بعض أفلام الجريمة التي استمتعنا بها مستمدة من أحداث واقعية، ونفذها أشخاص حقيقيون، ومن بينها أعمال لم يكن أحد يتوقع أن تكون حدثت بالفعل في الحقيقة.
الفن هو مرآة للواقع، وهو طريقة للتأثير على رؤيتنا وتغيير أفكارنا أيضًا، ومنذ النشأة الأولى للسينما وحتى الوقت الراهن وهي كانت وما زالت ملتصقة بالواقع بكل عناصره تتأثر به وتؤثر فيه، وأحد أهم وظائفها محاكاة الواقع وتسليط الضوء على الصناديق السوداء وتعرية الوجه القبيح، ومن ذلك مثلًا أن بعض أفلام الجريمة، التي شاهدناها واستمتعنا بها مستمدة من أحداث واقعية، ونفذها أشخاص حقيقيون على الرغم من العنف والقسوة المتواجدين بها، ومن بينها أعمال لم يكن أحد يتوقع أن تكون حدثت بالفعل في الحقيقة.
ولعل حادث قتل أطفال "الدقهلية" ذكرنا بذلك وبـأعمال الجرائم المقتبسة عن وقائع حقيقية، حيث بدا الأمر وكأنه قصة درامية، بل ومفزعة، البداية بخبر اختطاف طفلين من ملاهي مدينة ميت سلسيل بمحافظة الدقهلية، ليتم العثور عليهما من قبل الأهالي في اليوم التالي بإحدى ترع مدينة فارسكور التابعة لمحافظة دمياط، وبعد ساعات من التحقيق في قضية مقتل الطفلين، سلم والد الطفلين محمود نظمي نفسه لمركز شرطة ميت سليل بالدقهلية، واعترف بأنه قاتل الطفلين، لأنه كان يمر بظروف نفسية سيئة، ويشعر دائمًا بأنه لا يستحق أن يكون أبًا لهما.
والعديد من أفلام ومسلسلات الجرائم التي قدّمتها السينما أو التليفزيون مبنية على قصص حقيقية، ومنها:-
ابن حلال (2014)
يرصد المسلسل قصة "حبيشة"، شاب سافر من قنا إلى القاهرة لأجل العمل، ولا يجد أمامه غير العمل كـ"نقاش"، يتعثر في كثير من المشاكل بسبب فقره المدقع، ورغبته في العيش حياة كريمة هو ووالدته وشقيقته، تنقلب حياة هذا الشاب رأسًا على عقب بعدما يجد نفسه متورطًا في مقتل فتاة، ويتعين عليه النجاة بنفسه قبل فوات الأوان، يكشف المسلسل النقاب عن الكثير من المشاكل الكامنة داخل المجتمع المصري بكل أشكالها، وهو من بطولة محمد رمضان، وأحمد حاتم، وهالة فاخر، ووفاء عامر، وسارة سلامة، وإخراج إبراهيم فخر، وتأليف حسان دهشان.
ولأنه ليست السينما فقط التي قدّمت أعمال جرائم مبنية على قصص حقيقية، فالتليفزيون كذلك قدّم مسلسلات مرجعها الواقع، حيث أن المسلسل مأخوذ عن قصة مقتل "هبة" ابنة الفنانة ليلى غفران، وصديقتها "نادين"، في مدينة الشيخ زايد، صيف 2009، والتي تم تنفيذ حكم الإعدام على المتهم فيها محمود عيساوي بعد 5 سنوات من نظرها في ساحات المحاكم.
السفاح (2009)
تدور أحداث الفيلم حول شاب من عائلة مرموقة في المجتمع ولكن مفككة، أفرادها منغمسون في تحقيق مصالحهم الذاتية، فنشأ وحيدًا يبحث عن ذاته ويجد ضالته في عصيانه لأسرته وارتكابه الجريمة منذ نشأته، ويمر الزمن وتزداد قدراته الإجرامية وتوحشه في تنفيذ تلك الجرائم وتتنوع علاقاته بالمجتمع الإجرامي، نجده يشترك في عمليات تجارة السلاح وعمليات الاغتيال السياسية، ثم تقوده الأقدار في إقامة علاقة حب مع فتاة جميلة تغير معالم حياته ويشعر لأول مرة بمعنى الحب ودفئه، يحاول أن يحصل على الأموال لإقامة حياة جديدة مع حبيبته، يعقد النية على ارتكاب آخر جرائمه ليحقق ذلك، وهو من بطولة هاني سلامة وخالد الصاوي ونيكول سابا وإخراج سعد هنداوي وتأليف خالد عكاشة.
أما القصة الحقيقية فبطلها أحمد حلمي المسيري، وهو من أسرة غنية ومرموقة، وقد تحول لسفاح بالصدفة، حين ارتكب جريمة قتل أثناء قيامه بالسرقة حتى لا ينكشف، وعُرِف بلقب "سفاح المهندسين" بسبب جريمة ارتكبها بالمهندسين، حين اقتحم شقة أحد الأثرياء فقتل الخادمة وسرق الشقة، إلا أن أصحاب المنزل عادوا فقتلهما هما وحارس العقار وأحد الجيران، وقد تم القبض عليه عام 1994 وأُعدم في 2009.
الجزيرة (2007)
يُرزَق "علي الحفني"، أحد كبار أعيان الصعيد، بطفله الأول "منصور"، يبلغ أشده ويتطبع بجبروت والده الذي يختار له "فايقة"، ابنة أحد الأثرياء كي يتزوج بها، ليكون صاحب المال والنفوذ معًا، وبالرغم من حب منصور لـ"كريمة" إلا أنه يقبل الزواج بـ"فايقة" إرضاءً لوالده، يتوفى الأب ويرث الابن كل شيء من أمواله وأملاكه واتجاره بالمخدرات والسلاح، ويساعده في ذلك الضابط "رشدي" مقابل إبلاغه عن عصابات الصعيد، إلا أن الوضع يتطور وتتأزم الأمور بينهما، وهو من بطولة أحمد السقا ومحمود ياسين وهند صبري وخالد الصاوي وزينة وإخراج وتأليف شريف عرفة.
بطل القصة الحقيقي فهو عزّت حنفي، تاجر المخدرات والسلاح، الذي استولى هو وآخرون على 280 فدّانا في جزيرة النخيلة بمحافظة أسيوط، ثم قاموا بزراعة أرضها بالبانجو، وفرضوا سيطرتهم عليها، إلى أن تم القبض عليه في 2004 وإعدامه في 2006.
المرأة والساطور (1997)
تدور أحداث الفيلم حول "سعاد قاسم" الأرملة الشابة التي تعيش بالإسكندرية هي وابنتها المراهقة بعد أن توفى زوجها وترك لها ميراثًا ضخمًا، فتسقط في براثن محمود علوان الذي يدَّعي أنه مدير مكتب رئيس الوزراء وتتزوجه، وتمنحه توكيلا رسميا يُمكِّنه من الحصول على كل ممتلكاتها، يستولي على كل شيء، يرفض أن يُعيد لها أموالها، تعرف بعدها أنه نصّاب خدع الكثيرين، يحاول الزوج التحرش بابنتها فتقرر التخلص منه لتقتله وتُقطعه بالساطور قبل أن تتخلص من أشلائه بأماكن متفرقة، غير أن الشُرطة تُضَيّق عليها الخناق فتنهار وتعترف ويُحكم عليها بالسجن المؤبد 15 سنة، وهو من بطولة نبيلة عبيد وأبو بكر عزت وإخراج وسيناريو وحوار سعيد مرزوق.
استطاع مؤلف الفيلم سعيد مرزوق أن يرسم بقلمه تفاصيل جريمة قتل شهيرة وقعت في الإسكندرية عام 1989، ليواجه بعدها ردود فعل متباينة بين متعاطف مع الزوجة ومهاجم لها، إلا أن بعد سنوات عديدة خرجت ابنة القتيل لوسائل الإعلام لتقول إن تلك القصة مُلفقة، وإن والدها لم يمكن كما صوّرت القاتلة على أنها الضحية وهو الجاني، لتظل الحقيقة مُعلقة لا يعلمها إلا أصحابها.
عفوًا أيها القانون (1984)
تدور أحداث القصة حول زوجين الدكتور "علي" والأستاذة الجامعية "هدى"، يحبان بعضهما إلى حد كبير، ولكن يعاني الزوج من عقدة نفسية تجعله غير قادر على الاندماج مع الجنس الآخر وممارسة الحياة الطبيعية بين أي زوجين، وكانت تحاول جاهدة زوجته مساعدته وعرضه على أطباء أخصائين لمعالجته، وحين يشفى وتختفي تلك العقدة النفسية يخون "علي" زوجته بفراش الزوجية مع صديقة متزوجة لهم تُدعى "لبنى"، تضبطهما الزوجة بالفِعل المشهود فتُطلق عليهما الرصاص من هَول الصدمة ويتم القبض عليها، تتوالى الأحداث ويموت الزوج فتُحاول المحامية لفت نظر القضاء لضرورة تخفيف الحكم مراعاةً لحالة الزوجة النفسية وقت ارتكاب الجريمة مع عقد مُقارنة بأحد الأبطال الذي قتل زوجته وعشيقها حين فوجئ بخيانتها، فكان القانون معه رحيمًا للغاية وحَكَم عليه بشهر مع إيقاف التنفيذ، لينتهي الفيلم بالحكم على الزوجة بـ15 سنة سجن.
الفيلم من بطولة نجلاء فتحي ومحمود عبد العزيز وإلإخراج الأول لإيناس الدغيدي، وعنه تقول مخرجته إنها عثرت على فكرته بالصدفة أثناء قراءتها كتابا صغيرا لضابط شرطة اسمه "نبيل مكاوي"، وأصرّت على تقديمها كأول أفلامها، خاصةً حين علمت أنها قصة حقيقية، وكادت في مرحلة ما أن تتراجع عن تنفيذ فكرتها إلا أنها ما لبثت أن استعادت شجاعتها حين اكتشفت أن بعض أساتذة القانون وأهل الشريعة يعترضون على تلك التفرقة الموجودة بالقانون، ففي الوقت الذي يعاقب فيه القانون الزوج إذا قتل زوجته المتلبسة بالخيانة بالحبس لمدة لا تزيد على 3 سنوات واعتبارها جُنحة، نجده يُعاقب الزوجة إذا ما ارتكبت نفس الجريمة بالسجن المؤبد أو المشدد لمدة لا تتجاوز 15 سنة واعتبارها جناية.
حافية على جسر الذهب (1976)
تهوى "كاميليا" التمثيل، تتعرف بالمخرج المنتج أحمد سامح الذي يتفق معها على بطولة فيلمه الجديد، يتقرب منها عزيز صاحب النفوذ ولكنها تصده، تتفق مع أحمد على الزواج فيهددها عزيز بقتله، تقرر التضحية بحبها فتعامل أحمد بجفاء وتصده، يعتدي أعوان عزيز على أحمد، تساوم كاميليا عزيز بأن يسمح لأحمد بالسفر للخارج للعلاج مقابل أن تهبه نفسها فيوافق، وفي الطائرة يتسلم أحمد خطابًا من كاميليا تعترف له بالحقيقة، تذهب كاميليا لمنزل عزيز بإرادتها، وينتهي فيلم "حافية على جسر الذهب" بقتل كاميليا لعزيز في منزله وانتحارها.
واقتبس مؤلف الفيلم عبد الحي أديب القصة من حياة الممثلة اليهودية "كاميليا"، والتي تعرف عليها المخرج أحمد سالم عام 1946، ودربها علي التمثيل والرقص، لتظهر في السينما من خلال فيلم "القناع الأحمر"، وبعدها انتشرت إشاعات بارتباطها بـالملك فاروق، وتوفيت كاميليا في حادث طائرة رحلة 903 المتجهة إلى روما، ولا تزال ملابسات تلك الحادثة مجهولة.
ورغم أن إنتاج الأفلام الواقعية تراجع خلال اسنوات الأخيرة، بعدما شهدت السينما المصرية رواجًا لهذا النمط في الثمانينات تحديدًا، كرد فعل رافض لأفلام المقاولات الخالية من الإبداع والأفكار المعبرة عن الواقع، إلا أن السينما تبقى مرآة معكوسة أو مكملة أو عاكسة للواقع ككل الفنون جميعًا.
بالبلدي | BeLBaLaDy
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" التحرير الإخبـاري "
0 تعليق