: د.خالد محسن يكتب: نموذج المواطن المثالي.. ومساقات التجربة الصينية !

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعـــلان

»»

كان وما يزال البحث عن صناعة نموذج مثالي عصري للانسان ، أملا سامقا، وهدفا ساميا راود أذهان الفلاسفة والمفكرين وعلماء علم الاجتماع والنفس قديما وحديثا.
كما يتطلع ثلة من هؤلاء النخبة للمستقبل ..لعل وعسى أن تفلح العقول الصناعية الموازية وتقنيات الذكاء الاصطناعي في إصلاح ما أفسده تقلبات الإنسان ومساعدته كي يجد نفسه من جديد ويعيد الاعتبار لفطرته وقيمه السوية.

وفي رحلة التفتيش حول العالم للتعرف علي التجارب الإنسانية والإجتماعية والقيمية ،وربما استقاء منطلقات منها تتواءم مع مجتمعاتنا العربية والإسلامية،وفقا لآلية “خذ من خليلك ما صفا ودع ما فيه الكادر”..
في هذا السياق لفت انتباهي التجربة الصينية لصناعة نموذج لمواطن مثالي عبر توظيف فريد لتقنيات الذكاء الاصطناعي الفائقة ،ووفقا لأدبياتها وأيديولوجياتها وقناعاتها الآنية والمستقبلية.
وعلي ما يبدو أنه اتجاه حضاري لإحداث التطوير النوعي وإكساب المزيد من المهارات الحياتية لثروة الموارد البشرية التي تتمتع بها الصين ،سعيا للمنافسة وربما مشاركة الآخر في القواسم المشتركة لتحقيق جودة الحياة من تحديث منظومة السلوكيات والقيم الإنسانية والثوابت الوجودية والمثل العليا التي تحفظ النفس والأرض ومحددات الهوية الوطنية.

ومن هنا فكّرت الصين في استغلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلف ،اعتبارا من عام 2020، فهي أمام مليارات البيانات تشرّح حال المواطنين، ما يأكلونه ويشربونه ويشترونه، ما يثير اهتمامهم أكثر، ما هي الأفكار التي تدور في عقولهم، ووصولا إلى ما يريدون فعله فبحسب التقنينات الحديثة، يمكن توقع أي سلعة ستشتريها في المستقبل حتى لو لم تُدرك أنت ذلك، فتحليل ما تبحث عنه كفيل بأن يؤدي المطلوب منه.

وفي هذا السياق رأت بكين كل ذلك، فبدأت قصة الـ “Data page”، والمقصود بها، تجميع كافة البيانات المالية التي تتعلق بمواطنيها، سواء البيانات المتواجدة في البنوك، أو الشركات الخاصة، أوالتي تجمعها من الأقمار الصناعية الخاصة من خلال المشتريات الـ”أون لاين”، أي بمعنى أكثر بساطة،صارت الدولة تعرف نوع السلع التي تشتريها، وثمنها، ومن يشتري بصورة فورية “كاش”، ومن يلجأ للتقسيط، ومن يبحث عن أكثر طرق التوفير ومن يبحث عن الجودة وهكذا.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد بدأت الصين أيضًا من خلال ملايين الكاميرات التي تملأ ميادينها، بمراقبة الصينيين ووضع الوجوه لتطابق حركة التتبع المالي من خلال الذكاء الاصطناعي وخاصية التعرف على الوجوه face recognition وتقديم تحليل لكل شيء يتعلق بهذا الفرد وكانت النتيجة هي وضع تصنيف بدرجات تشمل 950 درجة من خلالها يتم وضع المواطن وتقييمه هل هو مواطن نموذجي أم لا.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن التصنيف مالي بحت، وإن كان به بعض الجوانب الأخرى، فحسبما أشارت تقارير إلى أن التصنيف يهدف في النهاية إلى إعادة بناء مجتمع “أخلاقي”، ويشمل أيضَا سلوك المواطن على وسائل التواصل الاجتماعي، هل يقيم أداء الأجهزة الحكوميه سلبا أو إيجابا ، أم لا؟ هل يتظاهر بثروته وهو أمر ممنوع أم لا؟ والأهم هل يشارك في التبرع للحزب والشؤون العامة ،وهل يتبرع بالدم وكل تلك التصرفات نقاط يتم إضافتها إليك.

وهكذا صنعت الصين نموذجها الصارم الذي أسفر أن مدينة مثل “نانجينغ” وهي مدينة يبلغ سكانها 8 ملايين نسمة، عدد المواطنين النموذجيين فيها 18 ألف مواطن فقط، أما ما جائزة أن تكون مواطنا نموذجيا، فالإجابة إمكانية حصولك على امتيازات كثيرة مثل خصومات على جميع الخدمات العامة والتعليم المجاني والخدمات الصحية، معاملة أفضل في كافة المصالح الحكومية، ومزايا وعطايا حكومية أكبر من قبل إن كنت تحتاج قروضا شخصية وما إلى ذلك..
أما إن كنت خارج هذا التصنيف فأنك من الدرجات المنخفضة إذ يُنظر إليك كشخص غير مرغوب فيك، وقد تُوضع في قائمة سوداء بالأماكن العامة مثل عدم السماح لك بشراء تذاكر القطار فلا تستطيع السفر!
وهي تجربة تستحق القراءة ونقل إيجابياتها لمجتمعاتنا العربية ولأن تصدير النموذج جزء لا يتجزأ من عقيدة الصين، فلم تكتف بكين بما تفعله بمواطنيها من خلال الذكاء الاصطناعي و face recognition ، بل هي الآن تحاول تسويقه لدول أخرى تحت غطاء النمو الاقتصادي والحفاظ على المجتمع وأمنه، وربما لايروق للبعض تنفيذ هذا الفكر،او سيلقي عددا من التحفظات باعتباره ربما يمسى حرية المواطنين وخصوصيتهم، لكن الغاية الأسمي قد تبرر الوسيلة.

وفكرة الإصلاح وإعادة التأهيل هو أمر له شواهد بالعقيدة الصينية فقد اهتدي لهذه الحقيقة زعيم الثورة الشيوعية الصينية “ماوتشي يونغ”، حين تولي حكم بلاده في 1 أكتوبر 1949، ومن أجل تصدير النموذج الذي يريده، لم يجد أفضل من الإمبراطور السابق للصين “بويي” والمنفي في سيبريا تحت رعاية “ستالين”.
وقد تمت الصفقة، وعاد “بويي” الذي انتظر الصينيون سنوات طويلة لحظة القصاص منه ،وربما قتله ليندهش من أنهم لا يريدون حياته، بل يريدون “إعادة تأهيله” ليصبح مواطنا صينيا شيوعيا نموذجيا.
وكانت فكرة “ماوتشي يونغ”، إذا نجح تأهيل رجل يعد الأسوأ ضمن 5 رجال في العالم بالنسبة للصينين حينها، فمعنى ذلك أن الجميع قادر على التأهيل، وهذا ما نجح فيه، فسنوات قليلة مضت وفوجئ الصينيون بإمبراطورهم السابق وقد تحوّل إلى مواطن نموذجي، يفعل كل شيء بنفسه ومن أجل بلاده!.

ومع هذا التراجع شبه الملحوظ في احترام ثوابتنا الدينية والقيمية وانعكاساتها السلبية علي كل مناحي الحياة أتصور أننا في حاجة ماسة لتصميم نموذج المواطن المسؤول ،والتفكير جليا في إعادة بناء المواطن المصري وتصحيح بعض المفاهيم مساقات التربية والإعداد لمواجهة الحياة بحلوها ومرها ،دون أية تأثيرات سلبية بمتغيرات ومستجدات العصر.

إن أرض الكنانة في حاجة للمواطن المثالي الذي يعتز بهويته وتعاليم دينه ومتطلبات الولاء والانتماء..
ويعلم قبل كل شيء معني كلمة “وطن”،وهو يشهد بأم عينيه نماذج عديدة للمجتمعات، التي تنهار تدريجيا وجدانيا وماديا تاركة النموذج المموج للادولة!.

بلاد المحروسة تريد مواطنا لا يعرف الانانية وحب النفس والاستغلال والأنانية والنفعية والتمركز حول ذاته ومصالحه.
وفي عصر الذكاء الصناعي لا عجب،ولاغرار شريحة “أيلون ماسك” الطبية أن تبدع العقول الموازية شريحة الإنضباط الاجتماعي والقيمي،والتي تصدر تحذيرات عند قيام الشخص بسلوك اجتماعي أو أخلاقي خارج عن سياق المباديء والقيم الإنسانية العامة.

ورغم موجات المتغيرات الرقمية المتلاحقة ،لا يختلف المنصفون من أبناء الحضارة العربية والإسلامية أن التفوق الأخلاقي والتمسك بالهوية هي ركيزة صناعة مواطن نموذجي لديه هدف ورسالة .. إنسان فعال وناجح ونافع لنفسه ولوطنه،واينما حل ترك أثرا صالحا.

أتصور أنه وقبل الاستعانة بالآلة وبالعقول الموزاية فإن الله ألهم الإنسان الفطرة السوية والعقل الراشد والقلب الحكيم ..
لكن آفات وأمراض أبناء الأرض تدور في فلك العجب والكبر والقناعات،واحيانا رفض التعايش والتكيف مع الآخرين ،ورؤية سردية الحياة الدنيا من خلال منظار أسود ومرايا مكسورة!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??