بعد نحو ثلاثة أعوام على الحرب الروسية - الأوكرانية، شهد أقوى اتحاد فى العالم زعزعة غير مسبوقة سياسيًا واقتصاديًا، وواجهت التحالفات العالمية عددًا من اختبارات الصمود أمام قذائف الدب الروسى، حتى جاء رئيس البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب ليعلن عن بدء مرحلة جديدة من المفاوضات مع الحليف القديم فلاديمير بوتين لإنهاء هذه الحرب فى غضون أيام، ومع «طرد» الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى من البيت الأبيض ووقف الدعم الأمريكى لكييف أعلنت أوكرانيا موافقتها على هدنة 30 يومًا خلال قمة أوكرانية - أمريكية عقِدت فى السعودية ليعلن ترامب أن الكرة الآن فى ملعب بوتين ويؤكد أن رفيقه لن يقف أمام هذه الهدنة؛ بل سيتم تنفيذ شروطه أيضًا؛ فأوكرانيا ليس لديها الكثير للمساومة.
خطة ترامب واجهت عاصفة من القلق الأوروبى على مستقبل دوله السابعة والعشرين، وأظهرت قلقًا غير معهود على قوى التحالف الأوروبى، فمع بزوغ صعود تيارات اليمين المتطرف فى عدد من أقوى الدول الأوروبية، بالإضافة إلى تراجع أوكرانيا عن مواقفها فيما يتعلق بالتفاوض مع روسيا يؤكد أن السياسة الأوروبية الآن فى وضع غير تقليدى وأن القادم من ترامب قد يؤدى إلى زعزعة استقرار القارة العجوز أمام تحالفات جديدة.
شروط روسية
عقب الإعلان عن الموقف الأوكرانى بالموافقة على هدنة للحرب تقدر بـ30 يومًا، ومع مطالبة موسكو بلقاء مع الإدارة الأمريكية للتأكد من مخرجات القمة الأوكرانية - الأمريكية ودراسة الأوضاع بصورة أكثر واقعية، خاصة وأن كييف شرعت فى شن عدد من الهجمات بمئات المسيَّرات داخل العمق الروسى، أسفرت عن إيقاع قتلى ومصابين، وعطلت المرافق العامة، وخصوصًا حركة السكك الحديدية فى موسكو وضواحيها، وأصابت حركة الطيران الداخلى والدولى بالشلل.
واستهدفت الهجمات بشكل أساسى محيط موسكو ومنطقة كورسك المحاذية لأوكرانيا، حيث تم إسقاط 126 مسيرة، بحسب معطيات وزارة الدفاع. وقالت حاكمة مدينة دوموديدوفو الروسية (جنوب موسكو) يفجينيا خروستاليفا، إن 3 أشخاص قتلوا نتيجة الهجوم، ووقعت عشرات الإصابات الأخرى.
ووقع الهجوم الذى يعد الأضخم منذ اندلاع الحرب فى فبراير 2022، قبل ساعات من انطلاق جولة مفاوضات جدة.
وقد أعلن البيت الأبيض عن إرسال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، فى زيارة إلى موسكو لعقد اجتماع مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لبحث خطة الهدنة التى وافقت عليها أوكرانيا وباركها الرئيس الأمريكى.
فى غضون ذلك أكدت روسيا رفضها لأى وجود لحلف شمال الأطلسى (الناتو) على الأراضى الأوكرانية، فى حين أعلن قادة أوروبيون استعدادهم لإرسال قوات إلى أوكرانيا لردع أى عدوان إضافى بعد موافقة كييف على اقتراح أميركى بوقف إطلاق النار، رغم ترحيبهم بالاتفاق الذى تم التوصل إليه فى جدة.
وأكد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أن بلاده لن تقبل بوجود دول الناتو على الأراضى الأوكرانية تحت أى ظرف من الظروف.
وبحسب قول الوزير الروسى، فإن ترامب «لا يريد تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بقيادة فولوديمير زيلينسكى، ولديه وجهة نظره الخاصة بهذا الشأن، التى يعبر عنها بانتظام وبشكل مباشر».
ويرى الوزير الروسى أن «هذه الحرب لم يكن ينبغى لها أن تبدأ بالأساس» كما أن «أوروبا وبريطانيا تريدان استمرار كل ما يحدث، والطريقة التى استقبلتا بها زيلينسكى بعد فضيحة واشنطن تكشف عن رغبتهما فى رفع الرهانات، وتستعدان لعمل شيء ما لدفع إدارة ترامب إلى اتخاذ إجراءات عدوانية ضد روسيا».
قلق أوروبى
وبالتزامن مع تصريحات لافروف نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن قادة أوروبيين القول إنهم مستعدون لإرسال قوات إلى أوكرانيا «لردع أى عدوان إضافى بعد وقف إطلاق النار»، ومضيفة إنهم «قلقون للغاية بشأن روسيا التوسعية».
أما صحيفة «فايننشال تايمز» فنقلت عن وزير الدفاع السويدى بول جونسون قوله إن «أوروبا بحاجة لزيادة الاستثمار فى قدراتها العسكرية وتعزيز علاقاتها الدفاعية فى حلف الناتو من دون الولايات المتحدة».
واعتبر الوزير السويدى أن التعاون الدفاعى مع واشنطن «طريق ذو اتجاهين»، مضيفًا قوله «نرغب فى مواصلة التعاون مع الولايات المتحدة».
وتأتى هذه التصريحات فى وقت رحب فيه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بـ«التقدم الذى تحقق فى المحادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا» بشأن إمكانية إنهاء الحرب الروسية المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات.
عاصفة «ترامبية» تضرب استقرار أوروبا
منذ تولى ترامب منصبه فى البيت الأبيض، وتشهد العلاقات الأوروبية - الأمريكية تصدعات غير مسبوقة، على خلفية الحرب الروسية - الأوكرانية، وتراهن أوروبا على وحدتها، حيث حضر قادتها اجتماعًا فى بريطانيا لتوحيد الصفوف بعد ساعات من لقاء الرئيس الأوكرانى بترامب، قبل أن يعقدوا قمة طارئة فى بروكسل للسبب ذاته.
فى الثانى عشر من فبراير لعام 2025، خرج وزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث ليقول: «أستبعد عودة حدود أوكرانيا لما كانت عليه عام 2014»، وفى المساء ذاته أعلن بوتين عن مكالمة مطولة أجراها مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب، دون أى تنسيق سابق لها.
وفيما يبدو بأن القرار اتُخِذ، سبق هذا كلام للرئيس الروسى بوتين يصف فيه الأوروبيين بـ«الكلاب التى ستحرك ذيولها طاعة لترامب قريبًا».
وبعد ساعات بعد أن وبخ ترامب زيلينسكى فى البيت الأبيض، كانت كافية لكى يجتمع أكثر من 15 قائدًا أوروبيًا فى لندن برعاية رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، فى قمة حملت عنوانًا عريضًا مفاده أن أوروبا تستطيع الوقوف بمفردها ودون دعم أمريكى.
أوروبا التى تحاول جمع شتاتها، لا سيما بعد إيقاف الدعم الأمريكى لأوكرانيا مبدئيا، تدرك جيدًا أن الفراغ الأمريكى من الصعب سده على كل الصعد، خاصة على مستوى المساعدات المقدمة لأوكرانيا حاليا، والتى تمثل مساعدات أمريكا منها أكثر من ضعف ما قدمه الاتحاد الأوروبى، بينما يرى اليمين المتطرف بأن ما جرى مع زيلينسكى ليس مفاجئًا، ويخلق بتصريحاته التى أتت على لسان زعيمته فى فرنسا مارين لوبان تساؤلات حول وحدة الصف الأوروبى، بعدما أشادت فى حديث سابق لها بأجندة الرئيس الأمريكى واعتبرتها نذير انتصارات مستقبلية لمعسكر اليمين المتطرف.
المقترحات الأوروبية بخصوص تأمين الدعم الأوكرانى لم تتوقف منذ حادثة زيلينسكى، بل وصلت إلى حد اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنشاء صندوق دفاعى جديد يمكن أن يجمع نحو 800 مليار يورو، بهدف تعزيز الاستثمارات العسكرية داخل الاتحاد الأوروبى، وبواسطة قروض ستقدم لحكومات الاتحاد الأوروبى فيما من المتوقع أن تستخدم أوروبا 90 مليار يورو من صندوق التعافى الخاص كوفيد-19 لدعم هذه الخطوة.
أوروبا تستعد بـ«الضرب تحت الحزام»
واحدة من أسلحة أوروبا إذا ما استمر الخصام مع أمريكا التى فضلت عليها روسيا، هى مصادرة الأصول الروسية المجمدة فى الاتحاد الأوروبى.
حاليًا، تستخدم أوروبا الناتج عن هذه الأصول أو الفوائد التى تخلفها، فى سداد قروض دول مجموعة السبع لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار، ولكن الأصول الأساسية لا يتم المساس بها.
ويقول تقرير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إن مسئولين فرنسيين وألمانيين ناقشوا مقترحًا يقضى بمصادرة الأصول الروسية إذا انتهكت موسكو اتفاق وقف إطلاق النار المستقبلى فى أوكرانيا، حيث ستشكل 200 مليار يورو من الأصول المجمدة ضمانًا أوروبيًا وأوكرانيًا ضد روسيا، وورقة ضغط فى أى تفاوضات مستقبلية، فهل حقا ستجرؤ أوروبا على سرقة روسيا علنا؟ وماذا عن القانون الدولي؟
الخطوات الأمريكية الآن لإعلان الهدنة بين موسكو وكييف قد لا ترق للدول الأوربية خاصة وأن هذه التفاهمات خرجت دون تنسيق أوربى، مما يخرج جميع الدول الداعمه لأوكرانيا خارج صورة الهدنة المرتقبة، كما يضع دول الاتحاد فى صدام واضح مع الرئيس ترامب الذى يفضل خروج دول اتحاد القارة العجوز من المشهد السياسى ودعم حليفه الروسى بل وتوصيل صورة أن كييف لا تمتلك المفر من الهروب إلى الحل الأمريكى.
وفيما يبدو أن العلاقات الأوروبية - الأمريكية وصلت إلى طرق مسدودة على أكثر من صعيد، يبقى السؤال، كيف ستتعامل أوروبا مع التحديات الجديدة؛ الاقتصادية منها أولا، وعلى مستوى المظلة الأمنية الأمريكية ثانيا؟
وهم «ترامبي» لحماية بوتين
فى مقال للصحفى الروسى المستقل أليكسى كوفاليف، بمجلة «فورين بولسي»، أوضح فيه، أن بلاده تخسر الحرب التى تخوضها ضد جارتها الغربية أوكرانيا، خلافا للفكرة التى حاول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونائبه جيه دى فانس ترسيخها فى ذهن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى أثناء اللقاء الذى جمعهم داخل البيت الأبيض أواخر الشهر الماضى.
وأوضح كوفاليف، فى مقاله التحليلى، أن ادعاءات الرئيس الأمريكى ونائبه لا تتوافق مع الواقع على الأرض، وهذا بالضبط ما يريد الرئيس فلاديمير بوتين من ترامب أن يعتقده.
فبالنسبة لبوتين، فإن الحديث عن أن انتصار روسيا فى الحرب أمر حتمى يجعلها تبدو فى عيون الغرب قوة لا تُقهر، والأهم من ذلك أنها رواية تروج لفكرة مفادها أن أى مساعدة لأوكرانيا غير مجدية ولا تؤدى إلا إلى إطالة أمد الحرب.
ويزعم الصحفى الروسى أنه بات من الواضح أن واشنطن اصطفت إلى جانب موسكو فى وقت يقدم ترامب لبوتين تنازلات دون مقابل، من بينها تعليق المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا.
تلاعب بوتين بحركة «ماجا»
ويشير أليكسى كوفاليف إلى أن الجيش الروسى يعانى نقصًا خطيرًا فى مخزوناته من الدبابات والمدرعات وحتى الشاحنات، مما اضطره إلى اللجوء إلى استخدام الخيول والحمير فى نقل الإمدادات. هذا إلى جانب الخسائر الفادحة فى الأرواح وسط جنوده.
ونقل كوفاليف عن بيانات مفتوحة المصدر أن الحرب فى أوكرانيا أودت بحياة 96 ألف جندى روسى نظامى، وربما يكون العدد الفعلى يناهز 160 ألفًا.
وجاء فى مقال فورين بوليسى أن رواية الكرملين عن أن روسيا ذات الموارد غير المحدودة تتقدم بلا هوادة، هى مزاعم انطلت على ترامب وأنصار حركة «ماجا» المؤيدة لترامب.
ووفقا للمقال فإن إخفاق روسيا وخسارتها الحرب يعنى أن مستقبلها بأكمله أصبح قاتمًا الآن. وفى منشور وجد رواجًا واسعًا على وسائل التواصل، قال المدون القومى الروسى موديست كوليروف إن الحرب «أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن روسيا الجديدة ليست سوى شبح باهت لروسيا التاريخية، سواء بمسمياتها القديمة: الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفياتي».
ويختم الصحفى الروسى مقاله بالقول إذا كان ثمة فرصة لروسيا للفوز بهذه الحرب، فلن يكون ذلك بسبب إنجازاتها العسكرية فى ساحة المعركة، بل لأن بوتين أقنع ترامب وفانس وأعوانهما فى حركة «ماجا» بأن روسيا تملك كل الأوراق الوهمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق