كتب
الحسين عبدالفتاح
منذ فجر التاريخ، ومصر تقدم أبناءها فداءً لوحدتها وحريتها. اختص الله مصر برجال هم خير أجناد الأرض، رجال نذروا حياتهم للدفاع عن وطنهم، وارتضوا الموت فى سبيل أن تظل راية مصر خفاقة.
دماء الشهداء ليست مجرد قطرات أُريقت على أرض المعركة، بل هى شواهد خالدة على أن الدفاع عن الوطن شرف لا يدانيه شرف، وأن التضحية من أجل الأرض والعِرض أمانة يحملها الرجال فى صدورهم.
«إرث» البطولة والتضحية
عندما تروى أرملة الشهيد العميد، أحمد كمال محمود عبدالفتاح، تفاصيل استشهاده، يتجلى أمامنا معنى التضحية الخالصة. فارق الشهيد أحمد كمال الحياة خلال عملية «حق الشهيد 2» فى منطقة المنبطحة بوسط سيناء.
تم ذلك أثناء قيامه بدورية عسكرية، رُصد من قبل الجماعات التكفيرية التى زرعت عبوات ناسفة فى طريق القوات. انفجرت المركبة التى كان يستقلها الشهيد، ليقدم روحه فداءً للوطن، وتُسقى أرض سيناء بدمائه الطاهرة.
تحكى السيدة سماح، أرملة الشهيد، أن أحمد كان أصغر إخوته، لكنه كان كبيرًا فى أخلاقه وطيبته، ما جعله محبوبًا من الجميع. كان الشهيد أحمد أبًا محبًا، لديه ابنة تُدعى داليا حاصلة على بكالوريوس إعلام بتقدير امتياز، وولد يُدعى محمد يدرس علوم الحاسب.
ترك الشهيد خلفه أربعة شقيقات وأخًا يعمل مهندسًا زراعيًا، لكن أعظم ما تركه هو سيرة طيبة وأثر خالد فى قلوب كل من عرفوه. تقول أرملته: كان قدوة فى عمله وسلوكه. خدم فى الكلية الحربية، ثم التحق باللواء 53 بالجيش الثالث الميدانى.
تضيف: رغم مشقة العمل الميدانى فى سيناء، كان يتقدم الصفوف، مؤديًا واجبه بشجاعة نادرة. حصل على تكريم من وزير الدفاع السابق الفريق أول، صدقى صبحى، تقديرًا لشجاعته فى مواجهة الإرهاب.
ما يعكس نبل الشهيد وسمو أخلاقه أنه كان يرفض أن يتراجع عن أداء واجبه، حتى بعد تعرضه لحادث كاد أن يودى بحياته. هكذا أكدت أرمتله: فى إجازته الأخيرة، زار والده المريض وطلب من أشقائه ألا يتحمل أحد مسئولية رعاية والده سواه.
كان العميد، أحمد كمال دائم الحديث عن الشهادة، ويعتبرها فخرًا لعائلته إن اختاره الله لها. بعد استشهاده، ظهر أثره الطيب فى حياة الناس. تواصلت إحدى السيدات مع أسرته بعد أن شاهدت صورته على مواقع التواصل، لتخبرهم أنه ساعد ابنتها فى إجراء عملية قلب مفتوح عندما التقاها فى العريش. لم يكن أحمد مجرد ضابط فى الجيش، بل كان إنسانًا نذر نفسه لوطنه وأهله.
التضحية عنوان الوفاء
أما السيدة رحاب عبدالغنى، زوجة الشهيد العقيد أركان حرب، أحمد شحاتة عبدالمقصود، فتروى تفاصيل استشهاد زوجها فى 25 فبراير 2020، خلال عملية عسكرية فى منطقة كرم القواديس. أثناء تنفيذ عملية تمشيط للمنطقة، انفجرت عبوة ناسفة زرعتها العناصر التكفيرية، ليُستشهد أحمد فى ساحة المعركة، مضحيًا بحياته كى تبقى مصر آمنة.
كان الشهيد، أحمد شحاتة، نموذجًا للجندى المصرى المخلص. التحق بسلاح المشاة، ثم انضم إلى قوات الصاعقة، وحصل على فرقة سيل والتدريب فى القوات الخاصة 777. خلف الشهيد وراءه طفلين: حبيبة (16 عامًا) ووليد (12 عامًا). ورغم صغر سنهما، فإنهما يحملان فى قلبيهما فخرًا بأن والدهما بطل قدم روحه فداءً لمصر.
تحكى السيدة رحاب أن زوجها كان مؤمنًا بواجبه العسكرى، ويرى فى استشهاد زملائه دافعًا للمضى قدمًا فى الدفاع عن الوطن. لم يكن يفكر فى نفسه، بل كان يرى أن حياته ملكً للوطن. كان دائم الحرص على دعم زملائه، ويبادر بتقديم نفسه فى العمليات الصعبة.
بعد استشهاده، ظلت سيرته العطرة تتردد على ألسنة زملائه وأهل منطقته. كان مثالًا للأخلاق والكرم، لا يترك سائلًا إلا وأجابه، ولا محتاجًا إلا وساعده. كانت شهادته فخرًا لعائلته، وجعلت أبناءه يسيرون على درب الوفاء لوطنهم.
عرفان التكريم الرسمى
لا تنسى القوات المسلحة ومؤسسات الدولة المصرية تضحيات الشهداء. تحرص القيادة العامة على تكريم أسرهم فى احتفالات رسمية، وتقديم الدعم المادى والمعنوى لهم. التكريم ليس مجرد إجراء رسمى، بل هو رسالة بأن دماء الشهداء أمانة فى أعناق المصريين جميعًا. الدولة توفر لأسر الشهداء مزايا عديدة، بدءًا من تقديم الرعاية الصحية والتعليمية، مرورًا بإعطائهم الأولوية فى فرص العمل والدعم الاجتماعى. تكريم الشهداء لا يتوقف عند حدود الاحتفالات، بل يمتد إلى تسمية المدارس والشوارع بأسمائهم، تخليدًا لذكراهم.
أهالى الشهداء، رغم الألم، يحملون الفخر بأن أبناءهم قدموا أرواحهم لتظل مصر آمنة. تؤكد السيدة رحاب، أرملة الشهيد أحمد شحاتة، أن كل أسرة شهيد تعتبر أن دماء ابنها هى الثمن الذى يُدفع من أجل بقاء مصر.
رسالة أهالى الشهداء
تؤكد أسر الشهداء أن دماء أبنائهم ليست غالية على مصر. الفخر بأن يكون الابن شهيدًا هو شعور لا يدركه إلا من ذاق مرارة الفقد وعزة التضحية. أبناء الشهداء يسيرون على خطى آبائهم، مؤمنين بأن الدفاع عن الوطن هو واجب مقدس.
تحكى أرملة الشهيد، أحمد كمال، أن ابنتها داليا وابنها محمد يحملان اسم والدهم بفخر. كل خطوة فى حياتهم هى امتداد لتضحية والدهم. أما أبناء الشهيد أحمد شحاتة، فإنهم يقتدون بشجاعة والدهم، ويؤمنون بأن مصر تستحق أن تُفدى بالروح والدم.
فى قلب كل أسرة مصرية شهيد، وفى كل بيت ذكرى لفارس ترجل دفاعًا عن الأرض والعرض، ورغم الألم الذى يعتصر القلوب، يبقى الفخر بأن أبناءهم وقفوا سدًا منيعًا فى وجه الإرهاب، وقدموا أرواحهم كى تنعم مصر بالأمن والاستقرار. أهالى الشهداء، رغم جرح الفقد، يرفعون رؤوسهم فخرًا وعزة، مرددين: «دماء أبنائنا لا تُغلى على مصر».
فى المقابل، تظل التضحية أرفع درجات الإيمان بالوطن، وستظل مصر قوية ما دام فيها رجال يواجهون الموت بشجاعة، ويقدمون أرواحهم فداءً لها. دماء الشهداء أمانة فى أعناق المصريين جميعًا، وتكريمهم واجب وطنى. وسيظل الشهداء أحياء فى قلوب المصريين، وتظل تضحياتهم نورًا يُضىء طريق الأجيال القادمة.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
0 تعليق