أستطيع اليوم القول أن تهديد السد الإثيوبي للأمن المائي المصري قد انتهى بغير رجعة ، إلا في هوامش يمكن تداركها . كان الخلاف المصري الإثيوبي على فترة الملء الأولى لبحيرة السد هو الخلاف الأول ، ثم الخلاف من بعده على أي عملية ملء أخرى تحتاجها البحيرة خلال فترة جفاف ممتد . الخلاف الأول تمثل في رغبة مصر في أن تتم عملية الملء الأولي على مدة لا تقل عن سبع سنوات حتى لا تستهلك مصر مخزونها المائي في بحيرة ناصر .

وكانت إثيوبيا تصر على إتمام الملء في ثلاث سنوات فقط دون أدنى اعتبار لتضرر مصر ، بل بالتعمد الواضح لإلحاق الأذى بالمحروسة إرضاء ومغازلة لقوى إمبريالية وإقليمية . لكن التعثر في بناء السد تكفل بتعطيل الملء لما يزيد عن عشر سنوات . المخزون الحالي من المياه في بحيرة السد الإثيوبي يصل إلى 60 مليار مترا مكعبا ، مما سيجبر إثيوبيا على تفريغ 20 مليار مترا مكعبا قبل حلول موسم الأمطار على الهضبة الإثيوبية في شهر يوليو القادم ، وهو ما يساوي ثلث مخزون السد من المياه . وإلا فاض الماء وتحول السد إلى هدار تتدفق المياه فوقه .

يحدث هذا بينما بحيرة ناصر محتفظة بكامل مخزونها ، وفروع توشكى عامرة بالمياه . أما في حالة حدوث جفاف ممتد في سنوات قادمة ، فسوف تضطر إثيوبيا لإطلاق المياه من “مخزون” البحيرة لتشغيل توربينات السد لتوليد الكهرباء ، وسوف تصل تلك المياه إلى مصر ، بدلا من أن تضطر مصر لأخذها من بحيرة ناصر . نجاح مصر في الإدارة السياسية لهذه الأزمة الكبرى اعتمد على وجود بنك المياه المصري المتمثل في بحيرة ناصر العظيم ، ورصيد الخبرة الهيدروليكية لدى أعرق مؤسسات مصر وهي وزارة الري ، والقيادة الحكيمة التي لم تتأثر بغوغاء الدهماء ، ولا شماتة الخونة ، ولا توريط الإيعاز بالحرب من رئيس أكبر دولة في العالم .