستراتيجية الهندية
إن الأهمية الاستراتيجية للهند بالنسبة لكندا،هى موازنة النفوذ الصينى المتزايد فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، ولهذا فالحذر هو سمة العلاقة الحالية فى مواجهة الصين وروسيا.
ترى الهند أن تحالفها مع الولايات المتحدة ضرورى لحماية مصالحها، نظرا لاختلال التوازن فى القوة مع الصين. ومن ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة أن الهند تشكل حجر الزاوية فى استراتيجيتها فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، من خلال مبادرات مثل الحوار الأمنى الرباعى. ويشمل الحوار الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وهو مصمم لتعزيز المنطقة باعتبارها قوس الديمقراطية.
لقد أدى الدعم الحزبى فى الولايات المتحدة لتعميق العلاقات مع الهند إلى توسيع الشراكات الدفاعية والاقتصادية، مع التركيز المتزايد على نقل التكنولوجيا باعتباره ركيزة أساسية لهذه العلاقة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق