: الروائي الكبير  محمد جبريل يكتب:قرارات المحكمة الدولية.. ولعبة التفاوض!

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

أحدثت قرارات محكمة العدل الدولية زلزالًا، تجاوزت تأثيراته الحرب الإسرائيلية على غزة، إلى الدول المعنية بالقضية الفلسطينية، سواء الداعية إلى حق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وتقرير مصيره، أو الداعمة للكيان الصهيوني.

أخطر الظواهر التى أفضت إليها هذه القرارات عودة نغمة التفاوض من جانب الزعامة الأمريكية، بما يتيح إضاعة الوقت حتى تنفذ إسرائيل مخططاتها.

إذا كانت واشنطن تملك حق النقض/ الفيتو عندما تحال إلي مجلس الأمن قرارات المحكمة الدولية لاتخاذ خطوات تنفيذها، فإن التحرك الأمريكي المفاجئ يستهدف خلط الأوراق، فيظل كل شيء على حاله في ما تبقى من الأرض الفلسطينية، حصار دائم لقطاع غزة يقارب عامه الثامن عشر، واقتحامات من المستوطنين اليهود ضد المواطنين العرب داخل إسرائيل، ومواطني الضفة الغربية، بينما قيادة السلطة الفلسطينية تصر على مواصلة التفاوض حسب اتفاقية أوسلو التي ألغتها الممارسات الإسرائيلية.

المساحات الشاسعة من أراضى الهنود الحمر لم تكن ترفض إقامة المغامرين الأوروبيين في أراض يطلبون فيها حسن الجوار مع أهل البلاد الأصليين. وانقرض خلال قرن واحد أكثر من تسعين قبيلة أمازونية، تلاشت أسماء التويى، آنومانيّا، أوروباتى، ماريتساوا، تسوفا، وغيرها.

حاول الصهاينة أن ينقلوا التجربة الأمريكية، أضاف إلى تحفيزهم ضيق مساحة فلسطين: الأرض لي أو لك!

استعاد اليهود شعارًا قديمًا للأوروبيين. كان قول الأوروبيين إن الهندى الجيد هو الهندى الميت، وقال اليهود: إن العربى الجيد هو العربى الميت. وهو ما تبدي في عمليات التدمير والإفناء التي مارستها سلطة الاحتلال قبل السابع من أكتوبر، وبعده.

اللافت أن تصريحات الساسة الإسرائيليين تركز على المعنى الوجودي. ذلك ما لا يصدر عن المصري أو السوري أو التونسي، وغيرهم ممن يشكلون امتدادًا لأجيال متعاقبة في بلادهم منذ آلاف السنين.

داخلت المشهد – منذ  السابع من أكتوبر – ملامح لم تكن موجودة، منها – على سبيل المثال – قرارات المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير الحرب جالنت، واعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، وهو ما سبقت إليه دول في أمريكا اللاتينية، فضلًا عن قرار – بأغلبية ساحقة – من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. كما تعددت تصريحات قيادات عالمية تؤكد على ضرورة التزام إسرائيل بقرارات المحكمة الدولية: سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا، جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي، حجة لحبيب وزيرة خارجية بلجيكا، وغيرهم.

من حق المقاومة، ومن واجبها، أن تلزم الحذر في لعبة التفاوض، بمعنى التنبه إلى العناصر الأساسية التي يجري عليها التفاوض، فلا يتحول إلى مجرد إهدار وقت لحساب سلطة إرهابية، تواصل حرب الإبادة دون أن تضيف ما يتيح الوصول إلى نتائج إيجابية فعلية.

المخططات الصهيونية – والشواهد متلاحقة منذ 1947 – تستهدف القضم، توالي المفاوضات، وتوالي القضم كذلك قوام الدولة العبرية. راجع ما احتلته إسرائيل بعمليات اغتيال وإجبار على النزوح قبل إعلان قيام الدولة، وانتهاكات الهدنة في حرب 1948 وما بعدها، ثم إشغال الفلسطينيين في مفاوضات عبثية انتهت باتفاق التزمت به السلطة الفلسطينية، بينما اعتبره المحتل مجرد كلمات على ورق، عرض بعده – في تواصل لا جدوى التفاوض – مقترحات وخرائط وأساطير ومزاعم ملفقة ومصادرة وتخويف (أذكرك بحصار الجيش الإسرائيلي لمقر ياسر عرفات في رام الله! )، إضافة إلى قرارات تعرضها الحكومة الإسرائيلية، ويوافق عليها الكنيست بابتلاع المزيد من المدن والقرى الفلسطينية.

تلاشت الاختلافات الواضحة بين القوي السياسية في إسرائيل، في مواقفها من قرارات المحكمة الدولية، وهو ما تبدي في الغارات الأشد تدميرًا للطائرات الإسرائيلية على كل مناطق غزة، ونقلت وكالات الأنباء تصريحات لوزراء في الائتلاف الحاكم، ولمعارضين، طفحت مفرداتها بكلمات لا صلة لها بلغة السياسة، ودعت إلى احتلال إلى كل غزة، وإلى البدء في بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية. بل ومصادرة أموال السلطة الفلسطينية المودعة في خزائن الاحتلال!

أوافق الرئيس الأمريكي في أنه لا وجه للمقارنة بين ما فعلته إسرائيل، وما فعلته حماس ( اختزل المقاومة في اسم تنظيم! ) لكن معنى موافقتي يختلف عن المعنى الذي يشير إليه الرئيس الأمريكي.

لقد التزمت واشنطن – دومًا – موقف المساند لكل الجرائم الإسرائيلية، مقابلًا لإنكار الحقوق العربية، وفى مقدمتها حقوق الشعب الفلسطينى.

لماذا لا يتحدث الرئيس الأمريكي عن القضية الأصل، وهي الكيان الذى فرض احتلاله على أرض الغير، وجعل من التطهير العرقى هدفًا، يسعى إلى تجسيده في الأرض التي احتلها، وما تبقى فى يد العرب من الضفة الغربية، وما يتخللها من مستوطنات صهيونية؟

لا وجه للمقارنة بين من يحتل، ويعتدي، وبين من يدافع عن حريته وأرضه. من الظلم أن نقارن بين فقد مستوطنين وجنود احتلال، لا يبلغ – حسب الروايات الإسرائيلية – أكثر من ألف وخمسمائة، وبين مواطنين فلسطينيين، يتجاوزون 35 ألف شهيد، وأكثر من 75 ألف مصاب، بالإضافة إلى الرقم الذي لم تعلنه المقاومة حتى الآن عن شهدائها.

إذا لم تكن المقاومة الفلسطينية قد أعلنت عن شهدائها، فذلك لا ينفي أنها دفعت ثمنًا غاليًا من خيرة الشباب الفلسطيني دفاعًا عن أرضه وحريته. من الظلم المدان أن تهدر أرواح هؤلاء الشباب على طاولات المفاوضات والاتفاقات والمناورات السياسية.

الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني حق دفع ثمنه عشرات الألوف من الشهداء، سواء المقاتلين، أو المدنيين من النسوة والأطفال، بالإضافة إلى التدمير الممنهج لكل ما يشي بالحياة في قطاع غزة.

الملاحظ أن نتنياهو مارس في الأزمة الحالية ما حرصت عليه إسرائيل في حروبها منذ بداية الاحتلال. أسباب خلط الأوراق شخصية، لكن الأساليب لم تتغير.

كما تعرف، فقد توالت تحذيرات المقاومة من الممارسات القاسية للمستوطنين والجيش الإسرائيلي ضد كل ما هو عربي، إلى حد أن اغتيال المواطنين الفلسطينيين، وتدمير البنايات، وإحراق الزراعات، ومنع مقومات الحياة – بلا مبررات حقيقية – صار توقعًا يوميًا.

اختزل نتنياهو المقاومة الفلسطينية في حركة حماس، واتهمها بالإرهاب، تناسى تعدد فصائل المقاومة، والتأييد اللافت للمقاومة عمومًا من الشعب الفلسطيني، وتناسي حقيقة أن إسرائيل قامت على الإرهاب، وأن قادة لها طاردتهم العدالة لقاء جرائمهم.

حتى ما روي عن بقر بطن سيدة إسرائيلية أعلنت وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية أن الرواية كاذبة، بل إنها تكرار لحادثة جرت في دير ياسين، عندما طبق الإرهابي الصهيوني سونكي بندقيته في بطن السيدة الفلسطينية الحامل، فماتت الأم، ومات الجنين.

هل يجترون ما صنعوه بنسبته إلى ذرية ضحاياهم؟!

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??