فى إحدى العمارات القديمة بشارع شامبليون بمنطقة وسط البلد، التي يبدو من شكلها أنها مرت بعقود طويلة تبدلت فيها القاهرة مرارًا، تجد مكتبًا، ولدت فيه أفضل أفلام السينما المصرية.. هنا كان يعقد الراحل يوسف شاهين لقاءاته التحضيرية لأعماله، والتي اتسمت دائمًا بالأجواء المشحونة، فهو معروف بأنه سريع الغضب، يبحث عن الكمال، لذا لا يعجبه إلا الإتقان، الذي يصل لحافة المثالية، ما جعله يتعرض لضغوط كبيرة، كان يهرب منها بتدخينه السجائر بشراهة، والتي ما زلنا نشم رائحتها ليومنا هذا.. دخلنا إلى المكتب، الذي زينته أفيشات "إسكندرية ليه" و"المهاجر" وغيرها، إضافة إلى مكتبة وصور للمخرج الراحل، الذي جلس على كرسيه، يوسف الشاذلى، مدير عام سينما زاوية، الذي تحدث معنا عن الأعمال المرممة ليوسف شاهين، والتى وصل عددهم إلى 20 فيلمًا، ستعرض فى الفترة من 12 إلى 22 سبتمبر، بسينما كريم بشارع عماد الدين.

ترميم أعمال يوسف شاهين، التى بلغ عددهم إلى 35 فيلمًا، هو مشروع قديم لـشركة أفلام مصر العالمية، التى كان يمتلكها «شاهين»، وقد عملت طوال عامين في فرنسا لتنفيذه، حتي يعيدوا تقديم أعمال شاهين بجودة أفضل، حسبما أوضح «الشاذلى» فى تصريحات لـ«التحرير»، مشيرًا إلى أنهم استغلوا تزامن إعلان سينما زاوية عن نقل مقرها من سينما أوديون فى وسط البلد إلى سينما كريم بشارع عماد الدين يوم 12 سبتمبر، مع الذكرى العاشرة لرحيل يوسف شاهين، ليقوموا بعرض أعماله مرة أخرى، من خلال «زاوية».

ومن الأفلام التى تم اختيارها للترميم، «بابا أمين» إنتاج عام 1950، و«سيدة القطار» عام 1952، و«صراع في الوادي»،  و«باب الحديد» عام 1958، و«الناصر صلاح الدين» إنتاج 1963، و«فجر يوم جديد» عام 1965، و«الأرض» عام 1969، و«المصير» عام 1997، ولم تكن العملية أمرًا سهلًا، فقد واجه القائمون على هذا الأمر عدة مشاكل من أهمها، أن النسخ مع مرور الوقت تزداد حالتها سوءًا، ولا يوجد فى مصر إمكانات لذلك، ما يزيد من صعوبة الحفاظ عليها، كما أن إعادة ترميم تلك الأعمال بخارج مصر مكلف جدا، كما يقول «الشاذلى».

سينما زاوية ستجوب محافظات مصر مثل الإسكندرية والغربية وبورسعيد وغيرها؛ لعرض تلك الأعمال هناك، حسب شاهين، الذي يأمل في أن يتمكنوا من تقديم تلك الأفلام لأكبر شريحة من الجمهور، مؤكدًا أنهم لن يكتفوا بالعرض داخل مصر، فمن المقرر أن يخوضوا جولة فى فرنسا وأمريكا وإيطاليا على مدار عام 2018، ولذلك قدموا الأعمال بنسخة مترجمة باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

الشاذلى أوضح أنه سيتم عقد ندوات لمناقشة الأفلام، لكن لم يستقروا على الشخصيات، الذين سيحاضرون فيها، إضافة إلى ورش عمل لمحبي السينما، كما سيتم تنظيم معرض يحمل صورًا قديمة من أعمال المخرج الكبير.

هذه ليست المرة الأولى التى يهتم فيها القائمون على سينما زاوية بتقديم أعمال أحد نجوم عالم الفن، كما أكد الشاذلى، لافتًا إلى أنهم عرضوا قبل ذلك أسابيع عرض لأعمال كل من داوود عبد السيد ومحمد خان ومحمد الميهى، مؤكدا أن هذا جزء من عملهم فى زاوية.

أما بالنسبة لكواليس نقل سينما أوديو إلى كريم، عقب: «بعد نجاح تجربة زاوية خلال عامها الأول فى سينما أوديون، وإقبال الجمهور على الأفلام التى نعرضها، قررنا أن نذهب إلى منطقة أفضل، شرط أن يكون فى وسط البلد أيضًا، لأن الجمهور ارتبط بوجود زاوية فى هذا المكان»، منوهًا بأنه كان هناك العديد من المشاكل التقنية، التى كانت تواجههم فى المقر القديم التابع لسينما أوديون، لذلك جاءت خطوة الانتقال إلى سينما كريم، وقد استغرقت التجديدات 4 أشهر.

فى النهاية.. الجمهور متحمس لمشاهدة أفلام يوسف شاهين المرممة، التى ستبدأ بعرض فيلم «المصير»، كما أن القصص تلك الأفلام، التي قررت أن تنشرها زاوية على صفحاتها على «فيسبوك» قبيل عرض كل منها، لاقت استحسان الجمهور، وجعلتهم يسترجعون تاريخ السينما القديم مع زاوية.