: نحو تربية شبابٍ سوي: تنوير العقل !!

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم

( أديب وروائي)

الإنسان في رحلة الحياة يشبه سفينةً تمخر بحراً بعيد الشطآن قليل المراسي في سفرٍ طويل، ولإن البحر واسع تحفه المخاطر قلما تنجو فيه السفينة ما لم تكن مع ربَّانها بوصلةٌ تعينه على معرفة الطريق الصحيح لا يفتأ يستعملها ليلاً ونهاراً ويُحَكِّمُها في كل صغيرةٍ وكبيرة حتى تصل السفينة إلى بر الأمان.
وإذا كان الإنسان هو السفينة والحياة هي البحر العظيم تتلاطم أمواجه وتكثر أعاصيره وأمطاره، فإن العقل -بلا شك- هو البوصلة المرشدة وهو سرُّ الوصول الناجح.

من هنا كان لِزاماً على الآباء والأمهات والمربين وكل من له يدٍ في تربية الأبناء أن يُعنوا جيداً بتثقيف العقل وتهذيب تعاليمه وتنقية قناعاته ومعارفه، فعقلُ الإنسان هو قائدُه ومرشدُه في رحلة الحياة، ومن المعلوم أنّ العقل هو آلة الإدراك والتمييز عند بني البشر، وبهذه الآلة فضّله الله تعالى على كثير ممّن خلق، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وإنّ الناظر في آيات القرآن العظيم يجدُ أنّه اشتمل على عشرات الآيات التي تدعو إلى التعقّل، والتدبّر، والنظر، والتفكر، وما في معانيها.

وانظر إلى قول الشاعر العربي:
ألم تر أن العقلَ زينٌ لأهله … وأن تمامَ العقلِ طولُ التجاربِ

فالعقل المستنير هو الذي يُزين الإنسانَ ويجعله ناجحاً محبوباً ذا رأي صائب وتجارب نافعة ونظرة صحية للحياة وأحداثها.

لكن عقل الشاب في كثيرٍ من الأحيان لا يكون حرّاً بل مكبلاً بقيود عنيفة لا ترحم ولا تتهاون، وقد كثُرَتْ في زماننا تلك القيود واستفحلتْ لتشمل المشتتات الخارجية والمغريات المحيطة والتحديات المُحبطة ما جعلَ التربية واحدة من أشق مسئوليات الحياة، فما بين غزو التكنولوجيا واندثار القيم والمبادئ وتهميش العادات والتقاليد القويمة والسقوط في بئر العزلة الاجتماعية والمتاعب الاقتصادية أصبح الشاب يعاني مر المعاناة في مواجهة جيوش التحديات المرهقة التي تستنفذ طاقاته وترهق ذهنه وتدعه حيراناً في دنيا المعاناة.

وأحد أصعب مكبلات العقل ومعطلات تفكيره هو الوجدان أو العاطفة لإنها تشل العقل عن التفكير السليم وتشوش على قراراته فتكون النتيجة في كثير من الأحيان سلبية. وإذا كان للعاطفة والمشاعر تأثير في قرارات الكبار فتأثيرها أعظم عند الشباب، ذلك أن العاطفة تبلغ أقصى درجات تحكمها في تلك السن الحرجة. فإذا أضفنا إلى ذلك عدم نضج العقل وقلة الخبرة وضعف الثقة في الآخرين وفي النفس تكون النتيجة كارثية. وهذا يؤكد أهمية دور الآباء والأمهات في مصاحبة أبنائهم وبناتهم في رحلة الحياة ليكملوا -بنضجهم وخبراتهم ومحبتهم- أي قصور عندهم في التفكير، فهم يشاركونهم اتخاذ القرارات الهامة ويعاونوهم في حل مشكلاتهم اليومية كَبُرَت أو صَغُرَت، ويزينوا لهم خططهم وأحلامهم بإخلاص ومحبة وصبرٍ لا يعرفُ الانتهاء.

وبناءً على ما سبق يتأكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن التربية الصحيحة تهتم بتنوير العقل وتثقيفه وتعليمه وتحريره من الخضوع للعاطفة وحدها أو اتباع الوجدان بغير تعقل، لكن السؤال المهم هو “ما هي وسائل تنوير العقل؟”، و “كيف ننجح في ذلك؟”

بدايةً وقبل كل شيء “الدين”. لا شك أن التعاليم الدينية الصحيحة مصباح منير يساعد الشاب على التخلص من ظلام الأيام وعقباتها المؤلمة، فجميع الكتب السماوية وعلى رأسها القرآن الكريم حثت على إعمال العقل واستخدامه في التعرف على الخالق والتدبر في ملكوته وإدراك عظيم آياته في النفس والكون وجميع المخلوقات. فكم من آيةٍ في القرآن نقرأ فيها “لعلكم تعقلون”، “لعلكم تتفكرون”، “لقومٍ يعقلون”. لذلك أول ما يجب على الآباء والأمهات هو تعليم أبنائهم مبادئ الدين الصحيحة بعيداً عن الغلو والتطرف والانغلاق، وأن يربوهم على تعاليم الدين وشرح قيمه ودروسه وتعريفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة وأصحابه الكرام ليتخذوا منهم قدوات ونماذج للنجاح مطبقين قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.” ولا خلاف على أن تعاليم الدين هي أفضل ما ينور العقل ويهذب فكره وينشط قدرته، فأي خيرٍ يُرتَجى من عقلٍ ليس فيه جُرعة من دين تهذبه؟ ولا مبادئ من علمٍ يرقيه؟ فما النتيجة الحتمية لتنوير العقل بالدين؟ والله إنها لعظيمة: فما الدين إلا الرحمة والحكمة والأخلاق الحميدة والصفات الراقية والقصص النبيلة، وإذا كانت تلك هي مادة الدين وعصارة تعاليمه، فإن الخير كل الخير أن يرتشفها العقل بدون خوفٍ أو قلق، فكما أشرنا في بداية المقال، هناك علاقة وطيدة غير قابلة للنفي تربط بين العقل والقلب، وتصل الفكر بالوجدان.

ثانياً: تطبيق القاعدة الشهيرة والحكمة العظيمة التي نعرفها جميعًا، ألا وهي (العقل السليم في الجسم السليم). أنها حقيقة أقرها العلمُ الحديثُ وأثبتتها التجارب ولا حاجة لاثبات صحتها فكلنا نؤمن بها. من المهم جداً أن نهتم بصحة أبنائنا وتنمية أجسادهم لإنها السبيل إلى تنمية العقل وسلامة منطقه وتفكيره. ووسائل تنمية الجسم كثيرة منها التغذية السليمة وممارسة الرياضة المناسبة واتباع العادات الإيجابية التي تحفظ للجسم قوته وصحته ونقاءه. وإنها لمعضلة أن نوفق بين دراسة الأبناء والمواظبة على ممارسة الرياضة لكن في اتباع المبدأ القائل بأن (قليل دائم خير من كثير منقطع) حل واقعي لهذه المشكلة.

ثالثاً: كما أن غذاء الجسم هو الطعام وغذاء الروح هي العبادة فإن للعقلِ غذاء، ألا وهو العلم والمعرفة والثقافة. لكي نربي شباباً سوياً بشخصيات مهذبة وعقول مستنيرة علينا أن نحسن العناية بتلك العقول، فنمنحها قسطاً وافراً من العلم والثقافة والمعرفة والآداب والفنون وكل ما يرتقي بالإنسان، وعلى النقيض يجب علينا أن نصد عن عقول الشباب كل ما يلوثها من أفكار مسمومة وعقائد خَرِبة وثقافة تافهة وفنون ساقطة، علينا أن نرعى عقول أبنائنا ونكون نِعمَ الحصن الذي يحمي ويقي من الشرور ويصد كل هجوم مؤذي لا سيما ونحن نعيش في عصر العولمة والانفتاح واختلاط الهويات والتقليد الأعمى. وقنوات تنوير العقل كثيرة منها وأهمها القراءة ومشاهدة البرامج النافعة، ومنها الحوارات الهادفة البناءة تحت مظلة البيت وقيادة الوالدين. وهنا يلزم التنبيه على أهمية أن يقرأ الطفل والشاب بلغته العربية أولاً ثم تأتي اللغات الأجنبية في المقام الثاني، إذ ليس من المنطق أو الصواب أن يتفوق الإنسان في لغةٍ أجنبية ويهمل لغته الأولى بدعوى أنه لا فائدة من تعلمها، نعم أقول ذلك وأنا معلم لغة أجنبية في مدرسة دولية لإنني أؤمن بأن نجاح الإنسان وتفوقه يكون أولاً باتقانه لغته وتفوقه فيها والتفاخر بمنزلتها، ولشد ما يحزنني أنك ترى من الآباء والأمهات من يشجعون أطفالهم على إهمال اللغة العربية ويتفاخرون بإتقانهم للغات الأجنبية وما ذلك إلا لجهلهم أو عقدة النقص فيهم. انظر إلى هؤلاء الأجانب في بلادهم كيف يُجِلّون ويُقَدّرون ويفتخرون بلغاتهم الأصلية، وسل من سافر إلى أوروبا وأمريكا وتركيا واليابان والصين عن اعتزاز هؤلاء القوم بلغاتهم وإصرارهم على التحدث بها!

أخيراً وليس آخراً، لكي نحفظ على أبنائنا وبناتنا عقولهم ولكي نتمكن من تنويرها وتنقيتها من الشوائب علينا أن نكسب ثقتهم وأن نصحبهم في رحلة الحياة الشاقة بالرحمة واللين فكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع الرفق من شيءٍ الإ شانه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحريٌّ بنا أن نطمئن شبابنا وأن نكسبَ ودَّهم ونسكُبَ في نفوسهم محبتنا وحسن صحبتنا لكي نكون على قدر المسئولية ونتمكن من تنوير عقولهم وصيانة فكرهم وتهذيب سلوكهم وحسن إعدادهم ليكونوا من النابهين الناجحين السعداء. وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير لنا ولشبابنا.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??